فرق و مذاهب : الثمامية
الثمامية
هي فرقة من الفرق الإسلامية زعيمها ومؤسسها هو ثمامة بن أشرس النميري. كان شيخ القدرية في عهد المأمون والمعتصم والواثق باللّه. وروي أنه هو الذي سول للمأمون الاعتزال، وقد زاد على ما تقدم من المعتزلة رأيين كانا سبباً في تكفير بعض العلماء له (أولهما) أنه لما شاركه أصحاب المعارف في دعواهم أن المعارف ضرورية زعم أن من لم يضطره اللّه إلى معرفته لم يكن مأموراً بالمعرفة ولا منهياً عن الكفر. وكان مخلوقاً للسخرة والاعتبارية فحسب كسائر الحيوانات التي ليست بمكافأة، وزعم لأجل ذلك أن عوام الدهرية والزنادقة وغيرهم من أهل الملل يصيرون في الآخرة تراباً وقال إن الآخرة إنما هي دار ثواب أو عقاب وليس فيها لمن مات طفلا ولا لمن لا يعرف اللّه تعالى بالضرورة طاعة يستحقون بها ثواباً، ولا معصية يستحقون عليها عقاباً، فيصيرون حينئذ تراباً إذا لم يكن لهم ثواب ولا عقاب.
(وثانيهما) قوله إن الأفعال المتولدة أفعال لا فاعل لها، وهذا القول كما قال بعضهم يجر إلى إنكار صنع العالم لأنه لو صح وجود فعل بلا فاعل لصح وجود كل فعل بلا فاعل ولم يكن حينئذ في الأفعال دلالة على فاعلها، ولا كان في حدوث العالم دلالة على صانعه، كما لو أجاز إنسان وجود كتابة لا من كاتب.
ومن مذهب ثمامة أيضا أنه كان يقول في دار السلام: إنها دار شرك. وكان يحرم السبي لأن السبي عنده ما عصى ربه إذ لم يعرفه. وإنما العاصي عنده من عرف ربه بالضرورة ثم جحده أو عصاه.
وقد حكى أصحاب التواريخ عن ثمامة أشياء عجيبة. منها: ما ذكره عبد اللّه بن مسلم عن قتيبة في كتاب مختلف الحديث ذكر فيه أن ثمامة بن أشرس رأى قوماً يوم جمعة يتعادون إلى المسجد الجامع لخوفهم فوت الصلاة، فقال لرفيقه انظر إلى هؤلاء الحمير والبقر. ثم قال ماذا صنع ذلك العربي بالناس، يعني رسول اللّه. وحكى الجاحظ في كتاب المضاحك أن المأمون ركب يوماً فرأى ثمامة سكران وقد وقع في الطين فقال له ثمامة: قال أي واللّه. قال ألا تستحي؟ قال: لا واللّه. قال عليك لعنة اللّه. قال تترى ثم تترى.
وذكر صاحب تاريخ المراوزة أن ثمامة بن أشرس سعى إلى الواثق أحمد بن نصر المروزي وذكر له أنه يكفر من ينكر رؤية اللّه تعالى، ومن يقول بخلق القرآن فاعتصم من بدعة القدرية. فقتله ثم ندم على قتله وعاتب ثمامة وابن أبي دؤاد وابن الزيات وكانوا قد أشاروا بقتله. فقال له ابن الزيات إن لم يكن قتله صواباً فقتلني اللّه تعالى بين الماء والنار. وقال ابن أبي دؤاد حبسني اللّه في جلدي إن لم يكن قتله صواباً. وقال ثمامة سلط اللّه تعالى عليّ السيوف إن لم تكن أنت مصيباً في قتله. فاستجاب اللّه تعالى دعاء كل واحد منهم في نفسه، أما ابن الزيات فإنه قتل في الحمام وسقط في أثوابه فمات بين الماء والنار، وأما ابن أبي دؤاد فإن المتوكل رحمه اللّه حبسه فأصابه في حبسه الفالج فبقي في جلده محبوساً بالفالج حتى مات، وأما ثمامة فإنه خرج إلى مكة فرأى الخزاعيين بين الصفا والمروة فنادى رجل منهم فقال يا آل خزاعة هذا الذي سعى بصاحبكم أحمد بن فهر وسعى في دمه فاجتمع عليه بنو خزاعة بسيوفهم حتى قتلوه ثم أخرجوا جثته من الحرم فأكلتها السباع. انتهى من كتاب الفرق بين الفرق لأبي منصور عبد القادر بن طاهر البغدادي.
وإننا ننبه القارىء هنا إلى وجوب الاحتياط فيما نقلناه عن أصحاب التواريخ في ثمامة فلعله كله أو أكثره من وضع خصومه فإن ثمامة كان من شيوخ المعتزلة وكان قد افتتن به المأمون والمعتصم والواثق باللّه فلا غرو إن عاداه جم غفير من العلماء والعامة وحسدوا مكانته من الخلفاء فتقولوا عليه، وإننا كنا نود أن يكون بين أيدينا مذهب ثمامة مدوناً بقلمه لنحكم له أو عليه.
ولا نقول ذلك لأننا نميل إلى المعتزلة ونصوب كل ما ذهبوا إليه ولكننا نقوله لأننا متحققون من أن المؤرخين إنما كانوا يتلقفون عنهم الحكايات المضحكة ويثبتونها في سيرتهم بدون تمحيص تشفياً منهم فينقل ذلك خلفهم لمن بعدهم ويزيدونه تشويهاً.
وإلا فهل يعقل أن خليفة في عقل المأمون وجلالة قدره يفتنه في دينه رجل قابله سكران قد وقع في الطين يستنزل على نفسه لعنات اللّه تترى؟ وما شأن خلفاء يستغويهم رجل ينظر إلى المصلين فيشبههم بالحمير والبقر ويغمز على النبي بمثل ما قاله في حقه.
إننا نكاد نجزم بأن ذلك كله لا نصيب له من الصحة واللّه أعلم.