عاداتنا الشرقية والفلانتاين ...

كلماتى  هذا اليوم لن يعجب النساء قطعا. ففى كل عام يفاجئنى «الفلانتين» من حيث لا أحتسب. وحتى هذه اللحظة لا أعرف موعده بالضبط. وأشعر بالحرج حينما يهنئنى أحد به. أرد التحية ولكن شيئا فى صدرى يشعر بعدم الارتياح. (فلانتين)! لا أدرى متى اقتحمت هذا البدعة حياتنا الشرقية.

لكن الأمور فى العادة تتغير ببطء يجعلنا لا نلاحظها. انكفأت فى عالمى الداخلى أنسج غزل نسيج ذكرياتى، فإذا بدنياى وقد تغيرت بالكامل.

وهكذا سمعت الفتيات من حولى يتحدثن باهتمام عن شىء يدعى (الفلانتين). وشاهدت محال المدينة وهى تصطبغ باللون الأحمر. سألتُ عن السيد (فلانتين) فقيل لى إنه كان راهبا تحدى أوامر الكنيسة وراح يعقد قران الشباب والشابات. سألت نفسى: المسألة فيها زواج ومأذون، فلماذا ينزعج من الفلانتين رجل محافظ مثلى؟

أنزعج لأننى رأيت الرجال الصناديد وهم يحملون- ياللهول- دباديب وزهورا حمراء. بغريزتى قبل عقلى، شعرت أن دخول الفلانتين عالمنا الشرقى أمر مفتعل. شىء صناعى. حيلة لرواج المحال وبيع الدباديب. لا هذا اليوم يومنا ولا ذلك التقليد تقليدنا. إنها العولمة يا صغيرى. الرياح الأمريكية العاتية التى اكتسحت العالم شرقا وغربا. لكننا للأسف لا نفوز باحترام الغرب حين نقلده. هل تنظرون باحترام إلى القرد وهو يؤدى (عجين الفلاحة)؟ لا القرد صار إنسانا ولا ظل قردا فى الغابة يتعلق بغصون الأشجار فى رشاقة لا يملكها أعظم لاعب أكروبات فى العالم.

بالضبط كما أشعر بالانزعاج من البدعة الجديدة حين يصرخ الشباب (وووووه) لإبداء الإعجاب بمطرب أو مطربة. صوت قبيح ابتدعه الشباب الأمريكى فقلده القرود عندنا. يشبه صراخ الهنود الحمر وهم يطاردون الجاموس الوحشى توطئة لسلخ جلده!

يتصور البعض أن تقليد الغرب حداثة. الغرب نفسه لا يهتم إلا بالشىء الأصيل المحلى. هل منحوا جائزة نوبل لنجيب محفوظ إلا لهذا السبب؟ عاشق القاهرة القديمة التى لم يغادر حواريها وأزقتها وحكاياتها القديمة. من أجل ذلك جنّوا عشقا بطاغور البنغالى. الرقة والصوفية والارتماء فى أحضان الطبيعة! من أجل ذلك يحافظون على تقاليد الجماعات البدائية المهددة بالاندثار. الأصالة شىء ثمين يستحق منا أن نفعل كل ما وسعنا لحفظه.

لم أحب (الفلانتين) قط ولم ينتم يوما إلى مفردات عالمى. وأشعر أنه مجرد حيلة لإقامة علاقات بين الشباب والشابات من أجل أن تتم الطبيعة دورتها وتعلن الحياة انتصارها. وقد كان ذلك وحده كفيلا أن يجعلنى أحتفى به، فلطالما احتفيت بالحب لولا شعورى أنه شىء صناعى. أمر لم ينبع من تقاليدنا الشرقية. فى الحب يجب أن نكون- نحن الشرقيين- متبوعين لا تابعين. ولطالما جاءنا الغرب زاحفا على ركبتيه ليتعلم أسرار الحب منا. لأزمنة طويلة كان لدينا كل الوقت فى العالم. وفيما كان الغرب منكفئا يبحث عن وسيلة للهروب من البرد المنحط، ساعدنا المناخ المعتدل أن نتأمل قطرة الندى وهى تسيل فوق أوراق الزهرة. وقرأنا رسائل الحب الفضية التى يرسلها القمر.

الحب لا يحتاج يوما نجعله يوم عيد. الحب فيض شكر يملأ صدر المخلوق تجاه الخالق. الحب شعور غريزى ينتاب الناس الطيبة صوب الناس الطيبين. نعم أنا مُصرّ أننى لن أحتفل بالفلانتين يوما. وحين يهنئنى به أحد لن أرد. ولن ترانى  أحمل الدباديب كالأحمق.