الشعوب تنسى والقافلة تسير!

عيش عصر الفيمتوثانية.. أسعد الله صباح الدكتور أحمد زويل.. فالأحداث متسارعة للغاية، لا نأخذ وقتاً طويلاً كى نتوقف أمامها.. نلهث خلف الأحداث.. مثلاً كم ساعة أخذناها فى التفكير، بعد حرق معاذ الكساسبة؟.. كم ساعة أخذناها بعد مجزرة استاد الدفاع الجوى؟.. كم ساعة فكرنا فى ترشح أحمد عز؟.. كم ساعة أخذت حركة المحافظين؟.. ساعات وينفض المولد.. الشعوب تنسى والقافلة تسير!

ومع أن النسيان نعمة إلهية، إلا أن الأنظمة الحاكمة تستغلها.. تعرف أن الشعوب تنسى.. تعرف أنها لن تتوقف طويلاً أمام أى شىء.. وبرغم الوجع فى حرق معاذ الكساسبة، فلم نتوقف طويلاً.. السبب عندنا كارثة إنسانية فى استاد الدفاع الجوى.. هى كارثة حتى لو لم تصنفها «الجارديان» البريطانية بأنها كارثة.. والكارثة الأكبر تعاملنا معها.. محاولة لدفن القضية حتى تموت.. كى لا نعرف: من القاتل؟!

كل ساعة عندنا جديد يشغلنا عما قبله.. الأحداث تتقادم فى المساء.. الصباح شىء والمساء شىء آخر.. الأحداث يأكل بعضها بعضاً.. فمثلاً زيارة بوتين كانت الحدث الأهم، جاءت مذبحة الاستاد لتغطى عليها.. وقبلها بيوم كانت الانتخابات هى الأولوية، وترشح أحمد عز المسمى بإكس الثورة غطى عليه شىء آخر.. وهكذا حرق الطيار الأردنى والتسريبات الرئاسية.. كلها أصبحت تستغرق ساعات فقط!

لم تسعفنا الفضائيات بكشف ملابسات ما جرى فى الاستاد.. هناك سبق إصرار وترصد.. هناك نية مبيتة للتعمية عليها.. تتصور أنها تخدم النظام.. تتصور أنها تريد أن تمرر زيارة بوتين.. كل شىء جائز.. لا يدرى هؤلاء أن بوتين رأى ما هو أكثر عنده.. لا يدرى هؤلاء أن الآهة المكتومة خنجر فى ظهر أى نظام.. الناس تمشى فى الزفة.. تقول جملة واحدة قبل أى شىء: إحنا مش قصدنا نضرب الاستقرار(!)

نتصور خطأ أننا حين نمارس المهنة كما يجب، أننا ضد النظام.. مهنتك أن تناقش.. مهنتك أن تبحث عن الحقيقة.. أن تبحث عن المتاعب.. لم تعد الصحافة مهنة البحث عن المتاعب.. أصبحت مهنة البحث عن فلوس.. البحث عن ماركات السيارات الفاخرة.. أيضاً السهرات الفاخرة.. هكذا ينبغى أن تصمت وتخرس.. بدعوى أن المشرحة مش ناقصة قتلاء.. بالعكس الصمت يحرق البلد.. والكبت يشعل النار!

كم تمنيت أن تأخذ زيارة بوتين حظها من البهجة.. لأنها تستحق فعلاً.. دماء الشباب حالت دون ذلك.. هناك إشارات فى الزيارة، ربما لم تستوقف كثيرين.. أتحدث عن هدية بوتين للرئيس السيسى.. الهدية عبارة عن بندقية روسية.. معناه أن سلاح روسيا عند أطراف أصابعنا، حين يعز السلاح.. معناه أن روسيا جاهزة بالسلاح لمصر.. معناه أن البندقية جاهزة للإرهابيين.. الهدية معبرة ذات دلالة قوية!

فى عصر الفيمتوثانية نلهث.. كأننا ننظر إلى صور متحركة.. كل حدث عبارة عن صورة فقط، ثم نقلب المنظر.. لا وقت للتفكير فيه.. هكذا عشنا مأساة معاذ الكساسبة، وعشنا كارثة وايت نايتس.. لم نتوقف هنا ولا هناك.. كما لم نتوقف عند ترشح عز، ولا زيارة بوتين.. رغم أهميتهما القصوى للثورة والدولة!