ابن عساكر .. حافظ الشام ومؤرخ دمشق
اسمه ونسبه:
هو أبو القاسم علي بن الحسن بن هبة الله بن عبد الله بن الحسين الدمشقي الشافعي المؤرخ الرحالة الحافظ، المعروف بابن عساكر. ولد في أول الشهر المحرم سنة 499هـ / 1105م في مدينة دمشق.
أخذ العلم والفقه منذ الحداثة بدمشق حيث عاش في بيت جليل، وقد كان أبوه الحسن بن هبة الله شيخا صالحا عدلا محبا للعلم مقدرا للعلماء مهتما بأمور الدين والفقه.
البيئة التي نشأ فيها ابن عساكر:
يقول د. صلاح الدين المنجد في مقدمة المجلدة الأولى من تاريخ ابن عساكر: "كان للبيئة التي نشأ فيها الحافظ ابن عساكر أثر كبير في اتجاهه نحو العلم ونبوغه فيه، فقد نبت في بيت قضاء وحديث وفقه، وكان ألاف هذا البيت من كبار علماء دمشق وقضاته، فما أرى ابن عساكر منذ نشأته غير العلماء وما وعى غير العلم.
وكان أخوه الأكبر صائن الدين هبة الله بن الحسن (488 - 563هـ) فقيها مفتيا محدثا قرأ القرآن بالروايات وتفقه وبرع، ورحل فسمع وقرأ الأصول والنحو وتقدم وسمع الكثير وأعاد بالأمينية لشيخه أبي الحصن السلمي، ودرس وأفتى وكتب الكثير، وكان إماما ثقة ثبتا دينا ورعا. وأما أخوه أبو عبد الله محمد بن الحسن بن هبة كان قاضيا، وقد نشر أولاده الستة العلم والحديث.
وكانت أمه من بيت القرشي، أبوها يحيى بن علي بن عبد العزيز القاضي الفقيه الكبير، وكان عالما بالعربية ثقة حلو المحاضرة فصيحا، تفقه على أبي بكر الشاشي وبدمشق على القاضي المروزي والفقيه نصر، وقد سمع منه وروى عنه نافلته أبو القاسم بن عساكر.
وأما خاله أبو المعالي محمد بن يحيى فقد سمع أبا القاسم بن أبي العلاء والحسن بن أبي الحديد والفقيه نصر المقدسي وأبا محمد بن البري والقاضي الخلعي بمصر وعلي بن عبد الملك الدبيقي بعكا وحضر درس الفقيه نصر وثقة به ناب عن أبيه في القضاء ثم استقل به، وكان نزيها عفيفا صليبا في الحكم، قال عنه السمعاني أنه كان محمودا حسن السيرة شفوقا وقورا حسن المنظر مترددا، روى عنه ابن أخته أبو القاسم بن عساكر. وأما خاله الآخر سلطان بن يحيى زين القضاة أبو المكارم القرشي الدمشقي فقد روى عن أبي القاسم بن أبي العلاء ناب في القضاء عن أبيه ووعظ وأفتى.
بدأ ابن عساكر بتلقي علومه ودروسه باكرا وهو في سن صغيرة، فقد سمعه أخوه الصائن سنة 505هـ / 1111م، فقد كان في السادسة من عمره يومذاك فأخذ يسمع باعتناء أبيه وأخيه الصائن فسمع أبا القاسم النسيب وقوام بن زيد وسبيع بن قيراط وأبا طاهر الحنائي وأبا الحسن بن الموازيني، وراح يتردد إلى مجالسهم ويحضر حلقات تدريسهم.
يقول د. المنجد في مقدمة المجلدة الأولى: "فبيئة هذا شأنها فقد وجد فيها الحافظ ما ساعده على تفتح ذكائه وإقباله على ما رغب فيه حتى غدا مؤرخ الشام وحافظ العصر".
في الجامع الأموي والمدرسة الأمينية:
تدرّج في طلب العلم، فأخذه عن علماء جامعة الجامع الأموي بدمشق الذي كان أعظم مركز للعلم، تعقد فيه حلقات الإقراء والتدريس والحديث والوعظ.
كما تفقه ابن عساكر في حداثته بدمشق على الفقيه أبي الحسن علي بن المسلم بن محمد بن علي السلمي، عمدة أهل الشام ومفتيهم، وكان قد لازم الغزالي مدة مقامه بدمشق، وقد نقل ابن عساكر عن الغزالي قوله في أبي الحسن السلمي: "خلفت بالشام شابا إن عاش كان له شأن" فكان كما تفرس فيه ودرس بحلقة الغزالي مدة ثم ولي التدريس في المدرسة الأمينية في سنة 504هـ وهي أول مدرسة للشافعية بنيت في دمشق، وكان السلمي ثقة ثبتا عالما بالمذاهب والفرائض، وكان ابن عساكر يتردد عليه ويحضر دروسه في المدرسة الأمينية ويستمع عليه.