رحلة الدكتوراه في الجزائر 1
سنحاول من خلال سلسلة المقالات هذه، أن نصف رحلة طالب الدكتوراه من لحظة دخوله السنة الأولى إلى لحظة تقديمه للاطروحة و تقييمها، حيث سنحاول أن نطرح أكبر عدد ممكن من المشاكل و العقبات التي تعتري طريق الطالب في مجموعة من المقالات وذلك اعتمادا على شهادة مجموعة من طلاب الدكتوراه و دكاترة.
الهدف من هذه المقالات ليس فقط وصف المشاكل و إنما طرح حلولا لها بالاعتماد على تجارب الشهود و باستعمال اسلوب التحليل و المنطق.
ستكون سلسلة المقالات باللغة العربية في شكل قصة عن طالب الدكتوراه اسمه أحمد مع مجموعة من طلبة الدكتوراه (الاسماء وهمية و ذلك لحفظ هوية شهودنا وفقا لرغبتهم)، في حين أن سلسلة المقالات باللغة الفرنسية و التي ستقدمها صديقتي سلمى بكوش ستكون قائمة على الأسلوب التقريري، و هذا لخلق تنوع في الاساليب و ليكون للقارئ عدة خيارات من حيث الاسلوب، فله أن يقرأ ما يناسبه.
قبل البدء في سرد حكاية صديقنا أحمد، اود ان اتقدم بجزيل الشكر لكل من ساهم في هذا العمل المتواضع، سواء من قريب ام من بعيد، و خاصة أولئك الذين ضحوا بجزء من وقتهم الثمين لتصل اليكم تجاربهم حتى لا تقعوا في نفس اخطائهم، فلهم جزيل الشكر منا، و اتقدم لصديقتي سلمى بكوش بشكر خاص، حيث كانت سباقة لطرح فكرة هذا العمل، كما يمكنكم قراءة مقالها على مدونتها .
بدون إطالة، إليكم قصة صديقنا أحمد.
كان أحمد منذ صغره فتى طموحا، حلمه أن يصبح دكتورا في الاعلام الآلي (هذا المجال مجرد اختيار و ليس له ارتباط بالعقبات التي سيمر بها صديقنا، حيث ما سنسرده شمولي، تعنى به كل المجالات)، مرت السنوات و وصل اليوم الموعود، موعد اجتياز امتحان الدكتوراه ، كان أحمد قد حضر للامتحان باجتهاد راجيا من الله عز و جل التوفيق و السداد، و الله سبحانه و تعالى لم يخب أمله، و نجح صديقنا في اجتيازه و يالها من فرحة، حلمه الذي مشى معه كل هذا الدرب أضحى حقيقة. المهم، بعد تلقيه لهذا الخبر، كان لابد له من اعداد الزاد و العتاد لهذه الرحلة، و أول خطوة فيها هي تحديد وجهته، او ما يعرف بي اختيار موضوع اطروحته، وهنا اتصل أحمد بمجموعة من طلبة الدكتوراه يسألهم عن كيفية ذلك، و قد تفاجأ صديقنا برد طالب في السنة الثانية دكتورا اسمه مصطفى يسأله إن كان يعلم ما الهدف من الدكتوراه ؟ لزم صديقنا مدة من الزمن يتأمل في السؤال؟ حقا ما يتوجب علي فعله؟ ثم رد على السائل: لو تفضلت علي سيدي و أخبرتني، سيكون ذلك معروفا كبير تؤديه اتجاهي، فكل ما أعرفه هو أنني و مذ كنت صغيرا كان لي حلم، و أود أن أحققه، و قد بدأ يتجلى أمامي... فقاطعه مصطفى:
" و نعم الزاد لرحلة الدكتوراه ، الحلم هو الشئ الوحيد الذي يجعلك تتمسك بالدرب الذي اخترته، لذلك صديقي دعني اخبرك بما يتوجب عليك فعله في هذا الدرب الذي اخترته، صديقي في اطروحتك يتوجب عليك القيام ببحث أصلي، شئ جديد لم يتم تداوله من قبل، و هذا هو الشئ الاساسي أما فيما يتعلق ببقية الامور من مقالات و النشر في مجلات علمية و كذا الملتقيات و المحاضرات فهي أمور تكملية الهدف منها هو تكميم أفواه الاساتذة الذين يناقشون أطروحتك يوم عرضك لها. و هو أمر قد يساعدك في بحثك، فمن خلال المحاضرات و التربصات ستلتقي بدكاترة و طلبة قد تتبادل معهم المعلومات التي تساعدك في بحثك و أطروحتك. و أريد أن أضيف أمرا، فقد سألتني عن كيفية اختيار الموضوع، أخبرك شيئا واحدا هو أنه يمكنك أن تبحث دون أن تجد شيئا و لكن السر يكمن في عدم الاستسلام، فمعظم الاشياء توجد هنالك على بعد بضعة انشات من مكان وقوفنا، فنصيحتي لك لا تتوقف مهما كان الأمر و اختر مجالا يحمسك و يحفزد دوما، و هذا هو السر الذي سيدفعك للأمام."
كان هذا رد مصطفى في حين ردت مريم و هي طالبه في السنة الثالثة كما يلي:
"هي الخطوة الاولى في بداية البحث العلمي وعليه سيبنى المسار العلمي لكل طالب وعليه يجب التريث جيدا في هذه النقطة من عدة وجوه
-إذا كان الطالب قد مضى في موضوع بحث موثق في مذكرة الماستر فالأفضل له أن يكمل في هذا الموضوع... الأفضل أن يقترح على المشرف الذي سيقوم بالإشراف عليه هذا الموضوع حتى يسهل عليه العمل والنشر ويختصر المرحلة الاولى
-في الحالة العادية تقوم الجامعات باقتراح مواضيع بحث معينة ثم يقوم الطالب بحسب ترتيبه في قائمة الناجحين باختيار أحد هذه المواضيع... لكن الحذر الحذر فإني أرى بأن الأستاذ المشرف على الموضوع اهم من الموضوع نفسه... فالأولى للطالب أن يسأل الطلبة السابقين جيدا عن الاساتذة في تلك الجامعة من ناحية التأطير وعن حال الطلبة الذين أطرو من قبلهم فهناك الكثرين من الطلبة يعانون من إهمال بعض الاساتذة أحيانا وعن جهل البعض الاخر للموضوع المقترح وأحيانا مكر بعض الاساتذة .... لذا الأفضل السؤال عن الأستاذ والطلبة المؤطرين من قبله أما الموضوع فلا يهم كثيرا لأنك ستدخل بحثا جديدا بعد إتمامك للدكتوراه
-الموضوع الخارجي: أنا شخصيا نجحت لي هذه الفكرة وهي أن تقوم بالنجاح في جامعة معينة ثم تجد أستاذ في جامعة اخرى يقترح عليك موضوعا ويقترح أن يقوم بالإشراف عليك... فتقوم أنت في تلك الحالة باقتراح ذلك على الاستاذ الذي فتح التخصص وهو بدوره يقترح هذا على المجلس العلمي.. وهذا ما يعرف باستغلال الثغرات، و إن أردت التطرق إلى مزيد من المعلومات حول هذا الموضوع فأخبرني، سأشرح لك كل شيء بالتفصيل"
كما رد عليه صديقه علي و الذي كان يكبره بسنتن، بما يلي:
"اسمع يا صديقي
إن الطريقة المثالية لاختيار موضوع اطروحتك هو التحفيز، يجب أن تكون متحفزا لهذا المجال، و لكن هذا يبقى مجرد حلم نطمح له، فأغلب الجامعات الجزائرية تنسب المواضيع وفقا لترتيب المسابقة، أدري يا صديقي أن هذا ليس معيارا و لكنها الحقيقة المرة التي نعيشها، مع ذلك إليك أفضل طريقة لاختيار الموضوع الذي ستبحث فيه:
1- أولا يجب علينا تحديد ميولنا و المواضيع التي تحفزنا، فإن كان موضوع الماستر يستقطبا، فحبذا لو أكملنا في نفس المجال إن كنا نملك هذا الاختيار طبعا.
2- يجب البحث في شبكة الانترنت عن مدى حداثة الموضوع، بعبارة أخرى البحث عن عدد البحوث التي تجري في هذا المجال، و مدى تداوله على المستوى العالمي.
3- البحث في خلفيات الأساتذة، مدى بحوثهم في هذا المواضيع المقترحة، و مدى مشاركتهم في البحوث و كيفية تأطيرهم للطلبة، و ذلك من خلال سؤال الدكاترة الذين أطروهم و مدى جديتهم معهم و إن كانوا سندا أم عرقلة لهم كما يمكن سؤال طلبة الدكاترة الذين هم في عهدتهم و ذلك لحصد أكبر كم من المعلومات التي ستساعدكم في اختيار المشرف، ففي كثير من الأحيان يكون المشرف أكثر أهمية من الموضوع ذاته.
4- اسئل بروفسورا أو اثنين معروفين بأعمالهم عن فحوى المواضيع، و هنا يجب معرفة من نسأل حيث لا يجب علينا اتباع رأي واحد كالعميان
5- أن كان ترتبك سيئا فلا يجب عليك الترتيب للآخرين، بحث تقول هذا الموضوع سيختاره أحد أفضل مني في الترتيب، بل اختر ما تريد و ما ترتاح له، و كفاك هم الآخرين ففي نهاية هذا سبيلك ة ليس سبيلهم، فأنت بذلك سيد قراراتك.
6- و لا تنسى صديقي صلاة الاستخارة: اجعل قلبك معلقت بالله تعالى، فإنه لن يكتب لك إلا الخير، و مهما كانت الصعاب التي ستواجهك خلال رحلتك، لا تقل أبدا أنه كان حريا بي أن أختار الموضوع الآخر بل تمسك بموضوعك و جد حلا له، و كما يقول حنبعل: سنجد حلا أو سنصنع واحدا
وفقنا الله لخير البلاد و العباد و السلام عليكم و رحمة الله تعالى و بركاته"
لم يكن هؤلاء الثلاثة الوحيدين الذين الاتصل بهم، و لكنه تفاجأ لعزوف الكثيرين عن مساعدته، فرحع و سأل صديقه علي: لماذا هذا العزوف؟ ضحك علي و أردف: "اسمع يا أحمد، ليس كل طالب في الدكتوراه يفهم معنى أن تشارك الآخرين المعلومات، فهناك من ينظر إليك على أنك ستسرق خبزته كما نقول عندنا، و ستلتقي بمثلهم كثيرا في هذا المجال و لكن أنصحك أن لا تكون مثلهم، و هذا عن تجربة شخصية، فكلما أعطيت أكثر كلما تلقيت أكثر، فهو أشبه ما يكون باستثمار لنفسك و معلوماتك" فأجابه أحمد: "لا تقلق، فانا لا أقطع علما على أحد فهو في النهاية صدقتي الجارية"