اهمية نفاذ القرارات الإدارية ومعوقاتها المبحث الثالث
تنفيذ القرارات الإدارية
تتمتع الإدارة بامتيازات وسلطات استثنائية في تنفيذ قراراتها , منها قرينة المشروعية, التي تفترض سلامة قراراتها الإدارية حتى يثبت العكس , وتمتع قراراتها بقوة الشيء المقرر وقابليته للتنفيذ , وهو ما يجعل الإدارة في مركز المدعى عليها باستمرار , ويفرض على الأفراد احترام القرارات الصادرة عنها .
كما تتمتع الإدارة في مجال تنفيذ قراراتها الإدارية بامتياز التنفيذ المباشر الذي يتيح لها تنفيذ القرارات الإدارية التي تصدرها بنفسها .
أولاً : مفهوم التنفيذ المباشر
يقصد بالتنفيذ المباشر السلطة الاستثنائية التي تملكها الإدارة في تنفيذ قراراتها بنفسها تنفيذاً جبرياً عند امتناع الأفراد عن تنفيذها اختيارياً دون اللجوء إلى القضاء , وتقوم هذه السلطة على أساس افتراض أن كل ما تصدره الإدارة من قرارات يعد صحيحاً ومطابقاً للقانون إلى أن يثبت العكس لوجود قرينة المشروعية التي تعفى الإدارة من إثبات صحة قراراتها , ومن ثم لا يقبل من أحد الامتناع عن تنفيذها لمطابقتها للقانون .
وهنا يجب التمييز بين نفاذ القرار الإداري وتنفيذه فالنفاذ يتعلق بالآثار القانونية للقرار الإداري وهي عنصر داخلي في القرار الإداري , في حين يكون تنفيذ القرار بإظهار آثاره في الواقع وإخراجه إلى حيز العمل وتحويله إلى واقع مطبق يؤدي إلى تحقيق الهدف من اتخاذه.
ومن ثم فهناك من القرارات الإدارية ما يكفي فيها القوة التنفيذية أو النفاذ ولا تتطلب إجراءاً تنفيذياً خارجياً كقرار الإدارة بتوقيع عقوبة الإنذار على موظف عام , أو قرارات الإدارة التي تنفذ طوعية من الأفراد المخاطبين بها .
أما إذا تعنت الأفراد في تنفيذ قرارات الإدارة فإن الأمر يستدعي التنفيذ المادي للقرار , وحيث أن طريق التنفيذ المباشر هو طريق استثنائي فإنه يتم اللجوء إلى القضاء للحصول على حكم بالتنفيذ إذا لم يقبل الأفراد بتنفيذ القرار اختيارياً ويتم ذلك عن طريق استخدام الدعوى الجنائية أو الدعوى المدنية .
غير أن الإدارة باعتبارها سلطة عامة قائمة على حماية المصلحة العامة وتحقيق مصالح الأفراد وضمان سير المرافق العامة بانتظام واطراد , أتاح لها المشرع الحق في أن تنفيذ قراراتها بالقوة الجبرية إذا رفض الأفراد تنفيذها اختياراً دون حاجة إلى أذن من القضاء.
ثانياً : حالات التنفيذ المباشر .
لأن التنفيذ المباشر يعد وسيلة استثنائية فإن الإدارة لا تلجأ إلى استخدامه إلا في حالات معينة هي :
1. النص من جانب المشرع : قد يخول المشرع الإدارة سلطة تنفيذ قراراتها تنفيذاً جبرياً دون الحاجة إلى أذن سابق من القضاء , مثال ذلك حجز الإدارة على المرتب والعلاوات والمعاشات والمكافآت وسائر المزايا المالية التي يستحقها الموظف في حدود معينه .
2. عدم وجود وسيلة قانونية أخرى لتنفيذ القرار الإداري : إذا لم يكن للإدارة وسيلة قانونية تلجأ إليها لتنفيذ القرار الإداري , كان لها أن تنفذه جبرياً لتكفل احترامه ولو لم ينص القانون على ذلك .
فإذا نص المشرع على جزاءات جنائية تترتب على الأفراد في حالة امتناعهم عن تنفيذ القرار الإداري , فإنه يمنع على الإدارة استعمال سلطة التنفيذ المباشر .
3. حالة الضرورة : يجوز للإدارة أن تلجأ إلى التنفيذ المباشر في حالة وجود خطر يهدد النظام العام بعناصره الثلاثة الأمن العام و السكينة العامة و الصحة العامة , بحيث يتعذر عليها مواجهة هذا الخطر باستخدام الطرق العادية , ونظراً لخطورة اللجوء إلى التنفيذ المباشر في هذه الحالة فقد جرى القضاء والفقه على أن حالة الضرورة لا تقوم إلا بتوافر شروط معينة يمكن إجمالها بما يلي :
أ-وجود خطر جسيم يهدد النظام العام بعناصره الثلاثة "الأمن,الصحة , السكينة".
ب- تعذر دفع هذا الخطر بالوسائل القانونية العادية .
ج-أن يكون هدف الإدارة من تصرفها تحقيق الصالح العام .
د- أن يكون تصرف الإدارة في الحدود التي تقتضيها الضرورة .
ثالثاً : شروط تطبيق التنفيذ المباشر .
يشترط للجوء الإدارة إلى التنفيذ الجبري في الحالات السابقة توافر الشروط الآتية:
1. أن يستند القرار المراد تنفيذه إلى نص تشريعي إذ أن الفكرة الأساسية التي تبرر التنفيذ المباشر هي وجوب تنفيذ القانون , ومن ثم لا يمكن استعمال هذا الأجراء إلا لتنفيذ نص تشريعي أو قرار إداري صادر تنفيذاً للقانون .
2. اصطدم تنفيذ القانون أو القرار بامتناع من جانب الأفراد , ومن ثم على الإدارة أن تنذرهم بوجوب تنفيذ حكم القانون أو القرار طوعاً , فإذا رفضوا جاز للإدارة استعمال طريق التنفيذ المباشر .
3. يجب أن يقتصر التنفيذ المباشر على الإجراءات الضرورية لتنفيذ القرار , دون أن تنصرف وتستعمل ما يتجاوز الضروري .
فإذا خالفت الإدارة هذه الشروط , وتذرعت بالتنفيذ المباشر , فأنها تتحمل ما قد ينشأ عن تنفيذ القرار من أضرار تلحق بالأفراد , ويعد إجراءاها اعتداء مادياً مع عدم المساس بالقرار الإداري الذي من الممكن أن يكون مشروعاً في ذاته .
الفصل الخامس
نهاية القرارات الإدارية
بقصد بنهاية القرارات الإدارية انتهاء كل أثر قانوني لها , وقد تنتهي القرارات الإدارية نهاية طبيعية عندما ينفذ مضمونها , أو تنتهي المدة المحددة لسريانها , أو استنفاذ الغرض الذي صدر لأجله أو يستحيل تنفيذه لانعدام محله أو وفاة المستفيد منه , إلى غير ذلك من أسباب لا دخل لأي سلطة في تقريرها .
وقد تكون نهاية القرارات الإدارية نهاية غير طبيعية بأن تتدخل أحدى السلطات الثلاث لإنهائها كأن يتدخل المشرع أو القضاء لإلغاء القرار , كما قد يصدر قرار الإنهاء من الإدارة وذلك بسحب القرار أو إلغاؤه .
وسنبحث فيما يلي الصور المختلفة لنهاية القرارات الإدارية وذلك في مبحثين :
المبحث الأول : نهاية القرارات الإدارية بغير عمل الإدارة .
المبحث الثاني : نهاية القرارات الإدارية بعمل من جانب الإدارة
المبحث الأول
نهاية القرارات الإدارية بغير عمل الإدارة
ينتهي القرار الإداري نهاية لا دخل للإدارة فيها أما بنهايتها الطبيعية , أو عن طريق القضاء بحكم قضائي , ولأن الحالة الأخيرة تدخل ضمن موضوع رقابة القضاء على أعمال الإدارة فأننا سنقصر البحث في هذا الجانب من الدراسة على النهاية الطبيعية للقرار الإداري .
وتنتهي القرارات الإدارية نهاية طبيعية مهما طالت مدة سريانها في الحالات التالية :
أولاً : تنفيذ القرار الإداري .
ينتهي القرار الإداري بمجرد تنفيذه أو استنفاذ الغرض منه , كتنفيذ القرار بإبعاد أجنبي , فإن القرار ينتهي بمغادرة ذلك الأجنبي البلاد , والقرار الصادر بهدم منزل آيل للسقوط ينتهي بهدم ذلك البيت .
وقد تستدعي طبيعة بعض القرارات استمرارها لمدة طويلة من الزمن , كالقرار الصادر بترخيص محل , فلا ينتهي القرار بإنشاء المحل , بل يستمر ما دام المستفيد من الترخيص مزاولاً لنشاطه , إلا إذا تدخلت الإدارة وقامت بسحب الترخيص لمقتضيات المصلحة العامة أو لمخالفة المستفيد لشروط الاستفادة منه .
ثانياً : انتهاء المدة المحددة لسريان القرار :
قد يحدد المشرع مدة معينة لسريان القرار الإداري يتوقف أثره بانتهائها , كما في حالة الترخيص بالإقامة الأجنبي لمدة معينة , أو قرار منح جواز سفر ,ففي الحالتين ينتهي القرار بانتهاء المدة المحدد سلفاً لنفاذ الترخيص وجواز السفر .
ثالثاً : زوال الحالة الواقعية أو القانونية التي تعلق عليها استمرار نفاذ القرار الإداري:
كما لو منحت الإدارة الأجنبي الترخيص بالإقامة لأنه يعمل في جهة أو مصلحة حكومية فإذا انتهت خدمته في هذه الجهة انتهى معها الترخيص له بالإقامة .
رابعاً : استحالة تنفيذ القرار :
كالقرار الصادر بترخيص مزاولة مهنة معينة , ثم يتوفى المستفيد من الرخصة أو القرار الصادر بتعيين موظف يتوفى قبل تنفيذه لقرار التعيين .
فالأصل في هذه الأحوال أن يرتبط مصير القرار بمصير من صدر لصالحهم إلا في بعض الحالات الاستثنائية التي تسمح بترتيب بعض آثار القرار على ورثة المستفيد .
خامساً : تحقق الشرط الفاسخ الذي يعلق عليه القرار :
قد يصدر القرار معلقاً على شرط فاسخ , وهو قرار كامل وتكون آثاره نافذة , غير أن تحقق الشرط الفاسخ يؤدي إلى زوال القرار من تاريخ صدروه وليس من تاريخ تحقق الشرط .
كما في قرار التعيين فهو قرار فردي مقترن بشرط فاسخ يتمثل في رفض صاحب الشأن فإذا لم يتحقق الرفض استمر القرار صحيحاً ومنتجاً لآثاره , أما إذا رفض التعيين زالت آثار القرار بأثر رجعي من تاريخ صدوره وليس من تاريخ تحقق الشرط .
سادساً : اقتران القرار بأجل فاسخ :
قد تقرن الإدارة القرار الإداري بأجل فاسخ , فإذا حل هذا الأجل زال القرار الإداري من تاريخ حلول الأجل على خلاف القرار المعلق على شرط فاسخ الذي تزول آثاره بأثر رجعي في تاريخ صدروه .
فالقرار في هذه الحالة يكون نافذاً ومنتجاً لآثاره حتى يتحقق الأجل الفاسخ , ومن ذلك القرارات الإدارية التي تحدد علاقة الموظف بالدولة والتي تنتهي حكماً ببلوغ الموظف سن التقاعد .
سابعاً : الهلاك المادي للشيء الذي يقوم عليه القرار :
كما لو صدر قرار بالترخيص لأحد الأشخاص باستعمال جزء من المال العام , فينتهي القرار بهلاك هذا الجزء من المال العام , أو فقده لصفة العمومية .
ثامناً : تغير الظروف التي دعت إلى إصدار القرار :
القرار الصادر تنفيذاً لقانون معين من الطبيعي أن ينتهي بزوال أو إلغاء القانون , إلا إذا نص على غير ذلك .
المــدة المحددة للسحـب .
يقضي مبدأ المشروعية احترام الإدارة للقانون في جميع تصرفاتها , في حين تتطلب المصلحة العامة استقرار الحقوق والمراكز القانونية القائمة , ولا بد للتوفيق بين الأمرين ن يتم سحب القرارات الإدارية المعيبة خلال مدة معينة يتحصن بعدها القرار .
لذلك فقد استقر القضاء على اشتراط أن يتم سحب القرارات الإدارية الفردية خلال المدة التي يجوز فيها الطعن بالإلغاء أمام القضاء , أي خلال ستين يوماً من تاريخ صدورها بحيث إذا انقضى هذا الميعاد اكتسب القرار حصانة تمنعه من أي إلغاء أو تعديل.
أما بالنسبة للقرارات الإدارية غير المشروعة فيجوز سحبها في أي وقت حسبما تقتضيه المصلحة العامة .
إلا أن قاعدة التقيد بميعاد سحب القرارات الإدارية الفردية المعيبة ترد عليها بعض الاستثناءات تستطيع الإدارة فيها أن تسحب قراراتها دون التقيد بمدة معينة تمثل فيما يلي :
أ- القرار المنعدم :
القرار الإداري المنعدم هو القرار المشوب بعيب جسيم يجرده من صفته الإدارية ويجعله مجرد عمل مادي , لا تتمتع بما يتمتع به الأعمال الإدارية من حماية , فلا يتحصن بمضي المدة , ويجوز سحبه في أي وقت , كما يجوز لصاحب الشأن أن يلجأ إلى القضاء طالباً إلغاء القرار المنعدم دون التقيد بمواعيد رفع دعوى الإلغاء .
وقد ذهب بعض الفقهاء إلى القول بأن سحب هذه القرارات ليس ضرورياً , لأن جهة الإدارة يمكن أن تكتفي بتجاهلها بدون الحاجة إلى إعلان ذلك صراحة , إلا أنها تقدم على ذلك رغبة منها في أن توضح الأمور للأفراد , وعلى ذلك فلا يجوز تقييدها في هذا المجال بميعاد معين لسحب قراراتها المعدومة .
ومن قبيل هذه القرارات صدور القرار من فرد عادي لا يتمتع بصفة الموظف أو من هيئة خاصة لا تمت بصلة للإدارة صاحبة الاختصاص .
ب- القرار الإداري المبني على غش أو تدليس :
إذا صدر القرار الإداري بناءً على غش أوتدليس من المستفيد من القرار , فإن للإدارة أن تسحب القرار دون التقيد بمدة السحب لأنه لا يوجد و الحال هذه ما يبرر حماية المركز القانوني لهذا الشخص الذي استعمل طرقاً احتيالية بنية تضليل الإدارة وحملها على إصدار القرار استناداً إلى القاعدة التي تقرر أن الغش يفسد كل شيء .
ولنكون أمام هذه الحالة لابد من أن يستعمل المستفيد من القرار طرق احتيالية للتأثير على الإدارة ,وأن تكون هذه الطرق هي التي دفعت الإدارة إلى إصدار القرار مثال ذلك قرار تعيين موظف على أساس تقديم شهادات خبرة مزورة .
وقد تكون هذه الطرق الاحتيالية التي استخدمها المستفيد طرقاً مادية كافية للتضليل وإخفاء الحقيقة , وقد يكون عملاً سلبياً محضاً في صورة كتمان صاحب الشأن عمداً بعض المعلومات الأساسية التي تجهلها جهة الإدارة , ولا تستطيع معرفتها عن طريق آخر ويؤثر جهلها بها تأثيراً جوهرياً في إرادتها مع علم صاحب الشأن بهذه المعلومات وبأهميتها وخطرها .
ج- القرارات الإدارية المبينة على سلطة مقيدة :
القرارات الإدارية التي تصدر بناءً على سلطة مقيدة بحيث لا يترك المشرع للإدارة حرية في التقدير , فإنه يكون لها أن ترجع في قراراتها كلما أخطأت في تطبيق القانون دون تقيد بمدة .
ومثال القرارات التي تصدر بناءً على اختصاص مقيد قرار الإدارة بترقية موظف على أساس الأقدمية , فإذا أخطأت الإدارة في مراعاة هذا الشرط وأصدرت قرارها متخطية الموظف المستحق إلى الموظف أحدث , جاز لها أن تسحب قرار الترقية دون التقيد بمدة معينة .
وعلى العكس من ذلك إذا مارست الإدارة اختصاصاً تقديرياً , فإنه لا يجوز لها أن ترجع في قرارها المعيب إلا خلال المدة المحدد للطعن بالإلغاء .
د- القرارات الإدارية التي لم تنشر أو لم تعلن :
من المستقر فقهاً وقضاءً أن القرار الإداري يكون نافذاً في مواجهة الإدارة من تاريخ صدوره في حين لا يسري في مواجهة الأفراد إلا بعلمهم به بالطرق المقررة قانوناً.
وبناءً على ذلك فإن لجهة الإدارة أن تسحب قراراتها الإدارية التي لم تنشر أو لم تعلن في أي وقت ومن باب أولى أن يتم ذلك في شأن القرارات الإدارية المعيبة التي لم تعلن أو تنشر