علاقة علم المناخ بالعلوم الأخرى
وجد على سطح الأرض, بالشكل الذي جعل منه والكائنات الحية وغير الحية الأخرى في البيئة ترتبط بعلاقة متينة بعناصره وجوداً ونموًا وتطوراً رغم ما أحرزه الإنسان من تقدم علمي وتكنولوجي فهو خضع ولا يزال وسيبقى خاضعا للخصائص الطقسية والمناخية.
ووفقا للعلاقة والتأثير المتبادل هذا فقد عمد الإنسان منذ القدم إلى الاهتمام ومتابعة تلك المؤثرات وخاصة ما يتعلق فيها في بداية الأمر بمصادر غذاءه وملبسه ومسكنه, وكانت بدايات للكتابة عن تلك الاهتمامات للإنسان منذ القرن الخامس الميلادي وقبل ذلك ، إذ ظهر ذلك، وكما أوضحنا في كتابات (هيرودتس) Herodotus عام 440 ق.م وتحت عنوان (تاريخ الطقس والرياح الموسمية) والذي ذكر فيه أن إعصارا مصحوبا بعواصف من الأمطار مر على مدينة (طيبة) في مصر فدمر الكثير من مبانيها, فضلا عن ما كتبه (هيبوقراط) Hippocrates عام 400 ق.م في كتابه (الهواء, الماء, الأماكن) والذي يعد أول كتاب يصف أحوال الجو وتأثيراته، ثم بدأت اهتمامات الإنسان تزداد تدريجيا في البحث عن الوسائل التي يمكن من خلالها توفير الحماية أو الوقاية للحد من تلك التأثيرات.
ونظرا للتداخل بين ما وفره ويوفره المتخصصون في علم المناخ وما توصلت إليه العلوم الأخرى وفي مقدمتها علم المترولوجية , فقد دفع ذلك عدد من المتخصصين إلى اعتبار إن علم الطقس يدخل في ضمن اختصاص المترولوجية, إلا أننا نؤكد بأن ما وصل إليه علم الطقس والمناخ من تطور لا يمنع من أن يكون اهتمام جغرافية الطقس والمناخ مستقلا عن اهتمام المترولوجيين, وذلك لان علم المترولوجيا Meteorology أو ما يطلق عليه علم الارصاد الجوية يختلف فيما يتناوله عما يتضمنه علم الطقس والمناخ, فالمترولوجيا و من اشتقاقها’ كلمة يونانية تتألف من مقطعين (Meteors) وتعني الاجواء العليا و (Logos) وتعني دراسة أو علم، ووفق هذا المفهوم فان علم المتردلوجيا يهتم بدراسة الظواهر الجوية من خلال رصد وقياس الاشعاع الشمسي والحرارة والضغط والتي هي نفس العناصر التي يتناولها علم الطقس والمناخ والتي تعرف عند المترولوجيين بعلم الارصاد التقليدي Meteorological rationale , وتدخل الاهتمامات هذه ضمن علم فيزياء الجو وحركته ومايتولد عن ذلك من أنماط وأشكال مختلفة من الظواهر الجوية.
كما تشير الدراسات في هذا الجانب إلى أن كلمة المترولوجيا وردت في كتابات أرسطو عام (350ق.م) تحت عنوان مترولوجيكا Meteorological والتي تضمنت دراسة الظواهر الجوية في نطاق الغلاف الجوي المحيط بالكرة الأرضية, وأن علم الأرصاد الجوية لم يتبلور بشكله العلمي, الا بعد أن تم اختراع الاجهزة لرصد الظواهر الجوية وتغيراتها,ولم يصبح علما فيزيائيا حقيقيا الا خلال القرن السابع عشر الميلادي حيث ارتبط ارتباطا وثيقا بعلم الفيزياء بعد أن تبلورت القوانين الفيزياوية والرياضية والتي اعتمد عليها المترولوجيون في تحديد تلك التغيرات الجوية، وهكذا يتبين بأن المجال الذي يحظى به اهتمام علم الارصاد الجوية يتحدد بطبقتي التروبوسفير والستراتوسفير (وبسمك 55 كم تقريبا) وخاصة طبقة التربوسفير وبحدود (12 كم), وتوءكد دراسة المترولوجيا على جانبين هما: علم الارصاد الجوي الطبيعي physical meteorology والذي يتناول دراسة الجو وتركيبه, وانتقال الاشعاع الكهرومغناطيسي والامواج الصوتية في الجو وإظهار العمليات الطبيعية التي تتداخل في تشكيل السحب وتطورها والظواهر الكهربائية الجوية, وما يتعلق بفيزياء الجو, اما الجانب الثاني فيتضمن علم الارصاد الشمولي synoptic meteorology والذي يتناول الحركات الجوية وتحليلها بمقاييس كبيرة وتحديد ما يظهر في طبقات الجو للتنبؤ بها خاصة بعد أن ازدادت محطات الرصد الشمولية, كما يؤكد على دراسة الحركات الجوية في الطبقة القريبة من سطح الأرض والتي لا تتجاوز الامتار في فرع جديد فيه أطلق عليه بعلم الارصاد المكروي Micrometeorology.
ويظهر من خلال ما يتناوله علم الأرصاد الجوي الجوانب المشتركه بينه وبين علم الطقس والمناخ والذي يهتم بدراسة التغيرات التي تتم في جزء الغلاف الجوي القريب من سطح الأرض من عناصر ومكونات والتي هي نفسها التي تدخل في ضمن اهتمام المترولوجيا، ووفق ذلك فيمكن القول بأن العلاقة بين علم الطقس والمناخ وعلم الأرصاد الجوية علاقة قديمة ومتشابهة في تناولهما، لما ي
حدث من ظواهر في طبقة التروبوسفير التي يعيش فيها الإنسان والكائنات الحية الأخرى , كما أن العلمين متصلان اتصالا وثيقا في ذلك , إلا أن لكل منهما اختصاصه المحدد, فالمترولوجي كما توضح يهتم بمراقبة الجو وقياس العناصر المناخية ووضع التنبؤات بها وفقا للأرقام المجردة، في حين أن الجغرافي والمتخصص في دراسة جغرافية الطقس والمناخ يقوم بتحليل تلك البيانات والإحصاءات وإظهار العلاقات المتبادلة فيما بينها وتأثيراتها على ما يحدث في الغلاف الجوي من ظواهر ومظاهر وما تعكسه على مكونات البيئة وعناصرها وفي مقدمتها الإنسان وأنظمته المختلفة.
ويعد علم الطقس والمناخ أحد فروع الجغرافية الطبيعية الذي يتناول دراسة العناصر والمكونات والظواهر التي تؤثر على مكونات البيئة والتأثير المتبادل فيما بينها، وأنه يعتمد على المعطيات الاحصائية والقياسات التي يتناولها علم الارصاد الجوية, ولكن بطريقة تختلف عما يعتمده المتخصص في المترولوجية, إذ أن المتخصص في الطقس والمناخ يقوم بجمع تلك الاحصاءات والبيانات اولا وتحليلها وتوزيعها جغرافيا (مكانيا وزمانيا ) ثانيا, واظهار علاقتها المكانية والزمانية بفروع الجغرافية الأخرى والبيئة ومفرداتها.
وتظهر اهتمامات علم الطقس والمناخ بالظواهر الجويةً قديمة قدم الحياة نفسها، فقد حددت عناصره وخصائصه وتحدد الشكل واللون والتركيب البايولوجي والفسيولوجي والعادات والتقاليد للمجموعات البشرية والحيوانية وانظمتها المختلفة, ويبرز تأثير عناصر المناخ في تحديد الأوضاع والمظاهر الجيمورفولجية في البيئة, كما تظهر تلك العلاقات فيما يوجد من تباين واختلاف في طبيعة التكوين بين البيئات على سطح الأرض وفقا لخصائصها المناخية, ويمكن توضيح ذلك وفق ما يأتي: