نبذة بسيطة عن فن التطريز
من هوايات المرأة.. التطريز
التطريز هو هواية أخرى من الهوايات التي تحبها المرأة وتقضي كثيراً من وقتها وهي تمارسها، إن كان ذلك في صباها أو في شبابها، وهي تتعلم فنَّ التطريز صبيةً من أمها وأترابها، وتُعلِّم بناتها من بعدها، لينتقل ذلك الإرث الثمين من جيل إلى جيل. وكم رأينا أمهاتنا وأخواتنا وهن يعملن جاهدات على تطريز ثيابهن التقليدية الجميلة، وكم رأينا فتيات من البادية يرعين المواشي وفي يد كل واحدة منهن قطعة قماش سوداء تطرز عليها أشكالاً هندسية مختلفة لتكمل جزءاً من ثوب تعمل في تطريز قطعه المختلفة.
وكثيراً ما تحمل بعضهن خريطتها أو حقيبتها القماشية التي تضم شَلاَّت خيوطها الحريرية، وبعض إبرها وقطع القماش التي تطرزها.
والتطريز في اللغة: هو وَشْيُ الثياب ورَقْمُها، وطَرَّزَ الثوب؛ أي وشّاه وزخرفه. وفي الرائد ؛ التطريز: هو الوشي والتزيين بالخيوط والرسوم في الثياب أو نحوها.
والتطريز عبارة عن رسمٍ هندسيّ معيّن ترسمه المرأة بإبرتها على قماش ثوبها، أو على أي قطعة قماش أخرى تريدها، وهو يتكون من غُرَزٍ متناسقة بشكل هندسيّ متقن، تأخذ شكل الرسمة التي تريدها المرأة بعد تطريزها، وتتكرر تلك الرسمة مرات ومرات في كثير من الحالات حتى تصبح قطعة هندسية جميلة.
والغُرْزَة تُسمّى عند العامة" رِتْبة" وتُجمع على رُتَب، وحتى غرز العمليات الجراحية تسمى رتب، يقال خاطوا جُرْحَه 10رتبات وهكذا..
وكل غرزة متكاملة تسمى" حَبَّة"، وكلّ رسْمة متكاملة تسمى" دار"، تقول المرأة: ظَلّ عَلَيّ دارين، أو ظل على الدار حبّتين وهكذا..
وهناك طريقتان تستعملهما المرأة في تطريز ثوبها هما:
التطريز العادي: وهو الذي يتكون من غُرزة غُرزة، أو حَبّة حَبّة كما تسميها المرأة، وتكون الحَبَّة منها مكوّنة من غُرزتين متقاطعتين على شكل علامة الضرب" x". وهذا النوع من غُرز الخياطة أو التطريز هو السائد والأكثر انتشاراً لسهولة العمل به، وما زال كذلك حتى اليوم.
التطريز المثَمَّن : وهو نوع آخر من غرز التطريز ظهر في العقود الأخيرة ولم يكن معروفاً من قبل في الصحراء، ويتكون من أربع غرزات متقاطعة، هي الحبّة العادية التي ذكرناها أعلاه، ويضاف إليها غرزتان على شكل علامة الجمع (+)، فتبدو وكأنها ثماني غُرز، ومن هنا جاءها الاسم (مثَمَّن)، والتطريز بهذه الطريقة أقل جمالاً لكثافة الخيوط والتفافها فوق بعضها البعض ولحجم الحبّة الكبيرة نسبياً.
هذان النوعان من غرز التطريز هما المستعملان في تطريز الثياب حيث يكون الأول في الدرجة الأولى والثاني يأتي بعده وهو أقل منه انتشاراً كما ذكرنا.
ومن عيوب التطريز مَدّ الغرزة بشكل أفقي طويل ثم العودة إليها بغرز قصيرة متتالية فتكون عدة حَبّات قد بُنيت على خيط واحد، والأفضل أن تُطرز كلّ حَبّة بشكل منفرد، وكثيراً ما تقول المرأة لابنتها: "لا تمدّي الخِيطَة"، أي لا تخيطي وتطرزي بهذه الطريقة.
يعتبر فن التطريز من الفنون الشعبية الفلسطينية التي تحولت عبر التاريخ إلى حرفة وتطورت لتصبح مورد رزق لفئة كبيرة من النساء في فلسطين حيث توفرت فيها خصائص تتلاءم مع البيئة الاجتماعية والاقتصاديةللمجتمع الفلسطيني. وقد رافق هذا التطور ابتكار نماذج جديدة ذات قيم جمالية عالية مستوحاة من أصالة هذه الحرفة .
والملاحظ في حرفة التطريز هو ازدياد الاهتمام بها على الرغم من التطور الحضاري الذي دخل حياتنا المعاصرة، بل إن المدخلات العصرية أدت إلى تعدد استخدامات هذه الحرفة في الحياة اليومية، وانتشارها خاصة أنها لا تتطلب معدات معقدة ولا يتقيد الإنجاز فيها بمكان ولا زمان محدد.
التطريز الفلاحي فهو تراث حاول الاحتلال الإسرائيلي على مر الأزمان السابقة النيل منه وطمس معالمه بشتى الطرق والوسائل، ليس بداية بمنع دخول المواد الخام التي تستخدم في المشغولات اليدوية، ولا نهاية بمنع تسويق المشغولات اليدوية لـ"التطريز الفلاحي"، وبالرغم من ذلك بقي التراث الفلسطيني صامداً أبياً على الانكسار والاندثار حيث ورثته الأم لابنتها فبات الحفاظ عليه شغلها الشاغل بخيوطها الحريرية وإبرها الخاصة تشغل قطعاً غاية في الجمال والروعة تزين بها جنبات منزلها المتواضع لتضفى عليه شيئاً من السحر والجمال الأخاذ..
يعتبر التطريز جزءاً مهماً من حياة المرأة في القرية الفلسطينية. وهو فن شعبي ترثه المرأة وتنقله إلى بناتها وللأجيال القادمة من بعدها، وتستعمله لتزيين ثوبها التقليدي والكماليات الأخرى للباسها ولترتيب بيتها. ويلاحظ أن التطريز برسوماته وأنواعه قد خضع لتغيرات أساسية مع مرور الزمن، إذ نجد في القرن التاسع عشر والربع الأول من القرن العشرين أن الأنماط والرسومات التطريزية كانت هندسية الشكل في المقام الأول.
أما في الثلاثينات فقد ظهرت مؤثرات جديدة غيّرت في خصوصية التطريز التقليدي، مثل خيطان التطريز المصنعة في أوروبا التي صحبتها الكتيّبات الخاصة بالتطريز الغربي. ووجدت كل أشكال التطريز الغربي طريقها إلى الأسواق الفلسطينية. فتسربت الرسومات الغربية مثل الأزهار والطيور والحيوانات إلى أثواب النساء التقليدية. وقد بان جلياً في الخمسينات واستمر إلى يومنا هذا[/center
ويقال إنه كان بإمكان من يتواجد في سوق من الأسواق القديمة، حيث تتجمع النسوة من جميع أنحاء فلسطين، أن يميز المناطق التي تنتمي إليها بمجرد النظر إلى أثوابهن. وعلاوة على ذلك، فإن النسوة أنفسهم كن يذهبن إلى أبعد من ذلك. فقد كن لا يميزن المناطق المختلفة فقط، بل تتعداها معرفتهم إلى التمييز بين قرية وأخرى بعد أن يتفحصن الرسومات والوحدات التطريزية وطريقة تنسيقها على الثوب. وهذه الوحدات هي المؤشر الهام لهوية القرية. فالمرأة تعرف هذه الرسومات جيداً، وترث هذه المعلومات من أمها وجدتها، إذ انها تبدأ بتعلم فن التطريز من سن مبكرة حالماً تتمكن من الإمساك بالإبرة. وتنغرس فيها منذ طفولتها ضرورة نقل رسومات قريتها على أثوابها