الشاعر شهاب الدين العزازي
هو أبو العباس شهاب الدين أحمد بن عبد الملك بن عبد المنعم بن عبد العزيز بن جامع بن راضي بن جامع العزازي. من شعراء العصر المملوكي،
ولد سنة \633 هـجرية- 1226 ميلادية في بلدة ( أعزاز) الكائنة في الشمال الغربي من مدينة (حلب ) في شمال الشام وأختلفت المصادر في تحديد تاريخ ولادته وقيل ولد سنة\ 626 - 1199ميلادية وهناك من ذكر أنه ولد سنة \634هجرية – 1227 ميلادية لكن ما نرجحه هو\ 633 هجرية -1226 ميلادية وتسمى البلدة التي ولد بها في الوقت الحاضر (اعزاز ) . وقد تفرعت أسرته إلى عدة فروع، منهم من أستقر في سوريا، وفرع في (كفرعزاز) وآخر في مصر في ( العريش) .
عاش الشاعر العزازي قرابة ثمانية عقود اغلبها في ظل الحكم الايوبي فكان الايوبيون فهم اصحاب الامر والنهي في هذه المناطق وقد كان الخليفة مجرد بيدق شطرنج يتحكم به المماليك وسلاطينهم أما الخليفة فقد كان منصبه شكلياً في أغلب الأحيان، وأما السلطان فقد كان كل شيء ، وإذا اصطفى وزيراً أو نائباً بلغ من الشأن مكاناً مرموقاً، وإذا أقر ملكاً فهو صاحب الأمر والنهي في مملكته مع إعلان الخضوع والطاعة للسلطان المملوكي. وبمقتل الملك الصالح وتولي زوجته ( شجرة الدر) السلطنة من بعده سنة\648 هجرية - في القاهرة كان قد انتقل الملك من أيدي الايوبيين إلى أيدي المماليك البحرية، وزال سلطانهم عن أغلب الأصقاع التي كانت تحت تصرفهم ومن بقي منهم أصبح أمره مرتبطاً بسلطان المماليك،فهم من ينصبه او يعزله اويقره في ملكه او يستخلفون غيره من بنائه وكانت الاحداث كثيرة .
شهد العزازي نهاية العصر الايوبي وبداية عصر المماليك، فقد كانت ولادته في عهد الملك الكامل محمد بن العادل الذي تولى الحكم بعد وفاة أبيه سنه \615 هجرية – وفي هذه السنة غزا فيها الصليبيون مصر واستولو على مدينة (دمياط ) الا ان الملك الكامل استردها منهم .
الا ان الصليبيين انطلقوا من جزيرة (صقلية ) بحملة جديدة بعد عشر سنوات اي سنة \625 هجرية استولوا فيها على بيت المقدس وبعض المدن الاخرى وقيل ان الملك الكامل سلمها للصليبيين بدون قتال نتيجة اتفاق مسبق بينهم .
وقد مدح الشاعر شهاب الدين العزازي السلطان المظفر تقي الدين أبي الفتح محمود بن شاهنشاه يقول :
وما عاودته أبغي نداه
رفده إلى بداني
فكم أغلى مهور بنات فكري
وأعلى في الكرامة من مكاني
أبا الفتح استمعها من ولي
بذكرك لم يزل رطب اللسان
منقحة تميل بكل عطف
كما مالت به بنت الدنان
إذا وشى المدائح فيك فكري
ر فلا تستطرف الوشي اليماني
وعلى إثر هذه التقلبات السياسية على الصعيد الخارجي كان العزازي حاضراً بشعره لتسجيل كثير من المعارك الحربية التي خاضتها دولة المماليك ضد التتار والصليبيين، إذ كان يمدح الملوك والولاة، وذكر انتصاراتهم، وكسر شوكة الأعداء، ومن ذلك مدحه للملك سيف الدين قلاوون، وإشادته بأحد انتصاراته، يقول:
فتحت التي أعيا الملوك افتتاحها
ولم يغنها عصيانها وجماحها
فتحت التي أعيا الملوك افتتاحها
ولم يغنها عصيانها وجماحها
طرابلس لولاك طال امنتاعها
وأعضل منها حربها وكفاحها
فتحت التي أعيا الملوك افتتاحها
ولم يغنها عصيانها وجماحها
طرابلس لولاك طال امنتاعها
وأعضل منها حربها وكفاحها
ولو لم تحاربها لحاربها القضا
وأخنى عليها ليلها وصباحها
ولما طغت أعلاجها وكنودها
عتواً وهب بالعقوق رياحها
نهضت إليها في جحافلك التي
يحوم عليها يمنها ونجاحها
هاجرالى مصر وسكن (العريش ) ثم انتقل إلى مدينة (قنا ) ثم انتقل الى القاهرة وسكنها وكثرت تنقلاته حيث كان دائم الترحال والتنقل بين مصر والشام، وخاصة الى ( حماة ) ثم أنه استقر ت به الإقامة في القاهرة وكان يعمل في التجارة ويتنقل حسب متطلبات امر تجارته و أشتهر بذلك، وقيل أنه كان يمتلك متجراً في المحلة الشهيرة المعروفة ب (قيسارية جهاركس) كان يبيع القماش فيها وقد سمى ( احمد البزاز) نسبة لهذه التجارة، وكانت هي مصدر رزقه الذي اعتاش عليه إلى جانب العطايا والصلات التي اجزلت عليه مكافأة على قوله الشعر
قال عنه صاحب الدرر الكامنة:
(الشاعر المشهور، أشتغل في الأدب ومهر وفاق أقارانه، سمع منه نظمه أبو حيا ن النحوي والحافظ أبو الفتح اليعمري، وحدث عن غير واحد).
وقال عنه الصفدي:
( كان شاعراً جيد المقاصد لطيف الاقتناص للمعاني، خفي المراصد، لتراكيبه حلاوة، وعلى ألفاظه طلاوة وكان مطبوعاً ظريفاً جيد النظم في الشعر والموشحات .
ونلاحظ ان العزازي من خلال شعره عنده مسحة صوفية تأثر فيها ببعض متصوفة عصره،
وهذا ما تطلعنا به ألفاظ معجمه اللغوي، يقول :
هاجرت نحو محمد لما رأيـ
ــت العالم العلوي في تأييده
وملأت عيني من محاسنه التي
ملأت عيون وليه وحسوده
توفي العزازي بمدينة (القاهرة ) يوم الاحد التاسع والعشرين من محمرم الحرام سنة\ 710 هجرية - وكان عمره يناهز ستاً وسبعين سنة ودفن بسفح جبل (المقطم ) .
العزازي شاعر مطبوع، وشعره وافر متنوع الأغراض، متميز بين أقرانه من الشعراء .و كان أديباً بارعاً، مطبوعاً، ظريفاً، له نظم رائق فائق، لا سيما نظمه للموشحات فإنه غاية في ذلك وقد جمع شعره بنفسه في ديوان واحد يتضمن شعره وجعل موشحاته في اخر الديوان في باب خاص به يشتمل على غرائب الأوزان من المخمسات والموشحات.وكان يحدث بشعره، وسمعه منه كثير من أهل عصره الذين أشادوا به، وكانت ثقافته عامة مما يدلل انه لم يتتلمذ على يد احد من الادباء او الشعراء وقد قال في جل الفنون الشعرية واغراضها الا انه ابدع في المدح وفي مدحه يتبين لنا مدحه الاشخاص من الملوك والامراء والاعيان وكذلك مدح الحبيب المصطفى صلى الله هليه وسلم وال بيته الاطهار .
ومن شعره ايضا :
.بدوي قد حدثت مقلتاه
عاشقاً من مقاتل الفرسان
بمحيا يقول يا لهلال
ولحاظ تقول يا لسنان
ومن شعره أيضاً:
أراك فيمتلئ قلبي سروراً
وأخشى أن يشط بنا المزار
أقم وأهجر وصد ولا تصلني
رضيت بأن تجور وأنت جار
وله في الموشحات باع طويل ومنها هذا الموشح:
يا ليلة الوصل وكاس العقار ...
دون استتار ...
علّمتماني كيف خلع العذار
اغتنم اللذات قبل الذهاب
وجرّ أذيال الصّبا والشباب
واشرب فقد طابت كؤوس الشراب
على خدودٍ تنبت الجلّنار ...
ذات احمرار ...
وفاح كالعنبر نشر العرار
الراح لا شك حياة النفوس
فحلّ منها عاطلات الكؤوس
واستجلها بين الندامى عروس
تجلى على خُطّابها في إزار ...
من النّضار ...
حبابها قام مقام النثار
أما ترى وجه الهنا قد بدا
وطائر الأشجار قد غرّدا
والروض قد وشّاه قَطر النّدى
فكمّل اللهو بكأس تدار ...
على افترار ...
مباسم النّوّار غِبُّ القطار
اجن من الوصل ثمار المنى
وواصل الكأس بما أمكنا
مع طيّب الريقة حُلو الجنى
بمقلة أفتك من ذي الفقار ...
ذات احورار ...
منصورة الأجفان بالانكسار
زار وقد حلّ عقود الجفا
وافترّ عن ثغر الرضى والوفا
فقلت والوقت لنا قد صفا
يا ليلةً أنعم فيها وزار ...
شمس النهار ...
حيّيت من دون الليالي القصار
واختم بحثي في قصيدته في مدح الحبيب المصطفى محمد صلى الله عليه وسلم يقول :
دمي بأطلال ذات الخال مطلول
وجيش صبري مهزوم ومفلول
ومن يلاق العيون الفاتكات بلا
صبر يدافع عنه فهو محذول
قتلت في الحب حب الغانيات وما
قارفت ذنباً وكم في الحب مقتول
لم يدر من سلب العشاق أنفسهم
بأنه عن دم العشاق مسؤول
وبي أغن غضيض الطرف معتدل ال
قوام لدن مهز العطف مجدول
كأنه في تثنيه وخطرته
غصن من البان مطلول ومشمول
وكل ما تدعي أجفان مقلته
يصح إلا غرامي فهو منحول
يا برق كيف الثنايا الغر من إضم
يا برق أم كيف لي منهن تقبيل
ويا نسيم الصبا كرر على أذني
حديثهن فما التكرار مملول
منازل لأكف الغيث توشية
بها وللنور توشيح وتكليل
كأنما طيب رياها ونفحتها
بطيب ترب رسول الله مجبول
وفى النبيين برهانا ومعجزة
وخير من جاءه الوحي جبريل
له يد وله باع يزينهما
في السلم طول وفي يوم الوغى طول
سل الإله به سيفاً لملته
وذلك السيف حتى الحشر مسلول
وشاد ركناً أثيلاً من نبوته
والكفر واه وعرش الشرك مثلول
ويل لمن جحدوا برهانه وثنى
عنان رشدهم غي وتضليل