الطريق الإلهي
الطريق الروحي السليم
1 – تمهيد: في البدء خلق الله الإنسان على غير فساد وزرع فيه ملامحه الخاصة فصار على مثال الله، ووضعه في جنة مهيأة لأجله ليحضر ويمشي معه في لقاء مُحبب على مستوى شخصي جداً كعلاقة محبة قوية لها غاية وهي حياة شركة مقدسة غرضها حياة أبدية لا تزول في الحضرة الإلهية المملوءة بهاء ومجد عظيم، لكن بحسد إبليس دخل الموت إلى العالم حينما استمع لهُ الإنسان فحاد عن الطريق المرسوم لهُ من قِبّل الله، فسار في طريق آخر بمنهج غريب مشوش فصار مُتخبطاً يسير من ضلال إلى ضلال، لأن الفساد تغلغل فيه حتى أنه صار أعمى لأن نور الذهن الروحي انطفأ، فتعثر طبيعياً لأنه ضل عن طريق الحق والبرّ وعاش بمنهج غريب يخص الموت الذي تملَّك عليه حتى أنه تأصل فيه وأمسك كل أعضاءه وصار كالإسفنجة امتص منه كل حياة فيه ولم يبقى سوى مرارة وحزن وخوف الموت، حتى أنه فشل تماماً في كل محاولة شخصية منه ليصل لطريق الحق والبرّ لكي يتخلص من حالة التغرب عن الحياة التي كانت تملأهُ، فصار يحكمه تقليد الناس وعاداتهم ومعرفتهم المُظلمة عن الله، لأن حتى الدارس والواعي فيهم والعارف طريق الحق وهو في حالة انعزال عن الله، قد وضع طريق مشوش بمنهج شبه روحي لكنه غير أصيل، فأخرج منهج سيء للغاية، لأنه كالظلال الباهتة التي تخدع الآخرين بسبب أنها تُشابه النور، لكنها ليست النور الحقيقي الذي يُنير كل إنسان بالصدق والحق عملياً.
وبسبب هذا كله ظهر الله الكلمة في ملء الزمان لكي يهدم الموت ويزيل الظلمة وكل آثارها ويُبددها بنوره الخاص، حتى أن كل من يؤمن به ويتبعه ويسير وراءه في الطريق المرسوم من الله، يكون لهُ نور الحياة الحقيقي يملأ كيانه كله من الداخل إلى الخارج حتى انه هو نفسه يشع نفس ذات النور عينه فيظهر أمام الجميع كأنه نور مثل نفس ذات النور الذي أشرق عليه فأناره:
+ كان النور الحقيقي الذي يُنير كل إنسان آتياً إلى العالم (يوحنا 1: 9)
+ ثم كلمهم يسوع أيضاً قائلاً: أنا هو نور العالم، من يتبعني فلا يمشي في الظلمة، بل يكون له نور الحياة (يوحنا 8: 12)
+ أنتم نور العالم، لا يُمكن أن تُخفى مدينة موضوعة على جبل (متى 5: 14)
+ لأنك أنت تُضيء سراجي، الرب إلهي يُنير ظُلمتي (مزمور 18: 28)
+ هو يُعلي النفس ويُنير العينين، يمنح الشفاء والحياة والبركة (سيراخ 34: 20)
+ لا تكون لك بعد الشمس نوراً في النهار، ولا القمر يُنير لك مضيئاً، بل الرب يكون لك نوراً أبدياً وإلهك زينتك (أشعياء 60: 19)
+ ولا يكون ليلٌ هُناك ولا يحتاجون إلى سراج أو نور شمس، لأن الرب الإله يُنير عليهم وهم سيملكون إلى أبد الآبدين (رؤيا 22: 5)
2 – ما قبل السير في الطريق: المسيح الرب قبل أن يدعو أحد للسير في الطريق، فهو يُعلن عن ذاته أولاً، لأنه حتماً وضروري أن يُظهر للنفس من هوَّ لا كمعلومات ومعرفة عقلية بل حقيقة واقعية ملموسة، لأن كيف يسير أحد وراء شخص لا يعرفه ولا يعرف عنه سوى مجرد كلمات منقولة أو معلومات مشهورة، أو قراءات عامة او حتى خاصة، أو حتى دراسات مُفصلة دقيقة درسها عن شخصيته، بل لابد من اللقاء وضرورة إظهار نور وجهه في داخل القلب بشكل شخصي:
+ جاء الرب من سيناء وأشرق لهم من سعير وتلألأ من جبال فاران، وأتى من ربوات القدس وعن يمينه نار شريعة لهم (تثنية 33: 2)
+ نورٌ أشرق في الظلمة للمستقيمين هو حنان ورحيم وصديق (مزمور 112: 4)
+ الشعب السالك في الظلمة أبصر نوراً عظيماً، الجالسون في أرض ظلال الموت أشرق عليهم نور (أشعياء 9: 2)
+ قومي استنيري لأنه قد جاء نورك ومجد الرب أشرق عليكِ (أشعياء 60: 1)
+ لان الله الذي قال أن يُشرق نور من ظلمة، هو الذي أشرق في قلوبنا لإنارة معرفة مجد الله في وجه يسوع المسيح (2كورنثوس 4: 6)
فالمسيح الرب ضروري يشهد لذاته في القلب من الداخل ويُعرِّف نفسه من ناحية واقعية قبل أن ينطق بالدعوة، لكي يعرف الإنسان من هو الذي يدعوه لطريق جديد لم يعرفه من قبل من جهة الواقع العملي لا من جهة المعرفة العقلية فقط: أنا هوَّ الشاهد لنفسي ويشهد لي الآب الذي أرسلني (يوحنا 8: 18)
لذلك لن نعرف شخص الرب يسوع من جهة الإيمان إلا إذا عرفنا من هوَّ على وجه التحديد – حسب إعلانه عن ذاته – وماذا يُعطي على وجه التدقيق، لأنه لا يُعطي شيء غريب عنه أو من خارجه، بل يُعطي ذاته، فكل من لا يعرفه على مستواه الإلهي ويعترف اعتراف الإيمان الحسن، سيفلت حتماً من معرفته الحقيقية على مستوى لمسه من جهة كلمة الحياة فيموت في خطاياه: [ فقلت لكم أنكم تموتون في خطاياكم، لأنكم أن لم تؤمنوا إني أنا هوَّ تموتون في خطاياكم ] (يوحنا 8: 24)
ولماذا الموت في الخطية في تلك الساعة، لأن الرب قال:
+ انا هو الخبز الحي الذي نزل من السماء، أن أكل أحد من هذا الخبز يحيا إلى الأبد، والخبز الذي أنا أُعطي هو جسدي الذي أبذله من أجل حياة العالم (يوحنا 6: 51)
+ أنا هو القيامة والحياة، من آمن بي ولو مات فسيحيا (يوحنا 11: 25)
+ أنا هو الألف والياء، البداية والنهاية، يقول الرب الكائن والذي كان والذي يأتي، القادر على كل شيء (رؤيا 1: فأن كنت أنا لا أؤمن ولا التصق بمسيح النور وغذاء الحياة الأبدية، كيف أنجو من الموت الأبدي وأنا في انفصال تام عن الحياة والبر والنور المجيد، لأن في تلك الساعة وانا منعزل عن حياة الله، فأنا متغرِّب طبيعياً عن الطريق الصحيح مهما ما حييت بمنهج ذات شكل أعمال صالحة تُشابه نفس ذات الأعمال الصحيحة حسب إعلان الإنجيل، ومهما ما جاهدت جهاد شكله حسن جداً وقانوني، لكن في الواقع العملي المُعاش أنا منفصل داخلياً ومتغرب عن حياة الله وخارج عن طريق الحق والبرّ ولا أسير أو أُجاهد قانونياً حسب قصد الله المُعلن في الإنجيل وبصوت الروح القدس في القلب من الداخل، وبالتالي سأكون مشوشاً ومضطرباً في النهاية، وهذا هو سر كآبة البعض ومللهم من الاستمرار في الطريق الروحي، لأنه سالك بمنهج بعيد كل البُعد عن المنهج الإلهي الأصيل، لأنه لازال تائهاً عن الطريق يحيا باستنتاجه الخاص وتأملاته الشخصية الناتجة من نشاط عقلة أو من كثرة المعلومات التي قرأها أو سمعها والتي قد تكون صحيحة 100% لكنها بدون واقع اختباري في حياته الشخصية على مستوى الذي سمع ولمس الرب من جهة كلمة الحياة فنال قوة شفاء مع تغيير وتجديد لنفسه مستمر:
[ ونحن جميعاً ناظرين مجد الرب بوجه مكشوف كما في مرآة نتغير إلى تلك الصورة عينها من مجد إلى مجد كما من الرب الروح ] (2كورنثوس 3: 18)