التصور العام عن الاختصاص القضائي في الأنظمة ( المبحث الأول )
وفيه خمسة مباحث
المبحث الأول
تعريف "الاختصاص القضائي في الأنظمة" باعتبار مفرداته ، وفيه ثلاثة مطالب :-
المطلب الأول :- تعريف الاختصاص
أ- الاختصاص في اللغة :
مأخوذ من مادة خَصَّ، تقول: اختصَّ فلان بكذا، إذا انفرد به دون غيره، واختصّه بالشيء، إذا خصه به وفضله واختاره واصطفاه، والتخصيص ضد التعميم
ب- الاختصاص في اصطلاح النظام القضائي:
"السلطة التي خولها القانون لمحكمة ما في الفصل في نزاع ما"
.
ت- مما سبق تتضح العلاقة الوثيقة بين المعنى اللغوي والمعنى الاصطلاحي . فالاختصاص كما سلف يأتي بمعنى الانفراد والاصطفاء ونقيض التعميم. وهذا المعنى واضح وجلي في المعنى الاصطلاحي؛ حيث فيه انفراد هذه الجهة القضائية عن غيرها بهذه القضية لصفة وجدت فيها مما جعلها تختص بها دون سواها، لذا اختيرت لهذه المهمة والنوع، إذ الخصوصية كما جاء في معجم لغة الفقها لا تكون إلا لصفة توجد في شيء ولا توجد في غيره.
المطلب الثاني : في تعريف القضاء.
أ- القضاء في اللغة :
من مادة "قَضَيَ"، ويأتي في اللغة بمعان، منها: الحُكْمُ والفصل، تقول: قضيت بين الخصمين، وبمعنى: الأَمْر، قال الله سبحانه: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانا، وبمعنى: الفراغ، تقول: قضى حاجته، وبمعنى: البيان، قال تعالى: {وَلا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضَى إِلَيْكَ وَحْيُه، وبمعنى: القَتْل، تقول ضربه فقضى عليه، وبمعنى: الأداء والانتهاء، تقول قضى دينه، وبمعنى: مات، تقول قضى فلان أي : مات حَتْفَ أَنْفِهِ من غير ضَرْبٍ ولا قَتْلٍ، وبمعنى: قدَّر وصَنَع.
ب- وأما القضاء في الاصطلاح :
فقد تفاوتت عبارات المعرفين لذلك قرباً وبعدا ، وإن كانت كلها تدور حول معنى واحد ، وهو أن القضاء في الحقيقة هو فصل الخصومات، وقطع المنازعات بطرق مخصوصة، وإن قُيدت ذلك بقيود أو وضحت بإيضاحات لإخراجه عن معناه اللغوي، ومن هذه القيود: أن يكون هذا الفصل على سبيل الإلزام بواسطة الإخبار عن حكم الشارع في الوقائع المعروض.
والتعريفات في غالبها لا تخلو من مأخذ وانتقاد، ويكفي أنها تقرب صورة المعرَّف به إلى الذِّهن.
ولعل أقرب هذه التعريفات وأجمعها: "مَنْصِبُ الفَصْلِ بين الناس في الخصومات حَسْماً لِلتَّداعِي، وقطعاً للتَّنَازُعِ، بالأحكام الشرعية المُتَلَقَّاةِ من الكتابِ والسنةِ"
.
وقد تميز هذا التعريف بذكر الغايةِ من القضاءِ، وأَداتِه، والجِهَةِ التي تقومُ به .
ث - والعلاقة بين المعنى اللغوي والمعنى الاصطلاحي، هو أن لفظ القضاء وإن كان يأتي بمعان عدة في اللغة إلا أن المعنى المناسب للمعنى الاصطلاحي هو: الحكم والفصل، مع الأخذ في الاعتبار بعدم خلوه عن أكثر تلك المعاني؛ لأن القضاء فيه: معنى الانتهاء، والأمر، والبيان، ونحو ذلك.
المطلب الثالث : تعريف النظام .
أ- النظام في اللغة :
التأليف، وضم الشيء إلى الشيء، وكل شيء قرنته بآخر أو ضممت بعضه إلى بعض فقد نَظَمْتَه، ونظام كل أمر: مِلاَكُه، وقِوامُه، وعِمادُه، وجمعه: أنْظِمَة، وأَناظِيم، ونُظم
.
ب- أما النظام في الاصطلاح فيمكن أن يعرف من ناحيتين:-
أولاً = باعتبار موضوعه؛ " هو عبارة عن مجموعة من الأحكام التي تتعلق بموضوع محدّد، وتعرض في صورة مواد متتالية"
.
ثانياً = باعتبار الشكل؛ " وهو عبارة عن وثيقة مكتوبة تصدر ممن يملك حق إصدارها – وهو في الغالب رئيس الدولة – تهدف إلى تنظيم سلوك الأفراد في مجتمعهم، وإدراك مصالحهم".
وعرفه بعضهم بأنه: "مجموعة من القواعد المنظمة لهيئات السلطة القضائية في الدولة ولولايتها".
ونحن نجد في دولة واحدة أنظمة كثيرة تحكمها، وتسوس رعيتها بما يعود عليهم بالمصالح، ويدفع عنها القبائح. فهناك نظام الحكم، ونظام القضاء، ونظام الاقتصاد، ونظام التعليم، ونظام الشورى، وغيرها من الأنظمة، غير أن جميع هذه الأنظمة تابعة لنظام حكم الدولة الذي يحكم الجميع
.
ت- وتتضح العلاقة بين المعنيين بالنظر إلى التعريف اللغوي حيث جاء فيه: "التأليف، وضم الشيء إلى الشيء..."، وبالنظر إلى التعريف الثاني في المعنى الاصطلاحي حيث قال: إنه: "مجموعة من القواعد..."، تجد أن العلاقة وثيقة، حيث وجد في كليهما معنى الجمع والتأليف.