الجلدكي (....-1342م )
هو عز الدين أيدمر علي الجلدكي وينسب إلى قرية جلدك من قرى خرسان (إيران) قرب مدينة مشهد. وهو من علماء القرن الثامن الهجري (والرابع عشر ميلادي)، من العلماء المشهورين في الكيمياء وكان يحب نشر العلم، لذا نجد أن بيته مفتوح لطلاب العلم وصدره واسع لمن يستفتيه بمسألة تتعلق بعلم الكيمياء أو بأي فرع من فروع المعرفة. أشتهر بسعة إطلاعه لأنه لم يترك كتاباً في حقل الكيمياء إلا درسه وعلق عليه.
استنتج من كل دراساته وأبحاثه أن المواد الكيميائية لا تتفاعل مع بعضها البعض إلا بأوزان معينة. ومما لا يقبل الجدل أن هذه الفكرة هي بحد ذاتها أساس ابتكار قانون النسب الثابتة في الاتحاد الكيماوي الذي ادعى ابتكاره جوزيف براوست وقد جاء بعد الجلدكي بخمسة قرون.
أعطى الجلدكي وصفاً مفصلاً لطريقة الوقاية والاحتياطات اللازمة من خطر استنشاق الغازات الناتجة عن التفاعلات الكيميائية، فهو بذلك أول من فكر في ابتكار واستخدام الكمامات في معامل الكيمياء، كما درس القلويات والحمضيات وخواص الزئبق. وتطرق لصناعة الصابون وأهميته في التنظيف وكان أول من فصل الذهب عن الفضة.
وقد وصف الجلدكي بالتفصيل الأنواع المختلفة للتقطير، وشرح طريقة التقطير التي تسـتعمل حاليـا مثـل أوراق الترشـيح والتقطير تحت الحمام المائي والتقطير المزدوج. وفـي وصفـه للمـواد الكيميائية لا يترك خاصية للمادة إلا ذكرها وأوضحها، بل إنه يعتـبر أول عـالم تمكـن مـن معرفة أن كل مادة يتولد منها بالاحتراق ألوان خاصة. واسـتنتج مـن دراسـته المكثفة أن المواد الكيمياوية لا تتفاعل مع بعضها إلا بأوزان معينة، فوضع بذلك أساس قانون النسب الثابتة في الاتحاد الكيماوي.
وتطـرق الجـلدكي أيضـا إلـى دراسـة خواص الزئبق معتقدا أن هذا المعدن هو أصل جميع الأحجار. كما درس خواص المعادن المكونة في الطبيعة وله أقوال في خواص معدن الرصاص.
ولـم تقتصـر بحوث الجلدكي على علم الكيمياء فحسب ، وإنما تطرقت إلى معارف شـتى فبحـث فـي الميكانيكـا وعلـم الصـوت والتمـوج المائي والهوائي. وكان في دراسـته للظواهر الطبيعية معتمدا على ما قرأه عن أساتذته ابن الهيثم ، و الطوسي ، و الشـيرازي وغـيرهم. كمـا اشـتغل بعلمي الطب والصيدلة وله في هذين العلمين نتاج جيد.
تـرك الجلدكي عدداً كبيراً من المؤلفات معظمها في الكيمياء من أشهرها كتاب التقـريب في أسرار تركيب الكيمياء، وهو موسوعة علمية تضمنت الكثير من المبـادئ والنظريـات والبحوث الكيميائية، واحتوى على وصف للعمليات المستخدمة فيهـا كـالتقطير والتصعيد والتكليس، وفيـه اقتباسـات عديـدة مـن جـابر بـن حيـان. وكتـاب كـنز الاختصـاص ودرة الغـواص في معرفة الخواص، وهو في قسمين، قسم في الحيوان وقسـم ثـان فـي الجمـاد.
وكتاب المصباح في أسرار علم المفتاح، وكتاب نتائج الفكر في علم (أو أحوال) الحجر (حجر الفلاسفة)، وكتاب بغية الخبير في قانون طلب الإكسير، وكتاب البدر المنير في أسرار الإكسير، وكتاب البرهان في أسرار علم الميزان، وكتاب غاية الشذور (شرح شذور الذهب في الإكسير لأبي الحسن علي بن موسى الحكيم الأندلسي المتوفي سنة 593هـ)، وكتاب نهاية الطلب (شرح المكتسب في صناعة الذهب لأبي القاسم العراقي.(
يقول عنه أحمد شوكت الشطي في كتابه مجموعة أبحاث عن تاريخ العلوم الطبيعة في الحضارة الإسلامية: «إن الجلدكى من العلماء المشهورين في علم الكيمياء ليس فقط بين علماء الغرب والمسلمين ولكن بين علماء الكيمياء بوجه عام».
ويقول عنه أ. ج. هولميارد في كتابه صانعو الكيمياء: «إن الجلدكي الذى قضى جزءا من حياته في القاهرة يعتبر بحق من العلماء الذين لهم دور عظيم في علم الكيمياء. واهتم الجلدكي اهتماما بالغا بقراءة ما كتب عن علم الكيمياء، فاتخذ من قراءاته وتحليله طريقة لبناء مسلك علمي في علم الكيمياء، وهذا ما يسمى بآداب علم الكيمياء العربية والإسلامية، وقام الجلدكى بتجارب علمية في حقل الكيمياء، وإن كان معظم عمله تحليليا، إلا أنه من العلماء الذين يدين لهم علماء العصر الحديث بالكثير».