فوضى النفس
مَا يَدْعُو إِلَى الْدَّهْشَة دَائِمَا أَن الْكَثِيْرِيْن مِن أَفْرَاد الْمُجْتَمَع
يَفْتَقِدُون الْقُدْرَة عَلَى ضَبْط أَعْصَابَهُم أَو الْتَحَكُّم بِهَا
وَيتَسَايَرُون دَائِمَا مَع بُلْدَوْزَر الْغَضَب الَّذِي يَجْتَاحُوْن بِه
هُدُوْء وَسَكِيْنَة مَا حَوْلَهُم وَقَد يَصِل إِلَيْهِم مُرْتَدّا بِحَوَادِثَه
حِدَة الْغَضَب وَالْتَوَتِّر
الَّتِي تَجْتَاح الْنَاس يَعْتَقِدُوْن أَنَّهَا فِعْل مِن أَفْعَال الْحَيَاة
وَلَيْسَت تَجَاوَزَا لِهَذَا الْنِّظَام الْيَوْمِي الْمُرْتَبِك رَغْم أَن هَذَا الْمَنْطِق
يَتَنَافَى مَع إِرَادَة الْإِنْسَان الْسَّوِي وَقُدْرَتِه عَلَى عَدَم تِجَاوَز الْحُدُوْد
وَضَبَط أَعْصَابَه بِالْقَدَر الَّذِي لَا يَسْمَح بِالِانْفِلَات
رَكَض الْحَيَاة الُمَسْتَمِر الَّذِي يُعَالَج بِه الْنَّاس هُمُوْمَهُم
لَا يَحِل مَشَاكِل التَّوَتُّر أَو الْقَلَق
لِأَن الْعِلَاج يَنْبَغِي أَن يَكُوْن مُنْطَلِقَا مِن نُقْطَة هَادِئَة وَبَاحِثَة عَن الْسَكِيِنَة
فِي فَرَنْسَا طُرِح مُؤَخَّرَا كِتَاب عَن فَن الْتَّأَمُّل مِن أَجْل الْحُصُوْل عَلَى صِحَّة جَيِّدَة
هَذَا الْكِتَاب لِلْعَالَم "مَاتْيُو رِيكارْد" يَرْتَكِز عَلَى ضَرُوْرَة أَن
يَتَأَمَّل الْشَّخْص يَوْمِيّا لِمُدِّة 20دَقِيْقَة وَلِمُدَّة ثَمَانِيَة أَسَابِيْع
حَيْث يُسَاعِد ذَلِك عَلَى تَنْشِيْط الْمُخ، وَتَقْوِيَة الْجِهَاز الْمَنَاعِي
وَتَخْفِيض حِدَة الْغَضَب وَالْتَوَتِّر
كَمَا أَنَّه يَعْمَل عَلَى تَهْدِئَة الْنَّفْس وَخَفْض ضَغْط الْدَّم الْمُرْتَفِع.
وَيُوَضِّح الْمُؤَلِّف أَن الْتَّأَمُّل يَعْنِي تَدْرِيْب الْمُخ وَالْسَّيْطَرَة عَلَيْه
حَتَّى لَا يَشْرُد الْتَفْكِيْر فِي شَيْء آَخَر وَهُو
يُؤَدِّي إِلَى الْسَّلام الْدَّاخِلِي لِلْنَّفْس وَقُوَّة الْنَّفْس
مِن الْمَعْرُوْف أَن عَمَلِيَّة الْتَّأَمُّل بَدَأ اسْتِخْدَامُهَا فِي عِلَاج
بَعْض الْأَمْرَاض الْخَطِيْرَة مِثْل الْسَّرَطَان فِي أَمْرِيْكَا وَانْجِلِتْرا وَفَرَنْسَا
تُرَى هَل نَحْن قَادِرُوُن عَلَى عِلَاج مَآِسِيْنَا، وَتَهْدِئَة ثَوْرَاتُنَا
وَالتَّخْفِيْف مِن حَالِات الْهَيَّاج الَّتِي تُصِيْب الْبَعْض مِن خِلَال عَمَلِيَّة الْتَّأَمُّل
الَّتِي لَا تُمَارَس عَلَى الْإِطْلَاق؟ بَل قَد يَعْتَبِرُهَا الْبَعْض نَوْعَا مِن الفَضَاوَة
وَالْجُنُوْن الْرَّسْمِي وَالْخِرِابيط وَأَنَّهَا لَيْسَت الْعِلَاج
فَالَّعِلَاج دَائِمَا للتّوُتّر هُو الْمَزِيْد مِن الْفَوْضَى وَلَيْس الْمَزِيْد مِن الْتَّأَمُّل
الْمَزِيْد مِن تَمْرِيْر الْصُّوَر الْسَّلْبِيَّة دُوْن أَن يَعْبَأ مِن يُمَرِّرُهُا
أَنَّهَا قَد تَكُوْن قَاتِلَة لِلْكَثِيِر مِن مَشَاعِر الْآَخِرِين
وَأَنَّهَا قَد تَطُوْل كَثِيْرا مِّن الْصُّوَر الْإِيجَابِيَّة وَتُبَدِّدُهَا
الْنَّمَط الْمُجْتَمَعِي لَدَيْنَا بِالْرَّغْم مِن انْحِسَار إِنْتَاجِيَّتُه بِالْمَعْنَى الْمُتَكَامِل
قِيَّاسا لِلْمُجْتَمِعَات الْمُنْتَجَة وَالصِّنَاعِيَّة وَاللاهِثَة وَالْعَامِلَة لِسَاعَات تَتَجَاوَز الْعَشْر
إِلَا أَنَّه فِي الْصُّوَرَة الْعَامَّة يَبْدُو لِاهِثَا وَرَاكِضَا بِطَرِيْقَتِه
حَتَّى وَإِن خِلْت مِن الْإِيجَابِيَّة، حَيْث تَجِد الْنَاس إِمَّا خَامِلِين
ومُتَوَقِفِين دُوْن سَبَب أَو عَاطِلِين أَو مُتَخَنْدِقِين دَاخِل أَعْمَال هُلَامِيَّة
لَا تُدْفَع إِلَى التَّوَتُّر حَيْث يُمَارَس فِيْهَا الْمُوَظَّف الْإِفْطَار
وَشَرِب الْشَّاي وَقِرَاءَة الْصُّحُف وَالْمُغَادَرَة لِإِنْجَاز أَعْمَالِه
لَكِن مَع ذَلِك تَجِدُه مُجْتَمِعَا أَفْرَادِه ثَائِرُوْن لِأَتْفَه الْأَسْبَاب ي
َجْتَمِع لَدَيْهِم الْغَضَب وَالانْفُجَار دَاخِل زَمَن غَيْر دَافِع لِذَلِك
يَصْرُخ الْنَاس فِي الْشَّارِع يَتَعَارَكُوُن فِي الْسُّوْبَرْمَارْكَت
يَنْفَجِر اثْنَان بِسَبَب الْطَّابُور وَأَسْبَاب غَيْر مُبَرَّرَة
وَقَد يَرْبِطُهَا الْبَعْض بِالْأَجْوَاء الْسَّاخِنَة
فِي مَوَاسِم الْحُر رَغِم أَنَّهَا تَمْتَد لِلْعَام كُلِّه
فِي الْمَجَال يَسْتَحِيْل أَن نَعْثُر عَلَى أَسْبَاب مُجَمَّعَة
وَدَافِعَة لِهَذَا التَّوَتُّر أَو الْغَضَب الَّذِي يُغَيِّب عَادَة الْتَّفْكِيْر
وَيَدْفَع إِلَى مَزِيْد مِن الْغَضَب مِن خِلَال تَكْرِيْس مِن حَوْلِك
لِصِحَّة مَا تَقُوْم بِه وَتَشْجِيعِك عَلَى رِدَّة الْفِعْل الْعَنِيْف
وَأَنَّه لَا بُد أَن تَأْخُذ حَقِّك بِيَدِك
يُضَاف إِلَيْه غَضَب مِن كُل شَيْء لَدَى بَعْض الْأَشْخَاص
وَانْفِعَال احْيَانَا سَرِيْع يَدْخُل ضِمْن تَرْكِيْبَة الْشَّخْصِيَّة نَفْسَهَا
وَبَدَلَا مِن أَن يَسْتَدْعِي الْفَرْد الْإِنْقَاذ لِّلْوُصُوْل إِلَى شَط الْهُدُوء
يَرْفَع مُؤَشِّر الْغَضَب لَه مِن خِلَال كُل الْعَوَامِل الْمُحِيْطَة الْمُسَاعَدَة
وَيَخْلُق أَزِمَّتَه الْخَاصَّة مُتَجَاهِلِا تَمَامَا الْأَهَم وَهُو الْخُرُوْج مِن الْأَزَمَة
مِن خِلَال الْإِمْسَاك بِمِحْوَر هَذَا الْغَضَب الَّذِي فِي الْغَالِب يُمْكِن ضَبْطُه
وَيُمْكِن الِاسْتِمْتَاع بِلَحَظَات هُدَوَء تُحَمِّلْنَا عَلَى الِاعْتِقَاد أَن هُنَاك مَلَامِح جَمِيْلَة
لَا تَزَال دَاخِل مُفْرَدَات الْحَيَاة، وَأَن هُنَاك مَجَالَا لِلْتَّوَازُن الصَّحّي وَالْنَفْسِي
بَعِيْدَا عَن مُمَارَسَة طُقُوْس السُّخْرِيَة وَالاسْتِخْفَاف وَاعْتِبَار الْتَّأَمُّل
أَو الْقَبْض عَلَى تَلَابِيّب لَحْظَة هُدَوَء مِن سَابِع الْمَسُتَحيِلَات