التحذير من كتب السحر , خطورة المصنفات الروحانية , مخاطر كتب تعليم السحر
التحذير من مصنفات حوت هذه العلوم:
ولنشرع بعدها في ذكر بعض المصنفات المسماة روحانية، ولسان حالها ناطق بأنها إنما جعلت من أجل تعليم ممارسة السحر بطرق متنوعة، ونحن نذكر تلك المصنفات كيما يحذر القارئ من اقتنائها مغترًا بزخرف جمال مظهرها المخالف لقبح مخبرها، ومن هذه الكتب:
1- شمس المعارف ولطائف العوارف، المشتهر بشمس المعارف الكبرى، لمؤلفه أحمد بن علي البُوْني، وهو من أكثر الكتب المتعلقة بطريق التنجيم، بل والأمرِ بعمله - لكن لمستحقه بزعمه -، فهو يحدد ساعات فلكيةً تصلح لأعمال الشر، ويُصرِّح فيه بمُعتقَده بتقديس الكواكب السبع السيارة، ومن قوله في ذلك: (وقوى هذه السبع الدراري مأخوذة من قوى التقطعيات الباطنة، وهي: لا إله إلا الله؛ فهذه مستمدة من هذه العلويات الأقدسيات) (3) . كما حوى الكتاب أوفاقًا، وقرر أن لها تأثيرًا عظيمًا في كل ما يريده كاتبها، وهو يفعل بها ما يشاء، ووضع شروطًا لصحة كتابة كل وفق
_________
(1) الأئمة الاثني عشر هم الذين يعتقد الرافضة عصمتهم ووجوب اتباعهم، وهم على الترتيب، الأئمة: 1- علي رضي الله عنه. 2- الحسن بن علي. 3- الحسين بن علي. 4- علي بن الحسين (زين العابدين) . 5- محمد بن علي (الباقر) . 6- جعفر بن محمد (الصادق) . 7- موسى بن جعفر (الكاظم) 8- علي بن موسى (الرضا) . 9- محمد بن علي (الجواد) . 10- علي بن محمد (الهادي) . 11- الحسن بن علي (العسكري) ، 12- محمد بن الحسن (المهدي) . وهم أئمة أهل البيت المطهَّرين رحمهم الله تعالى، وكانوا قدوة في التمسك بالحق والتواصي به والدعوة إليه. فانظر - رحمك الله - ما نسب إليهم زورًا وبهتانًا [النُّور: 16] {سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ} .
(2) انظر: غياث المستغيثين لمحمد آل طعمه، ص 315، وما بعدها. وانظر: الكشوف في الإعجاز القرآني وعلم الحروف لرضوان فقيه، ص260 وما بعدها.
(3) انظر: (1/14) من المصنف المذكور.
(1/155)
منها، وحاصل ذلك أن تكون الأعمال مرتبة في أوقات محددة موافقة لسعود الكواكب أو نحوسها، وادعى فيه معرفته بالأسماء التي كان عيسى عليه السلام يحيي بها الموتى بإذن الله! كما ادعى فيه معرفة الاسم الأعظم وجعل أوفاقًا لكلٍّ من الأسماء الحسنى، وأوفاقًا للحروف من فواتح السور، وأوفاقًا تعمل لما يخطر ببالك وما لا يخطر من قضاء حاجات، حتى استنطاق ما في القلوب، وحَجْب الأبصار، وعَقْد الألسنة، ورؤية الأرواح من غير حجاب! وأعمالاً لتفريق المجتمعين، ولتهييج المحبة (التِّوَلة) ، وهذه مما اتُّفِق على كونه من أعمال السحر، كما حوى ذكر أعمال السحر الخاصة بحقائق الموجودات، والعقاقير والتدخينات، وغير ذلك الكثير مما يُنبي عن مَشْرب صاحب الكتاب في تعليم السحر وإيهام القارئ بالقدرة غير المتناهية للأعمال السحرية من استحضار الجن والملائكة والطلب منهم، فينصرف بعدها عن الطلب من الله تعالى، ويفني عمره في تعلم رياضات السحر، وأعماله.
هذا، وإن خطر الكتاب لجسيم، لكونه من أكثر الكتب رواجًا في هذا الباب، ولأن كاتبه يدس في ثنايا كتابه السُّمَّ في الدَّسَم، فبينا يتقبل القارئ مبدأ فضل الأسماء الحسنى ووجوب دعاء الله بها، إذا به يجعل لها أوفاقًا حرفية وعددية، ويصاحب كتابتَها تقربٌّ إلى الكواكب السبع بكتابتها في طالعٍ سعيد، مع استدعاء خادم كل اسم من الملائكة بزعمه، فهيطال مثلاً خادم اسمه تعالى (الحي) (1) ، وتفصيل الأمر فيما حواه هذا المصنف لا يحسن في هذا المقام، لكنِ القصدُ التحذير منه وعدم الاغترار بثناء كثير من الناس عليه، وقد كان أول من أثنى عليه - بما هو ليس أهله - صاحبُه، حيث قال في ختام كتابه ما نصه: [واعلم أن كتابي هذا لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ... فإن كنت تنكره أو تلقيه فللبيت رب يحميه، ... فيا حسرتا على من كان في نهار غفلته مفرطًا، وعن رفقته ذوي المعارف مثبَّطًا، لقد بان
_________
(1) انظر: (4/95) من المصنف المذكور.
(1/156)
خسرانه عند إرباح العالمين ونُسِخ اسمه من لوح المقربين ... ] . انظر - رحمني الله وإياك - هل بعد هذه العبارات من تجرؤ على دين الله؟! فكتاب البوني موصوف عنده بوصف القرآن العظيم، ومعظَّم لديه تعظيمَ بيت الله العتيق، ومن لا يقرّ بذلك يتولى البوني الحكم عليه بنفسه يوم الدين بالخسران المبين، ونسخ اسمه من لوح الأبرار في علّيين!!! كما وطرده من ملأ المقربين!!
2- منبع أصول الحكمة، للبوني نفسه، وهو مختصر مشابه في كثير من محتواه لسابقه، لكن البونيَّ ضمَّنه شرحين لدعوتين اشتُهرتا بين أهل هذه الأسرار؛ الأولى بمسمّى (الدعوة البِرْهَتِيَّة) ، والثانية المدعوّة (الدعوة الجلجوتية الكبرى) ، أما الأولى فهي - بزعمه [قسم عظيم لا يتخلف عنه ملك ولا يعصيه جن ولا عفريت ولا مارد ولا شيطان، وهي تغني عن جميع ما عداها من العزائم والأقسام وتتصرف في جميع الأعمال من استنزال أملاك واستحضار أعوان وجلبٍ ودفع وصرع وقهر وإخفاء وإظهار، وغير ذلك من كل ما يريده الإنسان من خير أو شر] (1) . والبرهتية نسبة إلى بِرْهَتِيْهٍ بالعِبْريّة ومعناه - بزعمهم - بالعربية قُدُّوس أو سُبُّوح، وهي قصيدة حوت ثمانية وعشرين اسمًا من الأسماء المعجمة ادَّعَوا أنها أسماء الله تعالى، وهي غريبة في لفظها غاية الغرابة، وهي - في حقيقتها من العهود والاستحضارات الشيطانية، والتوكيلات السفلية، والاستغاثات الشركية، كما هو مصرح به في كيفية القسم بهذه الأسماء (2) .
أما الدعوة الثانية، فهي المسماة بالجلجوتية الكبرى، وقد ذكر لها طريقتين صغرى وكبرى، فكانت الصغرى قصيدة بستين بيتًا حوت وصف الأشكال السبعة التي سبق بيانها، وكانت الكبرى في أربعة وستين وثلاثمائة
_________
(1) انظر: ص 69، من المصنَّف المذكور.
(2) هذا مصوّر من «منبع أصول الحكمة» يدلك أخي القارئ على مدى الإغراب والعجمة في هذه الأسماء، مع خلطها باستحضار، واستغاثات، ونسبة ذلك كلِّه إلى نبيِّ الله سليمان عليه السلام، فإن لم يكن ذلك من اتباع ما تتقوله الشياطين وتكذب به على ملك سليمان، فما هو إذًا؟! =
(1/157)
بيتًا، وقد سماها مباركة مع كونها حوت بنص قوله إعمالاً للسحر، ففيها:
وبالطلسمات الساحرات وسحرِها
سحرت عيون العالمين بما حوت
طلاسم أسماء وسحر طلاسم
سحرت بها كل العيون فأسحرت
كما أن القصيدة حوت استغاثة بمخلوقات، ومن ذلك قوله:
بعزة خُوطير له المجد والثنا
ويا قَلْنَهُودٍ قاهرَ الجن إذ عصَتْ
بسطوة بَرْشانٍ قوي وقاهر
له الملك والأملاك جمعًا تواضعَتْ
ويا كَظُهَير، يا إلهي بجاهه
بعز نَمو شَلَخٍ به السعد أقبلَتْ
ويا فَزْمَز أسرع بنَجْج مقاصدي
بقزٍّ بمزٍّ فالملوك تسارعَتْ
إلى ما هنالك من طامات أطّت بها القصيدة وحُقّ لها أن تئطَّ، فما نوعُ شركٍ إلا وله قد حَوَتْ!! مع هذا كله، فإن البوني يبارك هذه القصيدة، ويذكر أن خواصها لا تحصى وتصاريفها لا تستقصى!! ثم يأمر طالبَ السحر بقراءة هذه الدعوة - وهي 360 بيتًا كما سبق - سبع مرات، وأحيانًا ثمان وعشرين مرة في جلسة واحدة، لا يفصل بينها سوى تأدية الفرائض من الصلاة!! ونحن نقول لهؤلاء: أما كان كتاب الله تعالى هو الأحق بالتلاوة والحفظ والتدبر من جلجوتيتكم هذه؟! أما كانت أسماء الله الحسنى أحق بأن يدعى بها من هذه الألفاظ المعجمة التي في بِرْهتيتكم تلك؟! فيا من اقتنى مثل هذه الكتب هلاّ بادرت إلى إتلافها، فإن العمر فرصة ثمينة لإعماره بطاعة الله تعالى، وهو
القائل سبحانه: [البَقَرَة: 186] {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ *} ، وإن التلفّت لمثل هذا السراب، أو السعي في ولوج هذا الباب، مضيعة للأعمار مجلبة للدمار، أعاذنا الله والمسلمين من ذلك.