{ منطـق آرسـطـو}
فقد جاءت نشأة المنطق الأرسطي بعد أن مر الفكر اليوناني بمرحلة من الفوضى ساد التشكيك والتلبيس في كل شيء على يد السوفسطائيين عبر جدلهم المبني على التنكر لكل ما هو ثابت، فجاء سقراط فأفسد عليهم ذلك ثم تبعه تلميذه أفلاطون ثم جاء أرسطو-تلميذ أفلاطون- مستفيدا من مجهودات من سبقوه فوضع للفكر أصولا وقواعد اصطلح على تسميتها فيما بعد بعلم المنطق.
وسيتم الحديث عن المنطق وفق المحاور التالية:
1-المقصود بكلمة المنطق لغة واصطلاحا، ومعنى الكلمة في اللغة اليونانية، والانجليزية والعربية.
2-تعريف أرسطو للمنطق مع ذكر تعريف الفلاسفة المنتسبين للإسلام والمتكلمين .
3-مقارنة تعريف أرسطو بتعريفات المتكلمين والفلاسفة المنتسبين للإسلام.
التعريف بأرسطو:
ويسمى أيضا أرسطوطاليس والمعنى محب الحكمة أو تام الفضيلة.
ولد أرسطو سنة 385 ق. م في مدينة أسطاغيرا التي سميت أخيـراً أسـطافرو وهي مدينة يونانية قديمة على ساحل بحر إيجة، ، وقد اشتهرت أسرة أرسطو بالطب فأبوه كان طبيباً لأحد ملوك مقدونيا توفي والده ، وهو صغير.التحق أرسطو ، وهو في سن الثامنة عشرة بأكاديمية أفلاطون بأثينا، فتفوق على زملائه، وأظهر من الذكاء والفطنة والإطلاع الواسع ما جعله يكسب إعجاب أستاذه أفلاطون، فكان يسميه تارة العقل، وتارة القرَّاء.
لقد استمر أرسطو ملازماً أفلاطون في أكاديميته عشرين عاماً، قضى بعضها في التعليم والبعض الآخر في التدريس، فلما مات أفلاطون ترك الأكاديمية نهائياً .
غادر أرسطو أثينا متوجهاً إلى آسيا الصغرى، وبها تزوج، وبعد بضع سـنوات عاد إلى أثينا وأسس مدرسة في أحد ملاعبها الرياضية، وقد اعتاد أرسطو إلقاء دروسـه على تلاميذه ، وهو ماشياً يسير على الأقدام بجوار الملعب، فعرفـت مدرسـته الفلسـفية “المدرسة المشائية “، وسمي أتباعه “بالمشاءين “، وعرفت فلسفته بالفلسفة” المشائية”
لقد اتهم أهل أثينا أرسطو بالإلحاد مما اضطره إلى مغادرة أثينا بعد أن أوكل أمر المدرسة إلى تلميذه ثاوفرا أسطوس، استقر أرسطو فـي مدينة (خلقيس) في جزيرة أوبا إحدى الجزر اليونانية، و بها تـوفي نتيجـة إصابته بمرض معوي ، وهو في سن الثالثة والستين ، وذلك سنة 322 ق .م.
تعريف المنطق لغة:
قال ابن منظور: “نطق الناطق ينطق نطقا، والمنطق: الكلام، وكلام كل شيء منطقه ومنه قوله تعالى: (علمنا منطق الطير) “.
تعريف المنطق اصطلاحا:
المشهور من تعريفات الفلاسفة ما قاله الجرجاني: “المنطق آلة قانونية تعصم مراعاتها الذهن عن الخطأ في الفكر”
ويزعم الفلاسفة أن نسبة المنطق الى الفكر، كنسبة النحو إلى الكلام، والعروض إلى الشعر، ، فهو بمنزلة الآلة له.
اشتقاق كلمة منطق Logic :
اشتقت كلمة Logic الإنجليزية و Logique الفرنسية من الكلمة اليونانية Logos ومعنى لوجس : الكلمة ، ثم أخذت معنى اصطلاحيا هو ما وراء الكلمة من عملية عقلية ثم ارتباط الكلمة بكلمة أخرى لتكون قضية أو حكماً ، ثم الاستدلال على الأحكام والبرهنة عليها وارتباطها ارتباطاً عقلياً بعضها ببعض 0
ويورد الدكتور محمد عزيز عدة معاني لكلمة اللوجوس اليونانية فقال:” وكلمة اللوجوس(Logos) في اليونانية تعني العقل أو الفكر أو البرهان أو القانون أو اللغو أو الناموس”
ثم أخذت كلمة (Logike ) تدخل في لفظ كل العلوم باعتبار المنطق علم كل العلوم وباعتبار ان عناصره ومبادئه تنطبق عل كل العلوم.
ولذلك لم يحاول أصحاب العلوم ومكونوها التخلص من سلطانه لا في وضع علومهم ولا في مناهجهم فوسمت أسماء المادة التي تبحث فيها كل علم باسم المنطق، فاعتبرت كل مادة منطقا ينطبق على دائرة من دوائر الفكر فمثلا بيولوجي (( Biology هو المنطق الذي ببحث في ظاهرة الحياة”
اشتقاق الكلمة العربية ( منطق ):
أما الكلمة العربية ” منطق ” فقد عرفت ، حين ترجم المنطق الأرسططاليسي إلى اللغة العربية 0 ولم تكن الكلمة تتضمن في العربية وقبل ترجمة ” المنطق ” معنى التفكير أو الاستدلال بل كانت تدل على معنى الكلام ، وبقى هذا المعنى الأخير شائعاً حتى بعد أن اصطلح على تسمية علم الفكر بالمنطق ويوضح ذلك الدكتور محمد عزيز بقوله: ” أما الكلمة العربية منطق فقد عرفها المناطقة العرب حين ترجم المنطق اليوناني إلى اللغة العربية.
ولم تكن الكلمة منطق تعني التقليد والاستدلال بل كانت تدل على معنى النطق والكلام وبقي هذا المعنى بعد ان اصطلح على تسمية علم الفكر بالمنطق فنجد صاحب كتاب إصلاح المنطق يعني إصلاح اللفظ أو إصلاح وتقويم اللغة….. ثم استعمل المنطق فيما بعد وعنوانها الدلالة على التفكير وعلم الاستدلال “
ثم تعددت وتنوعت ألقابه فيما بعد فقد “سماه العرب بعلم المنطق تارة وعلم الميزان أخرى وهو عند الفارابي رئيس العلوم لنفاذ حكمه فيها وعند ابن سينا خادم العلوم لأنه آلة لها ووسيلة إليها وعند الغزالي معيار العلم”
متى بدأ استعمال مصطلح علم المنطق:
لم يطلق أرسطو على فلسفته علم المنطق ولا كان مشتهرا في عصره ولكنه ظهرت فيما بعد على يد تلامذته بحسب ما أورده الدكتور علي النشار حيث قال: “وبالجملة أخذت كلمة (Logike) اليونانية التي لا نجدها عند المعلم الأول أرسطوطاليس معنى خاصا بحيث شملت الدراسات المنهجية العقلية التي وضعها وأطلق عليها هذا اللفظ.
وأول من أشار إلى أن الكلمة وضعها الشراح المشاؤون من إتباع أرسطو هو (poice) فنجد اللفظ عند أندرونيكوس الرودسي ، ثم عند شيشرون ، ثم عند الإسكندر الأفروديسي وجالينوس وكتاب اليونان المتأخرين على العموم وقد انتشرت في كتاباتهم كلمة المنطق والعلم المنطقي وفن المنطق والفن المنطقي ونستنتج من هذا أن أرسططاليس لم يعرف الكلمة ولم ترد في كتاباته وإنما أطلق عليه اسم العلم التحليلي”
ويؤكد هذا الرأي الدكتور محمد مرحبا بقوله: “ولم يطلق أرسطو اسم المنطق على هذه الأبحاث ، وإنما استخدم كلمة التحليلات((Analytiques أي تحليل الفكر إلى استدلالات والاستدلال إلى أقيسة والقياس إلى عبارات وحدود.
أما كلمة منطق ، فقد وردت في عصر شيشرون بمعنى الجدل إلى ان استعملها الإسكندر الأفروديسي بمعنى النطق”
والي هذا ذهب يوسف كرم ، فقال : “ويقول أرسطو بهذا المعنى “العلم التحليلي” ، أي العلم الذي يحلل العلم إلى مبادئه وأصوله”
من أول من وضع علم المنطق:
اشتهر بين المفكرين ان أرسطو هو واضع علم المنطق غير ان هناك من يرى ان الصحيح هو ان أرسطو أول من دون هذا العلم وهذبه ووضع قواعده لا انه اخترعه وابتدعه من عند نفسه.
تعريف المنطق عند أرسطو:
يعرف أرسطو المنطق بأنه : “آلة العلم ، وموضوعه الحقيقي هو العلم نفسه، أو هو صورة العلم”
“ومن هنا فقواعد المنطق عند أرسطو مقدمة للعلوم ، أو آلة لها تسمى “أورغانون” (organon) أي الآلة”
ولذلك فإن أرسطو لم يدخل المنطق في أقسام العلم النظري إذ هو قوانين ومقدمات وقد شرح ذلك يوسف كرم فقال: ” ولم يدخل أرسطو المنطق في أقسام العلم النظري لان موضوعه ليس وجوديا ولكنه ذهنيا، إذ هو علم قوانين الفكر وعلى ذلك فهو يتعلم قبل الخوض في ، أي علم آخر ليعلم به ، أي القضايا يطلب البرهان عليه وأي برهان يطلب لكل قضية”
المنطق عند أرسطو:
لدى أرسطو نوعان من أنواع المنطق:
الأول: المنطق الصغير ((Logica minor
وهو دراسة قوانين الفكر مجردة من كل مضمون ويبحثها أرسطو حين يتكلم عن القياس كما في التحليلات الأولى وهو المتعارف عليه باسم المنطق الصوري.
الثاني: المنطق الكبير: ( (Logica major
وهو ما ينطبق على مناهج البحث ويقصد به دراسة عمليات العقل منطبقة على هذا العلم، أو ذاك كما في كتاب التحليلات الثانية ، وهو يتكلم عن القياس مطبقا على البرهان.
، ومن هنا يمكن القول بأن المنطق لدى أرسطو لم يكن صوريا كله بمعنى ان الجزء الأكبر منه تغلب عليه الناحية الشكلية غير أنه لم يهمل الناحية المادية