يحيا الحب يسقط الحب!

المفترض أن أتفاءل، أن أرى الكوب ملآن وهو فارغ، أن أرى «بومة» فأظنها «بلبل حيران»، أن يصل النواح إلى أذنى على جناح زغاريد، أن أستقبل كارثة على أنها حادثة عادية، دون أى اندهاشة، المفترض أن أبث- بقلمى- الأمل فى العروق، وأستأصل الإحباط، وأقيم للحب- فى يوم الحب- حفلاً تزينه ورود حمراء وتهتز بالرنين تليفونات المحمول والـ«واتس أب» بالأمانى والتهانى.

المفترض أن أركب الصعب وأبيع الميه فى حارة السقايين وأفتح المندل وأداوى الحيارى بعد الفراق.

المفترض أن أطلق البلابل تشدو على الأغصان.. تشيع فى الجو نسيم المحبة، بينما الصهد فى درجة حرارة أفران الحديد، المفترض أن أنام فى حضن فجر يشقشق، والحقيقة أننى ألتحف بليل حالك السواد.

المفترض أن «الحياة حلوة» وأنا أرددها مئات المرات لأقنع نفسى بأنها كذلك، وفى الحقيقة أنقل لكم مشاعرى عن شكوكى فى حلاوة الحياة.

المفترض ألا أتشاءم- رغم الحزن الجارف- وأتحرش بالأمل وأركب قطار التفاؤل إلى محطة المستقبل.

المفترض أن أفرد حبال المحبة.. يا أهل المحبة، لكن «عيد الحب» جاء فى أمشير برياحه المفترية وزوابعه العنترية، جاء مطابقاً لزمان الحب الآن، معبراً عن نفسه ببلاغة.

■ ■ ■

زمان، طلع محمد عبدالوهاب ابن باب الشعرية، مغنى الملوك والأمراء، بفيلم «يحيا الحب»، مظاهرة ناعمة قادها عبدالوهاب وسرنا خلفه نهتف يحيا الحب، كان زمن الروقان والجيوب المشخللة بالفلوس والنفوس الراضية والصوت الأقرب إلى الهمس، زمن تقبيل أيادى الأمهات وقهوة الجيران والأبواب المفتوحة كما دوار القرى، زمن التآخى والعزومات فى البيوت والحياء والخشا والعيون المستحية والاعتذار عن الخطأ وملاعب الكرة بلا كلمة نابية.

زمان، كان الحب خجولاً، يطل من بين الضلوع ويختفى فى الصدور.. زمان، كان الاعتراف بالحب زلزالاً على الشفاه.. زمان، كانت الدمعة تهيم فى الأجفان عند الفراق.. زمان، كانت الأصابع تتشابك فى حنان يذيب الصخر.. زمان، كانت أم كلثوم تغنى «الليلة عيد» فيشعر الكل بالعيد وهو «سعيد».. زمان، كانت رؤوس النساء فى حفلات كوكب الشرق كأنها تيجان قبل اختفاء التاج، زمان كانت الكلمة عقداً مسجلاً بين اثنين نطقا به.. زمان، كان الحب توأم المحبة ولا يفترقان، فإذا ذهب الحب بقيت المحبة.. فى زمن «يحيا الحب» لم تكن الدموع عصية ولا الكلمة الحلوة الممتنة عصية، كان الشتاء شتاءً والصيف صيفاً والربيع ربيعاً والخريف هو الخريف، كانت الفصول تأتى فى مواقيتها قبل ثورة المناخ فى العالم والاحتباس الحرارى، قبل الربيع الذى يأتى فى الصيف تنكراً.. فى زمن يحيا الحب كان الاستئذان فى الكلام أسلوباً، ومقاطعة المتحدث عيباً، والصوت العالى عيب العيوب، وكان العطف جلياً على الصغير، وكان التوقير جلياً للكبير، قبل أن تختلط الأمور وتسقط بديهيات وتنتحر أبجديات.

فى زمن «يحيا الحب» كانت الأشواق تعربد فى الصدور، والشفاه تتعثر فوقها كلمات الهوى، كانت العيون هى شاشات القلوب بلا «فاصل»، كانت رفة الأهداب تقول الكثير مما يعجز عنه اللسان، كان الحياء كبيراً والصدق كثيراً و«الود بلا أجر» كثيراً، كانت البيوت معمرة بزيجاتها، كان الطلاق شبحاً بعيد الحدوث، كان التعاطف مظلة على الفقراء والمحتاجين، كان عناق الأذان مع أجراس الكنائس مضرب الأمثال فى العالم، فى ذلك الزمن الجميل كان محمود درويش يقول «أما أنا فسأدخل فى شجرة التوت حيث تحولنى دودة القز خيط حرير فأدخل فى إبرة امرأة من نساء الأساطير وأصير شالاً على كتفها».

ذلك كان زمن «يحيا الحب»، جيل جدول الضرب، وجفنه علم الغزل، وفى الليل لما خلى، وأعلم أنه لن يعود، ويكفينى أن أستعيده على ربابة الروح!

■ ■ ■

وجاء زمن آخر، أطلت علينا التكنولوجيا فأعطتنا «الشهد والدموع» فى آن واحد، وقد أصبحت جزءاً من حياتنا ولعبت بنا وبمزاجنا وعاداتنا وبمعتقداتنا وبأذهاننا وبعلاقاتنا وقلوبنا، حتى مناخنا لم يسلم من زلزالها المليون جيجا!

صار الحب فى حياتنا «رنة موبايل»، ومجرد «sms» متهورة متسرعة هوجاء، وقد تُشيَّر لأكثر من واحدة وهى رسالة واحدة، ولكنها تفتقد الدفء والحميمية، صار الزواج فى حياتنا مبكراً والطلاق مبكراً، لم تعد الأجساد قادرة على التلامس، واحتل الصراع مساحة ليست صغيرة، وصار الطلاق كفنجان قهوة. ازدحمت البلاد بالعباد وعرفنا أخلاق الزحام والتصارع على الرزق بالأكتاف، عرفنا الوحشية فى السياسة والوحشية فى الحكام والوحشية فى شاشات التليفزيون والوحشية فى الكلمة المكتوبة والوحشية فى أدوات التواصل والوحشية فى السلوك فى الشارع حتى فى أسود السيرك المدربة على الوداعة!! ويسقط الحب.

صار القتل سهلاً والخطف سهلاً والحصول على السلاح سهلاً والتشويه سهلاً والحرق سهلاً، صار التشكيك سهلاً وتأجيل الأحكام سهلاً والانقسام سهلاً وزرع القنابل سهلاً وارتداء الأقنعة سهلاً وتغيير القناعات سهلاً وتفخيخ السيارات سهلاً، صارت الحياة جثامين وجنازات، وتصريحات وتسريبات واتهامات وتحالفات، فكلما اقتربنا من الأهداف، تعالت نبرة القتل والحرق، حتى مباريات الكرة المصرية أصبحت خسائرها فادحة، خسرت فى «ماتش واحد» أكثر من عشرين هدفاً «أقصد قتيلاً»! صار شباب هذا الزمن ثائراً وغاضباً ورافضاً وعنيداً لقضية أو دون قضية، ويسقط الحب.

■ ■ ■

أشياء تعوق الحب لأنها لا تدعو إلى الارتياح، فالثقة مفقودة، ثقة فقدت عذريتها.

الجنس الحميم صار ماكينة بلا روح أو دفء، فكل النساء «أبقار» فى الظلام، والأظفار تنهش اللحم واللذة مستعارة وربما مزورة، القبلات تلطع على الشفتين كما ورقة بوستة، ضلت الأصابع المتشابكة طريقها للأصابع، الأحضان ما عادت كما بالأمس دافئة فنصفها شوك والنصف الآخر بلادة.. زمان، كنا نتريض فى الجنينة، والآن يبحثون عن فلذات الأكباد فى المشرحة.. زمان، كان الشاعر يقول «إن كنت طبيبى ساعدنى كى أشفى منك»، الآن تقول سعاد الصباح «أحبك جداً.. وأعلم علم اليقين.... بأنى أؤسس مملكة فى الهواء»، الرسائل الزرقاء المعطرة فى خبر كان، المناديل المبتلة بدموع الفراق فى خبر كان، التحرش صار عنواناً فى الصحف وموضوعاً فى التوك شو، سينما الحب شيعناها من زمان وصرنا نتشوق لأفلام الـ «أبيض وأسود»، وأم كلثوم أقولك إيه عن الشوق يا حبيبى.. السياسة فرضت نفسها بأنيابها على موائدنا، سرقت الهناء والفرح وسرقت النوم وضوء القمر، ويسقط الحب.

ورغم المرارة والكآبة والفرح المنقوص، مازال يعشش فى القلوب الحلم بمصر التى كانت فيها أكشاك الموسيقى تعزف فى الميادين، والعازفون عساكر شرطة! وستصل مصر بسواعدها للحلم دون نشطاء الغرف السرية وقطاع طرق الحرية مع رئيس بضمير، ونقلاً عن الفيس بوك أنقل لك فى نفس السياق طرفة: «أمينة: هاتجبيلى إيه فى الفلانتين يا سى السيد؟»، «سى السيد»: «هاجيبلك جلطة يا أمينة» (!!).

بقلم مفيد فوزى

١٤/ ٢/ ٢٠١٥

دائما متميز في الاختيار
سلمت على روعه طرحك
نترقب المزيد من جديدك الرائع

يسلم مرورك الجميل
امتنانى

يعطيك آلف عااافيه
ماأرقك وماأجمــــل ذائقتكـ
غاية بروعة والجمال
أشكرك ع الابداع المميز
لك من الود مايرضيك
دمت بخير وبسعاده

سرنى تواجدك
امتنانى

تسلم الايادى مجهودك وتميزك رائع جدا

شاكرا التواجد الدائم
امتنانى

موضوع راائع جدا
شكرا لكم
و بارك الله فى جهدكم الرائع
فى انتظار جديدكم المميز

يسلموا لروعة الطرح المميز والانتقاء الجيد
يعطيك العافيه ,,,,, خالص احترامي

» وسائل لتنمية الحب بين الزوجين ( 26 ) ازرعي الحب في قلب زوجك الدي لا يحبك
» ومن الحب ما قتل"..كيف تتغلب على آلام الحب؟
» # # ماهو الحب - الحب هو ؟ # #
» الحب فى زمن داعش
» الحب أقوى من السحر