الشاعر أبو البقاء الرندي
هو أبو البقاء وقيل ابو الطيب – صالح بن يزيد بن صالح بن موسى بن أبي القاسم بن علي بن شريف الرندي الأندلسي .
ولد في مدينة ( رندة ) سنة \ 601 هجرية – 1204 ميلادية فهو من ابناء مدينة ( رندة ) قرب الجزيرة الخضراء بالاندلس ونسب اليها فقيل ( الرندي) .
قضى معظم أيامه في مدينة( رندة) واتصل ببلاط بني نصر (ابن الأحمر) في (غرناطة) . وكان يفد عليهم ويمدحهم وينال جوائزهم وكان يفيد من مجالس علماء غرناطة ومن الاختلاط بأدبائها وشعرائها كما كان ينشدهم من شعره أيضاً.
ومما قال في المدح ووصف معركة :
وكتيبة بالدارعين كثيفة
جرت ذيول الجحفل الجرار
فيها الكماة بنو الكماة كأنهم
أسد الشرى بين القنا الخطار
متهللين لدى الهياج كأنما
خلقت وجوههم من الأقمار
لبسوا القلوب على الدروع وأشرعوا
بأكفهم نارا لأهل النار
وتقدموا ولهم على أعدائهم
حنق العدا وحمية الأنصار
فارتاع ناقوس لخلع لسانه
وبكى الصليب لذلة الكفار
ثم انثنوا عنه وعن عباده
وقد أصبحوا خبرا من الأخبار
عاشَ في النصف الثاني من القرن السابع الهجري، وعاصر الفتن والاضطرابات التي حدثت في بلاد الأندلس وشهد سقوط معظم القواعد والمدن الأندلسية بيد الأسبان، اما تفاصيل حياتُه التفصيلية فتكاد تكون مجهولة، و كانت شهرته بقصيدته التي نظمها في رثاء المدن الاندلسية وتناقلها بين الناس فيما ذكرته كتب الأدب، وكان له غيرها من القصيد مما لم يشتهر. ميلادية كان من حفظة الحديث ومن فقهاء الاندلس المشهورين . وقد كان بارعا في نظم الكلام ونثره.
وقال عنه عبد الملك المراكشي في كتابه ( الذ يل والتكملة ) :
(كان خاتمة الأدباء في الأندلس بارع التصرف في منظوم الكلام ونثره فقيها حافظاً . له مقامات بديعة في أغراض شتى وكلامه نظما ونثرا مدون ) .
توفي الشاعر الفقيه ابو البقاء الرندي في سنة \ 684 هجرية - 1285 ميلادية
أجاد في المدح والغزل والوصف والزهد. ومن شعره في الغزل هذه الابيات يقول :
يا سالب القلب مني عندمـا رمقـا
لم يبق حبك لي صبـرا ولا رمقـا
لا تسأل اليوم عما كابـدت كبـدي
ليت الفراق وليت الحب مـا خلقـا
ما باختياري ذقـت الحـب ثانية
وإنما جارت الأقدار فاتفقا
وكنت في كلفي الداعي إلى تلفـي
مثل الفراش أحب النار فاحترقا
يا من تجلى إلى سري فصيرني دكا
وهز فؤادي عندما صعقا
انظر إلي فإن النفـس قد تلفت
رفقا علي الروح إن الروح قد زهقا
ويقول ايضا :
أ لثامٌ شَـفَّ عـن ورد ٍ ند
أم غمام ضحكت عـن بَـرَدِ
أم على الأزرار من حُلَّتها
بدرُ تـمَّ في قضيب أَملَـد
بأبي لين له لو أنه
نقلت عطفتـه للخلد
لا وألحاظ لها ساحرة
نفثت في القلب لا في العقد
لا طلبت الثأر منها ظالما
وأنا القاتل نفسي بيدي
نظـرت عيني لحيني نظرة
أخذت روحي وخلـت جسـدي
هاتها بالله في مرضاتها
قهوة فيها شـفاء الكمد
عصرت باللطف في عصر الصبا
فرمـت بالمسك لا بالزبد
ما درى مديرها في كأسها
وهي مثل البارق المتقد
درة ضمت على ياقوتة
أم لجين فيه ثوب عسجدي
إلا أن شهرته تعود إلى قصيدة نظمها بعد سقوط عدد من المدن الأندلسية. والتي نظمها ليستنصر أهل العدوة الإفريقية من ( المرينيين ) عندما تنازل ابن الأحمر ( محمد بن يوسف) أول سلاطين ( غرناطة ) للإسبان عن عدد من القلاع والمدن إرضاء لهم وأملا في بقائه على حكمه غير المستقر في (غرناطة) وتعرف قصيدته ب (مرثية الأندلس) . وقد تأثر الرندي في كتابة قصيدته هذه بقصيدة البستي المسماة (نونية البستي) التي تشبهها في كثير من ابياتها و التى مطلعها:
لِـكُلِّ شَـيءٍ إِذا مـا تَمّ نُقصانُ فَـلا يُـغَرَّ بِـطيبِ العَيشِ إِنسانُ
وقد مرت بنا كاملة في موضوع ( مراثي الاندلس) من هذا الكتاب
واختم بحثي بهذه الابيات من شعره:
عللاني بذكر تلك الليالي وعهود عهدتها كاللالي
لست أنسى للحب ليلة أنس صال فيها على النوى بالوصال
غفل الدهر والرقيب وبتنا فعجبنا من اتفاق المحال
ضمنا ضمة الوشاح عناق بيمين معقودة بشمال
فبردت الحشى بلثم ورود لم يزل بي حتى خبالي خبالي
وكؤوس المدام تجلو عروسا اضحك المزج ثغرها عن لال
ويجر الدجى ذوابل شمع عكست في الزجاج نور الذبال
والثريا تمد كفا خضيبا أعجمت بالسماك نون الهلال
وكأن الصباح إذ لاح سيف ينتضى من غين وميم ودال
ومسحنا الكرى إلى غانيات غانيات بكل سحر حلال
في رياض تبسم الزهر فيها لغمام بكت دموع لال
وجرى عاطر النسيم عليلا فتهادى بين الصبا والشمال
فاكتسى النهر لامة منه لما ان رمى القطر نحره بالنبال
يا ليالي مني سلام عليها أتراها تعود تلك الليالي