تحقيق النبوات في ميلاد الرب يسوع = 8 = لنيافة الأنبا بيشوى
من سلسلة محاضرات تبسيط الإيمان - لنيافة الأنبا بيشوى
الروح القدس يرشد المجوس إلى أنواع الهدايا
عندما بدأ المجوس يستعدون لرحلتهم اختاروا بعض الهدايا لكي يقدموها للملك المولود فاختاروا ثلاث هدايا وهى: ذهب ولبان ومر. فالمر له مذاق مر، ولكن رائحته عطرية. واعتبروا أن هذه أنواع من الهدايا التي أحيانًا تقدم لبعض الناس في بعض المناسبات. ولكن بالنسبة للسيد المسيح كان لها مدلول عقائدي، ومدلول لاهوتي، ومدلول روحي، ومدلول نبوي.
فمن الواضح أن الروح القدس هو الذي أرشد المجوس إلى اختيار هذه الهدايا. ونلاحظ في صورة الميلاد أنها تكون بها ثلاثة من المجوس فقط. لكن من الممكن أن يكونوا أكثر من ثلاثة أشخاص لأن الكتاب لم يذكر أنهم ثلاثة مجوس. ولكن الهدايا فقط هي التي ثلاثة. فهم مجموعة من الحكماء أتت من بلاد فارس من رحلة طويلة. ولكن الذين قدموا الهدايا هم ثلاثة أشخاص.
لماذا ثلاث هدايا؟
إن اختيار عدد الهدايا ثلاثة هي إشارة إلى أن هذا المولود واحد من الأقانيم الثلاثة التي لإله واحد في الجوهر مثلث الأقانيم. فعدد الهدايا رمز وإشارة إلى السيد المسيح، ونوع الهدايا ذهب يرمز إلى أن السيد المسيح هو ملك، واللبان يرمز إلى إن السيد المسيح هو كاهن، والمر يرمز إلى أن السيد المسيح سوف يتألم من أجل خلاص العالم.
فهو ملك وكاهن ونبي ولكن ليس نبي مثل باقي الأنبياء الذين سبقوه. ولكن هو رب الأنبياء. فهو ظهر فى الهيئة كإنسان، ولكن في نفس الوقت هو ملك الملوك ورب الأرباب فإذا تكلمنا عنه كملك فهو ليس ملكًا عاديًا. ولكنه ملك الملوك ورب الأرباب. وإذا قيل عنه نشيد فلا يقال نشيد عادى، بل يقال نشيد الأناشيد. وإذا كان هو كاهن فهو رئيس الكهنة الأعظم. الذي كهنوته كهنوت أبدى لا يزول. وإذا كنا نتكلم عنه كنبي فهو ليس مجرد نبي عادي. فمثلًا تنبأ عن موته, وعن خراب أورشليم، وعن قيامته في اليوم الثالث. وقد تحققت كل هذه النبوات في حينها. وتنبأ أيضًا عن نهاية العالم. وسيتم ذلك لأن السيد المسيح هو الذي تنبأ بها.
وأهم نبوة قيلت "ها نحن صاعدون إلى أورشليم وابن الإنسان يسلم إلى رؤساء الكهنة والكتبة فيحكمون عليه بالموت ويسلمونه إلى الأمم. فيهزأون به ويجلدونه ويتفلون عليه ويقتلونه وفي اليوم الثالث يقوم" (مر10: 33-34).
وكانت هذه هي أهم نبوة قالها السيد المسيح. وهذه النبوة كانت عن آلامه لذلك ارتبط المر بمعنى النبوة عند السيد المسيح أي أن المر إشارة إلى أنه نبي. أو أنه قد تنبأ عن موته وعن آلامه الخلاصية. فاللبان يرمز إلى الكهنوت لأن الكاهن يقدم ذبيحة البخور. وحتى عند الوثنيين فهم يبخرون للأوثان.
لذلك فإن مسألة التبخير وارتباطها بالكهنوت، مسألة معروفة من العهد القديم عند شعوب كثيرة. ولكن عندنا نحن لها مدلول روحي خاص. بل إن السيد المسيح نفسه كان رائحة بخور عطرة ونقول عنه أيضًا }هذا الذي أصعد ذاته ذبيحة مقبولة عن خلاص جنسنا فاشتمه أبوه الصالح وقت المساء على الجلجثة{ (لحن "فى إيتاف إنف vaietafenf" الذي يقال يوم الجمعة العظيمة ويقال بلحن آخر في تسبحة يوم الأحد).
فالسيد المسيح أصعد ذاته رائحة رضا وسرور لله الآب في طاعة كاملة. وفي سيرته العطرة كرئيس كهنة قدم الذبيحة المقبولة التي قبلها الآب السماوي، وبها كفَّر عن كل خطايا البشرية لكل الذين يؤمنون باسمه ويؤمنون بخلاصه ويقبلون أن يتشبهوا بموته وقيامته عندما يدفنون في المعمودية مع المسيح ويقومون فيها أيضًا معه.
إن السيد المسيح عندما يتكلم من حيث إنه قد تنبأ فلابد أن نتذكر أنه ليس مجرد نبي، ولكنه الله الكلمة المتجسد، وهو ابن الله الوحيد. لكن من الطبيعي إذ ظهر في الهيئة كإنسان أن يقول بعض الأمور التي تنبأ بها. وحينما تحدث نتأكد أنه كان يتكلم كلام الله. وليس مجرد كلامًا عاديًا مثل أي إنسان عادى. فقد كانت نبوته عن موته على الصليب وقيامته من بين الأموات شيئًُا هامًا جدًا بالنسبة للكنيسة لهذا فحينما ظهر السيد المسيح بعد القيامة قال لتلاميذه "أما كان ينبغي أن المسيح يتألم بهذا ويدخل إلى مجده" (لو24: 26).
كيف تعامل الروح القدس مع المجوس؟
إن الروح القدس قد تدرج مع المجوس. ففي البداية أرشدهم إلى اختيار أنواع الهدايا التي يقدمونها ثم ظهر لهم نجم لكي يرشدهم إلى الطريق. ولكن بعد أن سجدوا للسيد المسيح الإله الكلمة ومخلّص العالم. بدأت علاقة الله معهم تكون أقوى من الأول، وبدأ الله يتعامل معهم بإعلانات سماوية واضحة فيقول الكتاب "ثم إذ أوحى إليهم في حلم أن لا يرجعوا إلى هيرودس انصرفوا في طريق أخرى إلى كورتهم" (مت2: 12).
وذلك لأن هيرودس كان يريد قتل الطفل، ولكن الله أوحى إليهم أن ينصرفوا في طريق آخر. وبذلك نرى الروح القدس قد بدأ يعمل في حياتهم بصورة أقوى عن طريق الوحي. وهذا معناه أن الله يدعو الأمم إلى معرفته عن طريق مجيء السيد المسيح إلى العالم. ولإلهنا المجد الدائم إلى الأبد آمين.