رأي ابن سينا فيما يقوله المنجمون
كان رأي ابن سينا فيما يقوله المنجمون هادئًا ومنطقيًا. وقد ضمّن رأيه في بطلان دعاوي التنجيم في رسالة عنوانها رسالة في إبطال أحكام النجوم؛ بيّن في هذه الرسالة كذب المشتغلين به إذ ليس لديهم من دليل أو قياس فيما يقولون من سعود الكواكب ونحوسها ¸فليس على شيء مما وصفوه دليل، ولا يشهد على صحته قياس. وقد أخذوه من غير برهان ولا قياس·. وفنّد أقوالهم في أحكام النجوم وأثرها على الناس وبيّن فساد هذه الأحكام باللجوء إلى المنطق الذي استعان به ليدلل على صحة ما ذهب إليه.
أما ابن حزم الظاهري فقد حارب الآراء والأقوال التي تزعم تحكُّم النجوم والكواكب في حياة الناس بقوله في الفصل في الملل والأهواء والنحل ¸…زعم قوم أن الفلك والنجوم تعقل، وأنها ترى وتسمع، وهذه دعوى باطلة بلا برهان. وصحّة الحكم بأن النجوم لا تعقل أصلاً وأن حركتها أبدًا على رتبة واحدة لا تتبدل عنها. وهذه صفة الجماد الذي لا اختيار له… وليس للنجوم تأثير في أعمالنا، ولا لها عقل تدبرنا به إلا إذا كان المقصود أنها تدبّرنا طبيعيًا كتدبير الغذاء لنا، وكتدبير الماء والهواء، ونحو أثرها في المد والجزر… وكتأثير الشمس في عكس الحر وتصعيد الرطوبات (التبخير)، والنجوم لا تدلل على الحوادث المقبلة…·.
منجزات فلكيّة. استفاد العلماء العرب والمسلمون من المؤلفات الفلكية التي ترجموها من الأمم السابقة لهم وصححوا أو نقحوا بعضها، وزادوا عليها. وقد أدّت انتقادات كبار العلماء، من أمثال ابن سينا والفارابي والكندي وابن حزم، إلى نبذ الاتجاه الخرافي الذي ساد وقتًا طويلاً، ومن ثَمّ انطلق العلماء إلى مرحلة التطوير فيما نقلوا ثم الإبداع الذي جاء من خلال التطبيق وعمليات الرّصد.
من أبرز إنجازات العرب والمسلمين في هذا العلم أنهم كانوا الأسبق في الحصول على طول درجة من خط نصف النهار بطريقة علمية؛ فقد توصلوا إلى طريقة مبتكرة لحساب ذلك؛ مكنتهم من الحصول على نتائج دقيقة يعدها العلماء الآن من أجل آثارهم في ميدان الفلكيات، وتمّ ذلك في عهد المأمون وبأمر منه. وقد ذكر ذلك ابن يونس في كتابه الزيج الكبير الحاكمي. وقام بهذا العمل فريقان اتجه أحدهما إلى منطقة بين واسط وتَدْمُر وقاسوا هنالك مقدار هذه الدرجة فكانت ¼56من الأميال (الميل العربي أطول من الميل الروماني)، أما الفريق الآخر فاتجه إلى صحراء سنجار وتوصلوا إلى أن مقدار هذه الدرجة 57 ميلاً؛ لذا اتخذ المأمون متوسط القياسين فكان2/3 56 من الأميال تقريبًا. ويعد هذا القياس قريبًا جدًا من القياس الذي توصل إليه العلماء في العصر الحديث وهو 5693 ميلاً؛ وهذا يعني أن محيط الأرض يبلغ 41,248كم؛ أي نحو 20,400 ميل. أما الرقم الصحيح لمحيط الأرض كما حسب في العصر الحديث بالحواسيب والأقمار الصناعية فهو 40,070كم. أما البيروني فقد ابتكر طريقة لقياس درجة من خط نصف النهار ذكرها في كتابه الأصطرلاب فوجدها 56,050 ميلاً. ولاتزال هذه الطريقة مستخدمة وتعرف عند الغرب والشرق بقاعدة البيروني لحساب نصف قطر الأرض.
ومن إنجازاتهم أنهم كانوا أول من عرف أصول الرسم على سطح الكرة، وقالوا باستدارة الأرض ودورانها حول محورها، وقاموا بضبط حركة أوج الشمس وتداخل فلكها في أفلاك أخرى. كما حسبوا الحركة المتوسطة للشمس في السنة الفارسية. وعندما حسب البُتَّاني ميل فلك البروج على فلك معدل النهار وجده 23° و35 دقيقة، وكان أبرخس قد حسبه 23° و 51 دقيقة وهو متغير فقد كان في زمانه 23° و34 دقيقة. وقد أكد العلم الحديث أنه قد أصاب في هذا الحساب إلى حد دقيقة واحدة. كما حقق البتاني مواقع كثير من النجوم فوجد أن بعضها لم يعد في المكان الذي كانت عليه على عهد بطليموس. كما صحح البتاني نفسه طول السنة الشمسية؛ فقد حددها بـ 365 يومًا و 5 ساعات و46 دقيقة و32 ثانية. وكان حساب بطليموس لها 365 يومًا و 5 ساعات و55 دقيقة و12 ثانية
انتقد الفلكيون العرب من أمثال ابن الأفلح والأشبيلي كتاب بطليموس المجسطي في كتابيهما إصلاح المجسطي والهيئة على التوالي. كما اكتشف العلماء المسلمون أنواع الخلل في حركة القمر. فقد ثبت لدى المؤرخين أن الخلل الثالث كان من اكتشاف أبي الوفاء البوزجاني وليس تيخوبراهي. وأدّى هذا الاكتشاف إلى اتساع نطاق البحث في علمي الفلك والميكانيكا. بحث علماء الفلك المسلمون والعرب في حساب إهليلجية الشمس أيضًا، واستنتجوا أن بعد الشمس عن مركز الأرض إذا كانت عند أقصى بُعد لها يساوي 1,146 مرة مثل نصف قطر الأرض، وإذا كانت عند أدنى بُعد لها يساوي 1,070 مرة مثل نصف قطر الأرض، وإذا كانت في متوسط بعدها يساوي 1,108 مرة مثل نصف قطر الأرض. وهذه التقديرات قريبة جدًا من النتائج التي خرج بها العلماء في العصر ال