حَمَلَت الدَفَتر الذِي وَجَدَت بِه حَيَاة شَخصٍ مَا
فَكَّرت
رُبمَا صَاحِب الدَفتَر قَد عَمِلَ جَاهِداً أَلا يُظهِر أَنغَام حَيَاتِه المُزعِجَة
ورَاحَت تَتَذكَر كَيفَ وَجَدَت هَذَا الدفتَر
فِي صُندُوقٍ خَشَبِيٍ كَبِير حَيثُ أَلعَابُهَا الصَغِيرَة مَكَثَت
كَانَت تَتَفَقدُ أَحوَالُهَا وحَتَى الفَسَاتِين القَصِيرَة
وتَحتَ كُل هَذهِ الأَغرَاض القَدِيمَة وَجدَت هَذا الدفتَر فَأخَذتهُ
وراحَت تَقرأَهُ بِتمَعن وتَعِيشُ كُلِ لَحظَةٍ مِن كُل حِكَايَة .
::
::
انمَحَى اسمُ خَالِد مِن حَيَاتِي للأبَد
لَقد فَصِلتُ حَبَات السُكرِ عَن كُرَيَات المِلح أَخِيراً
فَصِلتُ سَعَادَتِي عَن ذِكرى خَالِد الأَلِيمة
فَأَنا الآن مُتَزوِجَة مِن جَدِيد مِن رَجل آخَر
لا يَحمِل أَي صِفة يَتَشَارك بِهَا مَع خَالِد
تَزَوجتُ عَادِل إلا أَنه لا يُريدُ أَحداً مِن زُملائِنَا فِي العَمَلِ أَن يَعرِف
ظَنِنتُ لأَنهَا لا يُريِدُ أَن يَشعُرَ بالعَارِ لِكَونِه مُتَزوج مِن مطَلَقَة
ولَكِنَنِي قَد أَسَأُتُ الظَن
فَهَو مَا كَان يَقصِدُ هَذا إِنمَا سَوف يُعلِمهم بِشَأن زَواجنَا
ولكِن بَعد أَن انتقل للعَيش مَعه فِي مَنزِله
وبِسبَبِ هَذا حَدثَ أَمرٌ لَم أتَوقعَه ..
كُنتُ قَد حضَرتُ كُوبَين مِن القهَوة لِي ولِعَادِل
فَصَادفتُ خَالِد فِي المَمَر
كَان يَنظُر عَلى الكُوبين باستغرَاب
رُبمَا لَأنه اعتَاد أَن يَرانِي أحمل كُوباً واحِداً
فِي لَحظَة بِزلَةِ لِسَان أَخبرته أَن الكُوب الأَخر هُو لِعَادِل
مِمَا زَاد مِن استغرَابِه
إِلا أَننِي لَم انتَظِر كَلمَته بَل انصَرفتُ مُسرِعَة
أخذنَا نَرتشِفُ القَهَوة
وأَحَادِيثُنا المُمتِعة قَد انطَلَقَت
وضحكَتُنَا قًد أفرِجَ عَنَها
لِلمَرة الأَولَى بَعد قَضَاء وَقت طَويل
أَكتَشِفُ مَرة ثَانِية مَدى حَلاوة هَذهِ القهوَة
مَع قِطعَة كعكِ بالشوكولاتة وأَكتَشِف جَانِباً آخر مِن عَادِل
فَهُو رومنسي وعَاطِفي جِداً
لَم أٌكمِل اكتِشَافَاتِي حَتَى دَخَل خَالِد فجَأة الغُرفَة
فإِذا بِعَينَيه تَجحَظ ومَلامح الغَضَب تَظهَر بِلا دَاعِي
رحتُ أُحدِقُ بِه تَارة وبِعَادِل تَارة أٌخرى
تساءلت لِمَاذا يَنظر إِلينَا هَكَذا
رُبمَا لأنَنَا نَجلِس بِجَانبِ بَعض وإحدَى يَديَه عَلى يَدِي
و وجهه يَكشِف سِرنَا
الذِي سَوف يُكشَف قَرِيبَاً
خَرَجَ مُسرِعَا بِدون أَن يتَفوه بِكَلِمَة كمَا اعتَاد
وعَينِي لا تَزال مُعلَقة عَلى البَاب
أحَاول أَن أفهَم سَبب غَضَبَه
قَلِبتُ بَصَرِي اتجَاه عَادِل
فَرأَيت عَلاَمات تَعجُب واستفَهام مَرسُومَة عَلى تقَاسِيمه
مِثلِي تمَامَا .
اعتَقدنَا أَن المَوضُوع سَينتَهِي
ولَكِن مَا لَم نَتَوقَعه هُو انتِشَار اشَاعَة فَاحِشة عَنا
طَلَبَ مِني عَادِل أَن أُقَدِمَ استِقَالَتِي
وأَن أنتَقِل للعَيشِ مَعَه سَرِيعَاً
بِسَببِ هَذهِ الإشَاعَة حَيثُ قِيل بِأَنَنَا نَلتَقِي سِراً
وأَنَنَا نَحِب بَعضنَا حَرامَاً .!
حَتى فَهَّمهُم عَادِل الوضعَ
وانكَشَفَ سِرنَا الصَغِير واعتَذَر الكَثِير مِن المُوظَفِين
خَالِد لا يُصَدِق بأَنَنِي قَد تَزوجت مِن عَادِل
كَان ينظرُ إِلي بِنظرَة لم أستَطِع تفسِيرهَا
قَدمتُ استِقَالَتِي
ورَفضهَا خَالِد لأمرٍ أَجهَله حَتى اضطَر عَادِل
أَن يَتَدخَل فِي هَذهِ المسأَلة أَيضاً
وانتَقلتُ للعَيشِ مَعه فِي بَيتَه المُطِل لمَزرعَة كَبيِرة تَخصُ والِده
المكَان هُناك فِي قِمَة الجمَال والروعَة
الأشجَار الخضراء
والأزهَار
ومُختَلفِ الثِمَار اللذِيذة
لا أستطِيع وَصفِه أَبَداً
فالمَنطِقة خَلابَة جِداً وهَادِئة مِثل مَا أحبهَا تَماماً .
أَعِيشُ حَيَاة رَغدٍ هُنَا
كُل الحُبِ وكُل مَا أحتَاجُه تَحدِيدَاً مَوجُود
الجَو الهَادِئ والرِيَاح المُدَاعِبَة
والاخضِرار وَحتَى دِفئ المَشَاعِر
استَعَدتُ طَاقَتِي وَحَيَوِيَتِي بالكَامِل
وقَد امتَسَحَت نِصفُ الذَاكِرة الأَلِيمَة
ولَكِن بِالرغمِ مِن فِرارِي
إِلى أَن تِلك الأَحْزَان البَشِعَة كَانت تُلاحِقُنِي حَيثُ عَالَمِي الجَدِيد
إلَا أَن عَادِل كَان ولَا يَزَال واقِفاً بِجَانِبِي
يَغمِرُنِي بِحُبِهِ وحَنَانِه
وإِن كُنتُ أحِسُ بالقَلِيلَ مِن النُقصَان
فَهُو كَثِيراً مَا يَقضِي الوَقت بالخَارِج بِسَبَب العَمَل
التَوقِيت لَم يَتَغَيَر
فَأَنَا أَيضَاً كُنتُ أَعمَل بِهَذا الجَدوَلِ يَومِياً
ولَكِنَنِي لَم أَكُن أشعُر بالوَقت
أمَا الآن
أَدركتُ طِيلَة الوَقت الذِي كُنتُ أَقضِيه فِي العَمَل
أَتَمنَى لَو أَنَنَي أَستَطِيعُ أَن أَقُولَ لِعَادِل
أَن يَترُكَ هَذا العَمَل
بِسَبَبِ المَسَافَة الطَوِيلَة
وبِسَبَبِ الوَقت الطَويِل الذِي يَعمَلُ فِيه فَأَبقَى وَحِيدَة
ولَكِن لَا أَستَطِيع فَهَذا المَوضُوع يُثِير غَضَبَه
لِذى أفَضَلتُ السُكُوت والصَبر
إِلَى أَن خَطَرت بِبَالِي فِكرَة
عَادَ عَادِل مِن العَمَل وكُنتُ قَد جَهْزتُ لَهُ العَشَاء
فَجَلسَ عَلى الطَاوِلَة وَهُو يَتنَاولُ الطعَام بِشرَاهة
بَعدَ مَا أَخذ حَمَامَاً سَاخِناً
أًرَاقِبُهُ وُهَوُ يَضعُ اللُقمَة بَعد الأُخرَى
حَتى انتَبَه لِي فسَألنِي عَن الخَطبِ
كُنتُ مُتَرَدِدَة حَتى امتَلَكتنِي الشجَاعَة وأَخبَرتَهُ
بِأَنَنِي أُرِيدُ أن أَعُود للِعَمَلِ مُجَدَدَاً
لَم يغضَب كَمَا تَوقعت بَل ظَل يَنظِر اتِجَاهِي وَهُو يسَألنِي
عَن سَبَب رَغبَتِي للعَودَة للعَمَل بابتِسَامَة
فأعطَيتهُ أسبَابِي التَي كَانَت شِبهُ مُقنِعَة بالنِسبَة لَه
فَوَعَدَنِي أَن يُلَبِي طَلَبِي ولَكِن بَعد فَترَة وَجِيزَة
بِشَرطِ أَن أَعمَل مَعَه فِي نَفسِ المكتَبِ
فِي قِسمٍ بَعِيد عَن خَالِد
فَرحِتُ كَثِيراً
وكُنتُ أَدعِي وأنتَظِر اليَومُ الذِي سَوف
أَبَاشِر بالعَمَل مِن جَدِيد