الجن , تعريف الجن , خلق الجن , هل الجن مكلفون بالتكاليف الشرعية ؟
الجنّ (1) :
هم خَلْقٌ مِنْ خَلْقِ الله تعالى، خَلَقهم سبحانه لعبادته كالإنس، قال تعالى: [الذّاريَات: 56] {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنْسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ *} ، وهم يوافقون البشر بأوصاف، ويفارقونهم بأوصاف (2) .
أما موافقتهم للإنس فبأنهم:
1- مكلفون بالتكاليف الشرعية.
_________
(1) انظر في هذا المبحث كتاب: عالم الجن في ضوء الكتاب والسنة. د. عبد الكريم عبيدات، الباب الأول من ص (3) إلى ص (76) .
(2) ستأتي - إن شاء الله - أدلة هذه الأوصاف بعد تمام ذكرها.(1/10)
2- يسكنون هذه الأرض.
3- يأكلون ويشربون.
4- يتناكحون ولهم ذرية.
5- يُنسَبون إلى أقوامٍ وعشائرَ وقرابات.
6- ينتسبون إلى أديان مختلفة، فمنهم المؤمنون [وهم درجات في الصلاح] ، ومنهم الكافرون.
7- ... لهم أوصاف مشتقة من أحوالهم، فكما يقال للإنسي: شيطان لكثرة شقوته وإضلاله لبني جنسه، يقال للجني كذلك، وكما يقال طُفَيْلِيٌّ للإنسان إذا كَثُر اعتمادُه على غيره، يقال للجني إذا اتصف بذلك: تابع، وهكذا ... ومن أوصافهم المشتهرة العِفْريت: وهو القوي الداهية، والخابل وهو الذي يتسبب بالجنون لإنسي، والغُول وهو الذي يَكْثُر تشكُّلُه بصور كثيرة، ليُفْزِع الناس، والزَّوْبعة، وهو من أكثر الجن شوكة وقوة، ومنهم الغوّاص وهو من له قدرة فائقة على الغوص لاستخراج مكنونات البحار من حُلِيٍّ وغيرها، ومن ذلك أيضًا: البنّاء، وهو: من يتصف بالمهارة النادرة في فن البناء. والله أعلم.
8- ... ينتسبون إلى أوطانٍ، منها: الجزيرة (1) ، ومن مدنها:
_________
(1) هي: جزيرة أَقُور، وهي تقع بين دِجْلة والفُرات، مجاورة للشام، وسميت بالجزيرة لكونها بين دجلة والفرات، ومن أمهات مدنها حَرّان والرُّها والرقة ونصيبين. انظر: معجم البلدان للحَمَوي (2/156) . والمقصود بالجزيرة - حاليًا -: هي المنطقة الواقعة بين نهرَيْ دجلة والفرات، ويُطلق عليها أيضًا الجزيرة الفراتية ونصيبين من مدنها، وهي مدينة تركية عامرة الآن، وتقع شمال شرق سورية مباشرة، وجنوب غرب تركيا.
(1/11)
نَصِيبين، وفيها جن هم نِعْمَ الْجِنُّ (1) ، وهم سادات الجن، ومن أوطانهم أيضاً نِينَوَى (2) ، وهكذا.
وأما مخالفتهم للإنس فبأمور منها:
1- ... أن أصل خِلْقتهم من خالص اللهب.
2- ... أنهم يتميزون بقدرات فائقة، منها: سرعة الحركة في التنقل، والقدرة الهائلة على إنجاز الأعمال الشاقة، والقدرة على التشكل بصورة ذي روح كإنسان أو حيوان، علماً أن الصورة التي يتشكّلون بها تصير حاكمة عليهم، فلو فُرِض تشكُّلُهم بصورة إنسي ثم طُعِن هذا الإنسي بخنجر مثلاً، فإن الجني يموت بسبب ذلك، بخلاف تشكُّل الملائكة عليهم السلام، فإن الصورة لا تحكم عليهم (3) ، وهم باقون على عظم خِلْقتهم وقوتهم كما قبل التشكل.
3- ... أنهم ثلاثة أصناف:
- صنف لهم أجنحة يطيرون في الهواء.
- وصنف متشكلين بحيات وكلاب.
_________
(1) كما وصفهم بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيما أخرجه البخاري؛ كتاب: مناقب الأنصار، باب: ذِكر الجن، برقم (3860) ، عن أبي هريرة رضي الله عنه، ومسلم - بنحوه -؛ كتاب: الصلاة، باب: الجهر بالقراءة في الصبح والقراءةِ على الجن، برقم (450) ، عن ابن مسعود رضي الله عنه.
(2) وهي قرية الرسول يونس بن متى عليه السلام، بالموصل. انظر: معجم البلدان (5/391) .
(3) ودليل حكم الصورة على الجن عند تشكلهم على صورة ذي روح، قوله صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ بِالْمَدِينَةِ جِنًّا قَدْ أَسْلَمُوا، فَإِذَا رَأَيْتُمْ مِنْهُمْ شَيْئًا، فَآذِنُوهُ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ، فَإِنْ بَدَا لَكُمْ بَعْدَ ذَلِكَ فَاقْتُلُوهُ، فَإِنَّمَا هُوَ شَيْطَانٌ» أخرجه مسلم، برقم (2236) ، عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه. وأما دليل عدم حكم الصورة على الملائكة _ت، قوله تعالى حكاية عن ضيف إبراهيم ولوط _ث: [هُود: 81] {قَالُوا يالُوطُ إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَنْ يَصِلُوا إِلَيْكَ ... } .
(1/12)
- وصنف يحلُّون ويظعنون، يصعدون وينزلون حيث يشاؤون.
4- ... أنهم لا تمكن رؤيتهم على صورتهم الحقيقية.
5- ... أنهم لم ينبّأ منهم أحد، ولم يكن منهم رسول، فأنبياء البشر ورسلهم عليهم السلام، هم أنبياء ورسل للجن كذلك.
6- ... أن من طعامهم اللحم الذي يجدونه عند العظم، وأن علف داوبهم يجدونه عند الروث، يحل لهم ذلك كلُّه إذا ذكروا اسم الله عليه.
7- ... يسكن الشياطين منهم - والعياذ بالله - في الأماكن المهجورة والحُشُوش (1) ، ويسكنون الأسواق لكثرة ما يكون فيها من التبرج، والغش، والأَيْمان الكاذبة، عياذاً بالله تعالى.
* وهاك - أخي القارئ - أدلةً على مجمل ما سبق ذكره من صفات الجن ما وافق منها صفاتِ الإنس وما خالف، مرتبةً بحسب إيرادها السابق إن شاء الله:
1- ... هم مكلفون - كالبشر - مأمورون بأداء الطاعات منهيون عن مقارفة المعاصي، وأدلة ذلك عديدة، منها قوله تعالى: [الذّاريَات: 56] {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنْسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ *} ، وقوله سبحانه - حكايةً عن نفر منهم أنصتوا لتلاوة مباركة من النبي صلى الله عليه وسلم -: [الأحقاف: 31] {يَاقَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِيَ اللَّهِ وَآمِنُوا بِهِ يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُجِرْكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ *} ، قال الإمام الشوكاني - رحمه الله - في تفسيره للآية
_________
(1) الحُشوش، ومفرده حَش أو حُشٌّ وهو: البستان من نخيل متكاثف بعضه على بعض، وكذلك يطلق على المَخْرج (مكان قضاء الحاجة) ؛ لأنهم كانوا يُبعِدون إليه، يقضون عنده الحاجة. انظر: مختار الصحاح مادة (حَشَشَ) .
الكريمة: (في هذه الآية دليل على أن حكم الجن حكمُ الإنس في الثواب والعقاب والتعبُّد بالأوامر والنواهي) . اهـ (1) .