نسور مصر :جاهزون لتأديب كل من يفكر فى ذبح مصرى،

ثقتى فى قواتنا المسلحة الباسلة مثل ثقتى بهذه الأمة المصرية العظيمة، هى الزاد الذى أكتب منه هذه الكلمات كل صباح، لستُ فى حاجة إلى شرحٍ من أحد.

كانت عقيدتى الفكرية ولاتزال: القوات المسلحة هى شاسيه الدولة المصرية، هى مصهرُ الوطنية المصرية، هى ماكينةُ التحديث التى نقل بها محمد على مصر من العصر المملوكى - العثمانى المتخلف إلى الأفق الأوروبى الحديث.

كان فهمى للتاريخ ولايزال: كل دولة حديثة أسست لها جيشاً، أما فى مصر فإنها - بالارتكاز على الجيش الحديث وحده - أسست دولة بكل مؤسساتها ووزنها ودورها وتأثيرها.

كان فهمى لموقع الجيش الحديث فى الدولة الحديثة: أنه ضامنٌ لحقوق الشعب فى مواجهة السلطة، فعل هذا فى مواجهة الخديو توفيق حيث الثورة العرابية، فعل هذا فى وجه الملك فاروق حيث ثورة ٢٣ يوليو، فعل هذا فى مواجهة مشروع التوريث فى ثورة ٢٥ يناير، فعل هذا فى مواجهة هجمة الأخونة فى ثورة ٣٠ يونيو، فى كل تاريخه كان الجيشُ الوطنى هو درعُ الأمة المصرية، يتحملُ عنها المغارم، يحميها دون أن يطمع فى التحكم فيها، يحرسها دون أن يطمع فى تملكها، بل هو يفديها وينوب عنها فى كل الملمات والرزايا.

هذا الجيش العظيم هو جيشُ الأمة المصرية العظيمة، ولم يكن، ولن يكون - فى يومٍ من الأيام - جيش الحكام، سواء كانوا الحكام الذين أسسوه وشيدوه وبنوا أركانه من حكام أسرة محمد على، أو الحكام الذين جاءوا من صفوفه بعد ثورة ٢٣ يوليو. ودائما - وفى كل المحطات الصعبة فى تاريخ مصر - كان الجيش وكانت الأمة، كلاهُما - معاً - من يصلح أخطاء الحكام، ومن يقيل عثرات الدولة، ومن يعيد وضع العجلات على المسار الصحيح، ومن يحفظ السلم الأهلى ويبسط الأمان فى أعماق النفوس مثلما يبسطها فى ربوع البلاد. فالحكام - فى كل الدنيا - قادة سياسيون، يعملون فى ظروف متقلبة وتحت حسابات متغيرة. أما الجيوش - فى كل الدنيا - فهى مثل الشعوب، ثوابت أثقلُ من شوامخ الجبال.

فى الأيام القليلة الماضية، كان الجيش المصرى العظيم هو طاقةُ الأمل الوحيدة فى محيط من اليأس، هو مركزُ الإجماع الوحيد فى فوضى الانقسام، هو معقدُ الاحترام الوحيد فى ساحة - للأسف الشديد - تتدنى فيها مستويات الأداء بصورة مخزية لا تليق بمركز مصر الثقافى والحضارى، ففى اللحظة التى حلَّق فيها نسورُ سلاح الجو المصرى الأبطال فى السماء غربى البلاد، كانت الصورةُ كالآتى:

أولاً: شعبية رئاسية فى النازل بسرعة هائلة، خاصة بعد استشهاد أبنائنا الأبرار فى الكتيبة ١٠١، وصلت إلى أن أكثر الناس تحمساً، لم تعد قادرةً على الدفاع عن هذا المستوى من الأداء السياسى، حتى وإن بقيت على ثقتها فى وطنية القيادة وإخلاصها التى هى ليست محل شك. ولكن الناس حائرون أمام موجات الأحزان - التى تمر دون أى مساءلة - وهى كذلك ليست محل شك.

ثانياً: مرارة اجتماعية مؤلمة من مذبحة ٩ فبراير الأليمة، حيث قضى ١٩ مصرياً بريئاً نحبهم دون ذنب ولا جريرة، فى مبارة إنبى مع الزمالك، وبدلا من أن يسمع أهلوهم كلمة عزاء، خرج على الفضائيات من يلقنهم الدروس فى تهذيب أولادهم وتعليمهم حسن السير والسلوك. وللأسف المُحزن، لايزال الصمتُ غير الجميل هو سيد الموقف، وبصورة تقلق كل ذى عقل على بقايا دولة العدل والقانون.

ثالثاً: بلادة تنفيذية من الحكومة، التى تعلم بنبأ اختطاف الـ ٢١ مصرياً فى ليبيا منذ فترة طويلة، فقد تم اختطافهم على مرحلتين، ودامت فترة الاختطاف أكثر من أربعين يوماً، لم نسمع عن أى تحرك حكومى جاد خلالها، وسيحتفظ التاريخ فى باب النوادر والنكت اللطيفة والظريفة ما قاله من يشغل موقع رئيس وزراء جمهورية مصر العربية، فى واحدة من أخطر لحظات تاريخها، لأحد أقارب المختطفين: «ياريت داعش ياخدونى مكان أولادكم».

رابعاً: مجتمع سياسى مشغول بالنخاسة البرلمانية، شراء نواب، اختطاف نواب، اغتصاب قوائم، تشهير، تقلبات، ألاعيب، صراع عبثى على مولود مشوه، لن يكون فيه إلا اللعنة على كل من رسمه، وكل من خطط له، وكل من شارك فيه وهو يعلم، إلا مَن كان حسن النوايا، ومازال عندنا منهم الكثيرون والحمد لله.

خامساً: أمة مصرية عظيمة - باستثناء شماتة الإخوان ومن على دربهم - وقفت متماسكة على أحسن ما يكون التماسك، على وعى كافٍ بوحدتها الوطنية، انتصرت على كل المعانى الطائفية، أمة واحدة، شعب واحد، دين واحد، دماء واحدة، أسرة واحدة، بصراحة شديدة: لقد تجلت عظمة الأمة المصرية فى أروع صورها الإنسانية والوطنية، وهى تسمو فوق جراحها، وهى تتوحد ضد عدوها، وهى تستعصى على الحرب النفسية الماكرة، وهى تصمد أمام حربٍ، حرب الأعصاب الخبيثة، وهى تقف خلف قيادتها، وهى تؤجل كل خلافاتها، وهى تثبت لنفسها وللعالم أنها أمة أقوى من الخطر، أمة أقوى من التحديات، أمة أقوى من كل تهديد، أمة أقوى مما يظن أعداؤها، أمة قادرة على علاج ضعف الدولة وكسلها وبلادتها وعدم ارتقائها إلى مستوى التحديات الجسام.

أخيراً: فى هذه الأجواء الضبابية، كان نسورُ سلاح الجو المصرى الأبطال يحلقون فى السماء، ليس فقط لتأديب الإرهاب الخسيس، ولكن فى وقت واحد أنجزوا عدة مهام، لم يكن يقدر عليها سواهم، مهمات بعضها هناك فى الخارج المتآمر، وأغلبها هنا فى الداخل الأعوج:

رقم واحد: نسور سلاح الجو استعادوا - إلى حين - شعبية الرئاسة من منحنى الهبوط السريع.

رقم اثنين: النسور رفعوا معنويات الشعب المصرى بما منحوه من معانى العزة والأمان والقوة والكرامة.

رقم ثلاثة: النسور الجارحة عالجوا نعومة الحكومة وطراوتها التى تعاملت مع الموضوع من زاوية العمل الخيرى وتطييب الخواطر وذرف الدموع.

رقم أربعة: النسور أرسلوا إلى العالم كله رسالة واضحة: جاهزون لتأديب كل من يفكر فى ذبح مصرى، جاهزون لتأديب من يفكر فى تعطيش المصريين، سوف نحمى الدماء، وسوف نحمى الماء.

رقم خمسة: النسور فتحوا آفاقاً جديدة أمام الدبلوماسية المصرية لتتحرر أكثر من ميراث الضعف والخنوع، لسنا فى حاجة إلى إذن من أحد إذا كان الأمر يتعلق بحماية بلدنا وكرامتنا وأرواح أبنائنا.

حفظ الله الأمة المصرية العظيمة، حفظ الله الجيش المصرى العظيم.

يسلموووعلى الموضوع
لك منى كل الشكر والتقدير
لمجهودك المتميز والمبدع
يعطيك العافية ولاحرمنا جديدك

تحياتى لكم
ودامت طلتكم