كتاب ونقاد ( امين الرافعي )
امين الرافعي
(1886م ـ 1927 م/1303هـ ـ 1346هـ)
مولده ونشأته:
هو ابن المرحوم عبداللطيف الرافعي الذي أنجب عالمين سياسيين حقوقيين، وكاتبين بليغين مؤلفين، وقد خدما مصر في صحفها ومصنفاتها التاريخية أجل الخدمات، وهما أمين الرافعي، وشقيقه الاستاذ عبد الرحمن الرافعي، صاحب المصنفات المشهورة، وقد امتاز كل منهما في مراحل حياته، بأخلاق فاضلة عزت امثالها بين ذوي المواهب، وحافظا على شرف اسرتهما بقوة عقيدتهما، فتم بهما للاسرة الرافعية، خدمة امتهما العربية، في وطنيهما سورية ومصر، في شتى النواحي الثقافية والأدبية.
تجرده ونزاهته:
هو رجل عاش حياته كلها يدافع عن الحق ويدعو إلى الله على بصيرة، ويبذل من ماله ومن دمه في سبيل امته ما ليس وراءه غاية لمريد، ولا زيادة لمستزيد، ولو عرفنا اقدار الرجال بالمعنى الذي تعرفه الأمم الاخرى لجعلنا ذكرى وفاة هذا المجاهد الصادق يوماً من أيام القومية العربية، ولاتخذنا حياته الحافلة بالعظائم والجلائل نموذجاً لكمال الاخلاق، وشرف التضحية والنزاهة المطلقة.
ولد أمين الرافعي في الزقازيق سنة 1886م و1303هـ ونشأ في مهد العلم والفضائل، وتلقى دراسة أهلته أن يكون من أبرز رجال عصره علماً وأدباً وفضلا.
ومن الاسف اننا نحن الشرقيين نؤمن بالمظاهر دون الحقائق، ولا نعرف قيم الرجال إلا بمقدار ما لهم من الجول والطول، وما حولهم من المتاع والحطام، ولست أدري كيف ترجو الخير أمة تنسى حقوق ابنائها الذين استشهدوا في ميدان التضحية، وكتبوا صحائف جهادها الوطني بمداد من دمائهم، وقطرات من ذوب نفوسهم، ومن المؤلم حقاً أن يوجد في الامة العربية من يجهل فضل أمين الرافعي عليها وهو رجل يعتبر تاريخه تاريخاً للحركة الوطنية في جميع أدوارها، إذ كان له في كل ميدان جولة وفي كل معترك صولة، وكان قلمه سيفاً في يد الحق، إذا تصدى للباطل زهق، وإذا انبرى للطغيان مرق، كأنما كانت تؤيده السماء بالتوفيق وتمده القدرة بالالهام، ما عالج موضوعاً لا أصاب الهدف، ونفذ إلى الصميم وانتهى منه إلى الغاية المرجوة، لا صلاح له غير الحجة البالغة، والدليل الواضح وقواعد البحث الدقيق وقضايا المنطق السليم.
مواهبه:
لقد كان الكاتب الوحيد الذي حفظ الله قلمه من العثار، وعصم لسانه من الفحش، فما جارت الخصومة في يوم من الايام على أخلاقه، ولا ورطته العداوة في الكتابة إلى كلمة نابية أو عبارة مؤذية لا يرضى عنها الخلق، ولا يطمئن إليها الضمير، على أنه لم يكن يخاصم إلا في الله والوطن والحق، ولم تعرف له في حياته خصومة شخصية، لانه كان ينظر إلى زخارف هذه الدنيا بعين الزهد والاحتقار، ولقد حاول الكثيرون ان يشتروا قلمه أو يخففوا من حدته بالكثير من المال والجاه فلم يستطيعوا إلى ذلك سبيلاً، وعرضت عليه وظائف الدولة الكبرى فكان جوابه (لا تفسدوا علي إيماني، فأنا لم أُخلق لهذه الوظائف).
وطنيته المثلى:
كان نعم العون لسعد باشا زغلول، وكان سعد يؤثره برسائله وهو مع الوفد في باريس، وحينما اختلف معه في مبدأ المفاوضات، كان سعد مع ذلك يثق به ويلقبه بالخصم الشريف، والرجل النزيه، ولما نفي سعد إلى شيسل كان أمين الرافعي أول المدافعين عنه مع اختلافه معه في الرأي، كما كان أول من نقد طريقة وضع الدستور، ومن مفاخره التي تدل على التضحية والشجاعة أنه في سنة 1914م حينما أعلنت انجلترا الحماية على مصر، وقضت الاحكام العرفية على الصحف بنشر البلاغات الرسمية ومنها بلاغ الحماية، لم يشأ أمين أن ينشر في جريدة الشعب الذي كان يتولى تحريرها في ذلك الحين بلاغ الحماية، وقرر تعطيلها من تلقاء نفسه لكيلا ينشر فيها هذا البلاغ، ورضي بما ترتب على ذلك من السجن والاعتقال، وقضى مدة السجن صابراً راضياً وخرج منه مؤمناً قوي النفس والقلب، وكانت جريدة الشعب جريدة الحركة الوطنية، وكان الشعب يتلقف اعدادها بشوق وشغف، وهو الرجل الوحيد الذي احتج على بلاغ الحماية البريطانية بعدم نشره، وهكذا مات أمين الرافعي في شقاء الصحافة وجهادها.
الدستور المتشرع:
ومن أعظم الامثلة الدالة على عبقريته. وسعة علمه بالشؤون الدستورية أنه الصحفي الوحيد الذي نبّه الامة والزعماء والاحزاب إلى أن قرار حل مجلس النواب الذي صدر في عهد حكومة زيور باشا يعتبر باطلاً لانه لم يحدد فيه موعد الانتخاب والتاريخ الذي يجتمع فيه المجلس، وأخذ الزعماء بهذا الرأي واجتمع البرلمان في فندق الكونتيننتال في يوم السبت الثالث من شباط سنة 1925م واتحدت الامة والاحزاب، وعادت الحياة النيابية إلى البلاد وانتفع الجميع بفضل هذا الرأي.
وإذا ما تقدم خصوم العقيدة الثابتة باموالهم الوفيرة، وهباتهم العظيمة، ووعودهم الخلابة، كي يلعبوا بالعقول ويزعزعوا الايمان، وجدوا من يقظة الضمير المؤمن أكبر مخيب لآمالهم، فإن كنوز الارض لا تعدل شرف الانسان، لان الحياة الشريفة يمكن احتمالها مهما بلغت مرارتها، اما الحياة المجردة من الشرف فإنها لا تساوي قلامة ظفر.
وفاته:
ومن صدق عقيدته وإيمانه أنه كان يستفتح يومه بتلاوة القرآن، ويدعو بدعاء الرسول عليه السلام، وقد استأثرت به المنية سنة 1346هـ و1927 م.