شهاب الدين أحمد النابلسي
هو ابو العباس شهاب الدين أحمد بن عبد الرحمن بن أحمد بن عبد الكريم، النابلسيّ اصله من مدينة (نابلس) من فلسطين ويكنى بالعناياتي لسبب ان اباه كان يعرف ( ابو العنايات ) اما امه فهي من مكة المكرمة .
انتقل أحمد بن عبد الرحمن النابلسيّ من نابلس في فلسطين ، والد شاعرنا إلى مكّة المكّرمة في بداية الثلث الأول من القرن العاشر الهجريّ/ السادس عشر الميلاديّ، فمكث فيها مدّة ليست طويلة، وقد تزوج فيها امرأة من بني فهد،من أسرة ذات حسب ونسب.
ولد الشاعر في مكّة المكرمة سنة \ 933 هجرية- 1526 ميلادية، ونشأ بها في كنف أخواله من بني فهد المكيّ. ولم يره والده؛ حيث غادر مكّة عائداً إلى وطنه في الشام في مدينة (نابلس ) قبل أن يولد ابنه،
نشأ الشاعر أحمد العناياتيّ في مكّة المكرّمة، وشبّ وترعرع في كنف أخواله بني فهد، وتلقّى علومه الأولى على علمائها في عصره، وقد أخذ عن خاله عبد الرحمن بن فهد المكّي،وكان عالما كبيرا في مكة المكرمة
ومدح الشاعر أخواله، وانتسب إليهم، وفخر بهم، ما يدل على أنه عاش فيهم حياة هادئة مستقرّة، قال:
وإنّيَ منْ قومٍ تَولّوا غمائما
بُناةُ العُلا أبناءُ مكيّةِ الأولى
كِرامُ الفتاوى والفُتوةِ أنجمٌ
أماثلُ سُمحٍ لم يُلاقوا مُماثلاً
وقال فيهم ايضا :
قد اشتملتْ ثَوْباً من الحمدِ ضَافيا
وآبو رياضاً بالفَواغي فَواغِما
بهم كانَ سوقُ العلمِ والجودِ قائما
لها أنّها تُهدي الهُدى والمكارِما
مقاولُ لُسنٍ لم يُلاقوا مُقاوما
شمائلهم أَضْحى لهُ المجدُ راقِما
بقي الشاعر أحمد العناياتيّ في (مكة المكرّمة )– على الأرجح - حتى سنة\ 972هجريةـ/1564ميلادية، حيث سافر مع ركب الحاج الشاميّ إلى (نابلس )، ولعلّه رحل عن( مكّة المكرمة) بعد وفاة والدته، وباحثاً عن والده، وأسرته في نابلس ليتعرّف عليها ويعيش في أكنافها فالتقى والده أبا العنايات الذي كان يعمل مدرّساً في جامع ( نابلس)، ومكث فيها مدّة أمضاها في كنف والده،وقد تعرّف خلالها على أُسرة والده وأقاربه، وأهل بلده، واجتمع بوالده، وهو يومئذ مدرس جامعها .
وقال في صباه من جميل غزله يقول :
رب خلص من الفرق وثافي
واغثني يا سيدي بالتلاقي
ملكنني يداه حتى ظننت
حمامي مدبرا في عناقي
ما تغني رب المنى في حجاز
من مشوق الا نوى للعراق
ليت يوم الفراق يهوى فيلقى
في الهوى ما لقيت يوم الفراق
يوم ساقوا وادمعيفي استباق
وفؤادي مستحضر في السباق
كتب الدمع فوق مهراق خدي
كم دم طل في الهوى مهراق
يالعيني كانت منازل للاحـ
باب عادت مصارع العشاق
اه واحسرتاه على ذلك الخد
وان كان اصل نار احتراقي
بدر تم عليه جسمي امسى
خافيا مثل خصره في المحاق
مال في الروض واستحال قضيبا
من خلاف كقده في اتفاق
عطف الغصن نحو عطفيه حتى
يشتفي من شبيهه بالعناق
وفي نابلس عاش العناياتيّ حياة ممتعة في أحضان أسرته، ولعلّه تلقّى العلم على والده المدرّس في جامعها، وأحب (نابلس )، ومدحها، وأهلها ، قال فيها:
أيّها الغادي على نابلس
جئتَ الأرضَ والناسَ الِكَراما
بلدةً طيبِّةً قد حَسُنَت
لوفودٍ مُستقرّاً ومُقاما
جمَلاها جَبلاها فغَدَتْ
شِمَماً تعلو ثبيراً وشَماما
نعمَ أرضُ الخصبِ والخيرِ إذا
بكرَ العارضُ تحدوه النّعاما
بوركت أرضاً ولازال بها
تتوالى السُّحبُ وجداً وغراما
لكنّه غادر( نابلس) إلى (دمشق) .
وفي ( دمشق) عاش مدّة يسيرة . ثم غادرها إلى ( حلب) وبعد نحو عشر سنوات أمضاها في (حلب ) ثم عاد إلى (دمشق ) سنة 986هجرية/1578ميلادية وتوطّنها مجاوراً في حجرة من حجرات المدرسة الباذرائية حيث عاش وحيداً، ولم يتزوج في عمره قط .
احمد العناياتي تعلم الخط العربي وكتب فيه فكان خطاطا جيدا
وقد قال في خطه يصفه :
زادَ خطَّي وقلَّ حظِّي فمنْ لي
نقلُ نقطٍ منْ فوق خاءٍ لطاءِ
وبشعريَ الغالي ترخَّصَ سِعْري
وبطِبِّ الفُنونِ متُّ بدائي
و قال في خطه المحبي :
(وكان يكتب الخط الحسن المنسوب ، والخط النّسخيّ،)
وقال نجم بن بدرالدين الغزي :
( وأكثر خطّه نسخ رقيق)
توفي بدمشق سنة \ 1014 هجرية - 1605 ميلادية في حجرته التي عاش فيها اخريات عمره من حجرات المدرسة الباذرائية بدمشق
كان أحمد العناياتي شاعراً مشهوراً، بليغاً، وأديباً بارعاً وماهراً، حتى قيل عنه ( شاعر دمشق ) وبأديب الزمان، وصاحب ديوان العرب .
وقد بلغ شعر العناياتيّ مرتبةً عالية مقارنة بشعر معاصريه، فنظم شعراً جميلاً كانه الروض النّضير طرّزه بالمعاني البديعة الجميلة، وألوان البديع التي زيّنته ففاق بجماله زهور الربيع يتميز شعره بالبلاغة وحسن السبك والمعنى ونفسه الشعر طويل حيث اغلب قصائده طويلة وقال الشعرفي اغلب فنونه كالمديح والغزل والرثاء والهجاء والوصف وكتب في المواليا والزجل والسلسلة والاراجيز المزدوجة وقيل في شعره :
(ويأتي فيه بكل معنى بديع، ويبرز فيه من بدائع البديع ما يعلو شعر أحمد على زهر الربيع).
وقد مربنا وصفه ومديحه اما رثاؤه فمن رثائه يرثي صديقه أبو بكر بن محمّد الصهيونيّ رثاه بقصيدة يقول فيها :
لهفي عليكَ أبا بكر إذا احتجبَ
الـهلالُ للصومِ، واحْتاجوا إلى العَددِ
قدْ كُنتَ قمتَ بعلمِ النَّجمِ مُنْفردا
بطالعٍ فيه بالإسعادِ مُنفردِ
واختم بحثي بهذه الابيات من شعره :
قلبي على قَدِّك الممشوقِ بالهيَفِ
طيرٌ على الغصن أم همْزٌ على الألفِ
وهل سُوَيْداه أم خَالٌ بخدَّك أم
خُويدِمٌ أسودٌ في الرَّوضةِ الأُنُفِ
وهذه غُرَّوٌ في طُرَّةٍ طلعتْ
أم بدرُ تِمٍّ بدَا في ظُلمةِ السُّدَفِ
تخْفى النجومُ بنورِ البدر وهو بنُو
ر الشمس وهْيَ بنُور منك غيرُ خَفِي
يا بدرُ وطرفي فيك مُنتصِفٌ
بالوصْل منك وهذا غيرُ مُنتِصفِ
القلبُ واصَلْتَ فيه وَصْلَ مُمتزِجٍ
والطَّرفُ صَدَّيت عنه صَدَّ مُنحرِفِ
ظَبْيٌ تألفَّتُ منه غيرَ مُلتَفتٍ
غُصنٌ تعطَّفتُ منه غيرَ مُنعطِفِ
شِفاءُ حَرِّ غليلي بَرْدُ رِيقَتِهِ
والُبرْءُ مِن دَنَفي في لَحظِهِ الدَّنِفِ
وَيْلاهُ من وردِ خدٍّ غيرِ مُقتَطفٍ
مِنْهُ ومن خَمْرِ ريقٍ غير مُرتشَفِ
عذلتُ عاشقَ عَذْلي في محبَّتِهِ
فاعْجَب لذي شَغَفٍ يلْحِى على الشَّغِفِ
يظُنُّ أن سِواه منهُ لي خَلَفٌ
أساء في الظَّنِّ هل للروح من خَلَفِ
عُذْريَّ عِشقي عُذْرِي فيه مُتِّضِحٌ
كوجهِه وهو مثلُ الشمسِ في الشَّرَفِ
فنِيتُ سُقماً بِخَصْرٍ منه مُخَتَصَرٌ
فيه وطَرْفِي ونوْمي جِدُّ مُختِلفِ
يطير قلبي إلى ألحاظِهِ شَغَفاً
فاعْجَبْ له كيف يرْمى السَّهْمَ بالهدفِ
يا أيها الرَّشَأُ الضَّارِي على مُهَجِ الْ
آسادِ بالسَّيْف مِن جَفْنَيهَ لم يَخِفِ
بما بحُسِنك مِن تِيهٍ ومن صَلَفٍ
وما بعِشْقِيَ من ذُلٍّ ومن كَلفِ
الله في كَبدٍ للوجدِ في كَمَدٍ
إليك أسْرَف فيها الشوقُ في السَّرَفِ
ومُغْرمٍ ماله مِن مُسعِفٍ لعبتْ
به اللَّواعجُ لِعْب الرِّيح بالسَّعَفِ
أشْفَى مِحَاق الضَّنَى لما هجرتَ به
على التّلاف ولو واصلْتَه لشُفِي