علم نفس - الهوية (Identity)
يمكن تعريف الهوية بأنها ماهية الشخص (أو الشيء)، مما يتسم به من مجموعة الصفات، التي تميزه عن الآخرين، وتجعله متفرداً بها. ومن ثم، فإنها، أي الصفات، تشمل كل جوانبه، أي الشخص أو الشيء، وهي، بالنسبة إلى الشخص، تنتظم في مواصفات، جسدية ونفسية واجتماعية، وفي تكامل ينمّ على روح الهوية والشعور بها. لذلك، فإنه يمكن أن نقسم هوية الشخص إلى هوية جسدية، وهوية نفسية، وهوية اجتماعية.
والهويـة الجسديـة (Physical Identity)، هي السّمات الفيزيائية، من حيث البنيان الجسماني، وما يتميز به من الطول والقصر، البدانة أو النحافة، لون جلده وشعره، من حيث وجوده من عدمه، نعومته أو خشونته، لون العينين، قسمات الوجه، تناسق الملامح، تناسق الجسد، عدم وجود إعاقات تعطل قدرات الفرد الجسدية، أو تحول دون إدراكه للعالم من حوله، ومقارنة نفسه بمن حوله. والأهم من ذلك، في حالة الإعاقات الحسية (Loss of Sensation)، هو عدم نمو الوعي بوجوده، فلا يدرك هويته المادية، ولا أداءه العقلي. فمن تكن لديه إعاقة مثل فقْد السمع والبصر، أو خلل المسارات الحسية (Afferent Sensory Tracts)، الداخلة إلى الدماغ لتوصيل الإحساسات الجسدية ـ لا يمكنه إدراك المثيرات الجسدية، التي تكوِّن هويته الجسدية، ومن ثم تكون هويته الجسدية غير واضحة بالنسبة إليه، وهذا لن يمكنه، كذلك، من مقارنة نفسه بالآخرين، وعدم معرفة من يشبهه من المحيطين به في بيئته، فلا يكتشف السّمات المشتركة مع أعضاء جماعته، وهو ما يؤثر في هويته، النفسية والاجتماعية.
أمّا الهوية النفسية (Psychological Identity)، بالنسبة إلى الشخص، فهي ما تعيه النفس وتشعر به من سمات، عقلية وانفعالية، وسلوك ناتج من تلك السّمات النفسية، تجاه ما لديه من قدرات عقليـة (Mental Abilities)، واهتمامات واتجاهات داخلية (Attitudes)، تعبّر عن نظامه القيمي (The Value System)، أو ما يُسمى بالأنا الأعلى (Super Ego)، وما تعكسه تلك الاتجاهات من نظرة إلى العالم الخارجي، تتسق مع إدراك الشخص للعالم من حوله، الذي هو انعكاس للقدرات العقلية وخبرة الشخص الخاصة، المعرفية والانفعالية، والتي هي معياره لقياس العالم الخارجي وفهْمه والتعامل مع مثيراته، هذا التعامل الذي يبرز في سلوكيات الشخص وتصرفاته اليومية.
والهوية النفسية، يمكن أن تشمل ما تنطوي عليه النفس من جزء بدائي، يعبّر عن عفوية الطفل في داخل الإنسان، ويختزن طاقات الغرائز والحاجات الأساسية، من متطلبات البقاء؛ وجزء مجتمعي، يعكس قِيم المجتمع، وأخلاق الوالدين والأسرة، كبيئة محيطة مباشرة، تكون جزءاً مقابلاً، كابتاً للغرائز في الجزء البدائي، أحياناً، ومشبعاً لها، أحياناً أخرى. وهو يرسي أُسُس الواقع الخارجي، كرد فعل أو كأطروحة مقابلة لأطروحة الغرائز. وهذا الجزء يكون باندماج القِيم الخارجية، والتوحد مع أفراد من العالم
الخارجي، خاصة الوالدين، أو من يقوم مقامهما بالرعاية، في السنوات الأولى. وينمو من خلال تفاعل هذان الجزآن، كأطروحتين متقابلتين، جزء ثالث، هو الوسيط بين البدائية الغرائزية، والقِيم والعادات الخارجية المجتمعية. وهو جزء توفيقي، يسعى للجمع بينهما، ليبدو كحصيلة نهائية لهما. وكلما كان هذا الجزء الوسيط متكاملاً ومتسقاً وقليل
الصراعات، عكس هوية سوية. وكلما كانت صراعاته شديدة، تؤدي إلى عدم استقراره، كان هناك أزمة هوية (Identity Crisis).
والهوية الاجتماعية (Social Identity)، وهي الصورة التي يراها الآخرون للشخص، إذ يعيش داخل جماعة تساعده على الشعور بوجوده، وتوجهه لتكوين هويته، وينتمي إليها. وهي، أي الجماعة، كما تشبع حاجاته المادية، تشبع، كذلك، حاجاته المعنوية، فتعطيه الشعور بتقدير الذات، إذ يقارن نفسه بالآخرين، فيلاحظ أوجُه الشبه والاختلاف بينه وبين أفراد الجماعة. وكلما لاحظ أنه أكثر قبولاً اجتماعياً وتميزاً عن الآخرين، شعر بهويته الاجتماعية المتسقة.
وهناك مؤهلات اجتماعية، تسهم في شعور الشخص بهويته. وهي المهنة التي يمارسها، ومدى إسهامها في رفاهية الآخرين وراحتهم، والشهادة التي حازها، وموقعها من الثقافة السائدة في المجتمع، وما يملكه من ماديات، تيسر له سُبُل العيش، وامتداد مظلتها إلى الآخرين من عدمه (أي يعمل لديه آخرون)، ونمط الحياة التي يحياها، ومدى قبولها من المحيطين به، واتساقها مع عادات وتقاليد المجتمع الذي يعيش فيه.
فلا شك أن شخصاً حائز شهادة مرغوبة، اجتماعياً، ويمارس مهنة مرموقة، تفيد المجتمع، ويملك، مادياً، ما يجعله يستخدم (يستوظف) لديه آخرين من أفراد مجتمعه، ويفتح لهم أبواب رزق، ويعيش أسلوباً حياتياً، يتفق مع عادات وتقاليد مجتمعه ـ سيكون هوية موجبة، من خلال التقدير الاجتماعي، الذي سيلقـاه من المحيطيـن به. بخلاف شخص آخر، لم يحز شهادة تعليميـة، ولا يمارس مهنة مناسبة، ولا يمتهن عملاً مقبولاً من المجتمع، وليس لديه ما يكفيه، مادياً، ويعيش نمط حياة، لا يتسق مع عادات وقِيم مجتمعه (مثل الشخص المدمن) ـ فإنه يكون غير مقبول من مجتمعه، وملفوظاً وفاقد التقدير. وهذا يسهم في خلق أزمة هوية، أو هوية سلبية، لا تحقق له الإشباع الذي ينشده.