•• أيقونة السينما المصرية.. بطلة لكل الأدوار
بداية انطلاق نجومية شادية جاءت على يد المخرج أحمد بدرخان، والذى كان يبحث عن وجوه جديدة، وتقدمت هى للمسابقة، وأدت وغنت ونالت إعجاب كل من كان فى استوديو مصر، إلا هذا المشروع توقف ولم يكتمل، ولكن فى هذا الوقت قامت بدور صغير فى فيلم أزهار وأشواك، ورشحها بعد ذلك أحمد بدرخان لحلمى رفلة لتقوم بدور البطولة أمام الفنان محمد فوزى فى أول فيلم من إنتاجه، وأول فيلم من بطولتها، وأول فيلم من إخراج حلمى رفلة العقل فى إجازة، وحقق الفيلم نجاحا كبيرا جعل محمد فوزى يستعين بها بعد ذلك فى عدة أفلام كمها «الروح والجسد»، و«الزوجة السابعة»، و«صاحبة الملاليم»، و«بنات حواء».
حققت أفلام شادية نجاحات كبيرة وإيرادات عالية للمنتج أنور وجدى فى أفلامها «ليلة العيد» عام 1949، و«ليلة الحنة» عام 1951، وتوالت النجاحات فى أدوارها الخفيفة، وثنائياتها مع كمال الشناوى التى حققت إيرادات كبيرة للمنتجين وعلى حد تعبير كمال الشناوى نفسه عندما قال: «إيرادات بنت عمارات وجابت أراضى»، ومنها أفلامها «حمامة السلام» عام 1947، و«عدل السماء» و«الروح والجسد»، و«ساعة لقلبك» عام 1948، و«ظلمونى الناس» عام 1950.
ظلت شادية نجمة الشباك الأولى لمدة تزيد على ربع قرن، كما يؤكد الكاتب سعد الدين توفيق فى كتابه تاريخ السينما العربية، واستمرت نجاحاتها فى الخمسينيات من القرن العشرين، مع ثنائيات كونتها مع عماد حمدى وكمال الشناوى بأفلام «أشكى لمين» عام 1951، و«أقوى من الحب» عام 1954 و«ارحم حبى» عام 1959.
جاءت فرصة العمر كما تقول فى فيلم المرأة المجهولة مع المخرج محمود ذو الفقار بعام 1959، وهو من الأدوار التى أثبتت قدرتها العالية على تجسيد جميع الأدوار ولك يكن عمرها فى هذا القوت قد تجاوز الـ25 بعد.
أما النقلة الأخرى فى حياتها فكانت من خلال أفلامها مع «صلاح ذو الفقار»، والتى أخرجت معه طاقاتها الكوميدية، ومنها فيلم «مراتى مدير عام» 1966 و«كرامة زوجتى» 1967، و«عفريت مراتى» 1968، وقدما أيضا فيلم «أغلى من حياتى» فى عام 1965، وهو أحد روائع الفنان صلاح ذو الفقار الرومانسية، كما قدما من خلاله شخصيتى «أحمد ومنى» كأشهر عاشقين فى السينما المصرية، كانت قد سبقت هذه الأفلام بفيلم يعد من أفضل أفلامها وكانت بداية انطلاقتها بالدراما وهى لم تزل بعمر الورود مع فيلم «أنا الحب» 1954، وتوالت روائعها التى حفرت تاريخا لها وللسينما المصرية أيضا من خلال روايات الكاتب نجيب محفوظ بفيلم «اللص والكلاب»، و«زقاق المدق»، و«الطريق»، وفى عام 1969 قدمت «ميرامار»، و«شىء من الخوف»، وفيلم «نحن لا نزرع الشوك» عام 1970، وتوالت أعمالها فى السبعينات والثمانينات من القرن العشرين إلى أن ختمت مسيرتها الفنية بفيلم «لا تسألنى من أنا» مع الفنانة مديحة يسرى عام 1984.
يذكر أن الأديب نجيب محفوظ قال عنها قبل إن تصبح بطلة مجموعة من أفلامه أن شادية هى فتاة الاحلام لأى شاب، وهى نموذج للنجمة الدلوعة خفيفة الظل، وليست قريبه من بطلات أو شخصيات رواياته، خاصة أنه تعامل معها عند كتابته لسيناريو فيلم «الهاربة»، ولكن كانت المفاجأة له عندما قدمت دور «نور» فى فيلم «اللص والكلاب» للمخرج كمال الشيخ والذى جسدت فيه دور فتاة الليل تساعد اللص الهارب سعيد مهران، وبعدها تغيرت فكرة الأديب نجيب محفوظ وتأكد بأنها ممثله بارعة تستطيع أن تؤدى أى دور وأى شخصيه وليست فقط الفتاة الدلوعة.
اعتزلت شادية عندما أكملت عامها الخمسين، وعندما قررت الاعتزال وارتداء الحجاب أعلنت هذا بكلمات صادقة نابعة من تصميم وإرادة منقطعة النظير وقالت: «لأننى فى عز مجدى أفكر فى الاعتزال لا أريد أن أنتظر حتى تهجرنى الأضواء بعد أن تنحسر عنى رويدا رويدا، لا أحب أن أقوم بدور الأمهات العجائز فى الأفلام فى المستقبل بعد أن تعود الناس أن يرونى فى دور البطلة الشابة، لا أحب أن يرى الناس التجاعيد فى وجهى ويقارنون بين صورة الشابة، التى عرفوها والعجوز التى سوف يشاهدونها، أريد أن يظل الناس محتفظين بأجمل صورة لى عندهم، ولهذا فلن أنتظر حتى تعتزلنى الأضواء، وإنما سوف أهجرها فى الوقت المناسب قبل أن تهتز صورتى فى خيال الناس».
كرست الفنانة شادية حياتها بعد الاعتزال لرعاية الأطفال الأيتام خاصة أنها لم ترزق بأطفال، وكانت شغوفة لأن تكون أما أو تسمع كلمة «ماما».
•• «أحمد» و«منى» قصة حب حقيقية خلف الكاميرا
رغم زواج شادية وطلاقها أكثر من مرة فإن قصة زواجها من الفنان صلاح ذو الفقار تعد من حكايات الحب الشهيرة فى الأوساط الفنية المصرية، وكان أول لقاء جمع بينهما فى عام 1957 مع فيلم «عيون سهرانة»، وكانت شادية آنذاك زوجة للفنان عماد حمدى، والذى كان أول أزواجها، وربما يكون عماد حمدى قد لمح خلال هذا الفيلم بحاسة الزوج ما يقلقه ويوتر علاقته بشادية، لا سيما أنه كان شديد الغيرة، خاصة فى الأيام الأخيرة من حياتهما الزوجية التى انتهت فى مايو من العام ذاته، ووفقا لما نشره الكاتب المصرى محمد سعيد، والذى أرخ لشادية سينمائيا عبر كتابه «أشهر مئة فى الغناء العربى»، فإن علاقة الحب بين شادية وصلاح ذوالفقار لم تشتهر ولم تعرف للناس إلا عندما قدما معا فيلم «أغلى من حياتى» عام 1965، وهو الفيلم الذى شهد اللقاء الثانى بينهما، وأخذت قصته عن قصة فيلم «الشارع الخلفى» لجون جافن وسوزان هيوارد، وهو فيلم شديد الرومانسية يروى قصة شاب وفتاة تحول الظروف دون زواجهما، وبعد سنين طويلة يلتقيان ولم يكن حبها مات بفعل الزمن، فيتزوجها سرا، ويسكنها الشارع الخلفى، ويدوم الحال سنين طويلة، ولا يكشف السر إلا ابنه الأكبر لحظة وفاة أبيه.
وتم تصوير المشاهد الخارجية للفيلم فى مدينة مرسى مطروح، على شاطئ البحر وتحت الأشجار فى جزيرة النباتات، حيث النهر والخضرة والزهور والجو الساحر الخلاب، ما شجع، على أن تتحول مشاهد الغرام الملتهبة بين بطلى الفيلم إلى حقيقة، وفعلا كان صلاح ذوالفقار فى الحياة هو ذلك الأب الذى وقع فى حب جديد لم يجد له علاجا سوى الزواج، لتصبح قصة الحب بين «أحمد ومنى» بطلا الفيلم قصة حقيقية خلف الكاميرا.
تزوجت شادية من صلاح ذو الفقار مرتين حسبما أورده سعيد فى كتابه، ففى نوفمبر 1967، وبعد قصة حب دامت شهورا مع فيلم «أغلى من حياتى» تزوجا وعاشا حياة سعيدة جدا، لكن شادية شعرت مرة أخرى بالحنين للإنجاب، وحملت بالفعل للمرة الثالثة، ومكثت فى البيت قرابة الخمسة أشهر لا تتحرك حتى يثبت حملها، لكن القدر كان قال كلمته، وفقدت الجنين، وأثر هذا بشكل سيئ على نفسيتها، وبالتالى على حياتها الزوجية فوقع الطلاق بينهما بعد أقل من عام فى أغسطس 1969.
وكان حلم الإنجاب، هو أحد الأسباب التى أرقت حياة شادية، وحرمتها من أن تهنأ بالسعادة، وكانت دائما نقطة خلاف بينها وبين أزواجها، فحينما تزوجت من عماد حمدى، كان الاتفاق بينهما على تأخير الإنجاب عدة أعوام، لكن رغبتها الجارفة فى تحقيق هذا الحلم دفعتها إلى مخالفة الاتفاق، وحملت بالفعل، ولكن هذا الحمل لم يكتمل، وأكد لها الأطباء خطورة الحمل على صحتها، وأن جسمها الضعيف النحيل لا يقوى على احتمال الإنجاب، لكنها تمسكت بالإنجاب، وكان ذلك سببا آخر للخلاف مع عماد حمدى، والطلاق فيما بعد.
وفى زيجتها الثانية من المهندس عزيز فتحى حملت شادية، وسقط جنينها أيضا، ما دفعهما لتكذيب نبأ الحمل الذى كانت الصحف نشرته يوم 16 أكتوبر من عام 1958، ثم كان الحمل الثالث من صلاح ذوالفقار، وفقدت الجنين أيضا فى شهره الرابع.
وبعد أن وقع الطلاق بين شادية وصلاح ذوالفقار سعى بعض المقربين منهما إلى إعادة المياه إلى مجاريها بينهما، بعد أن عز عليهم أن تنتهى قصة الحب ـ والتى كانت مضرب الأمثال فى الوسط الفنى فى ذلك الوقت ـ بتلك النهاية، وتتحطم على صخرة خلافات بسيطة مبعثها سوء الحالة النفسية والإحباط الذى عانت منه شادية، بعد أن فقدت حلمها فى الإنجاب مرارا، ونجحت محاولات الوساطة فى إعادة الزوجين مرة أخرى فى سبتمبر من عام 1969، ومضت سفينة الحب تحملها من جديد فى بحر الهوى الذى ربط بين قلبيهما، لكن ها هى السفينة تتحطم من جديد على صخرة الخلافات، ويتم الطلاق النهائى بين فى منتصف عام 1973.
وأثمر هذا الارتباط بين شادية وصلاح ذوالفقار عن عدد من الأفلام الناجحة التى قاما ببطولتها، واشتركا معا فى بطولة أفلام مثل «مراتى مدير عام» 1966 و«كرامة زوجتى» 1967، و«عفريت مراتى» 1968، وجميعها من إخراج فطين عبدالوهاب، كما أنتج لها صلاح ذوالفقار فيلم «شىء من الخوف» الذى يعد من روائع السينما المصرية، ولكن دون أن يشارك فى بطولته.
بعد الطلاق الثانى بين شادية وصلاح ذوالفقار، قررت ألا تكرر تجربة الزواج مرة أخرى، وأن تعيش لتربية أبناء اخوتها، الذين ملأوا عليها حياتها، وكانت ترى فيهم التعويض المناسب عن حلمها المفقود فى أن تصبح أما.
وقد قامت شادية بتربية «خالد» و«ناهد» ابنى شقيقها الراحل «طاهر»، الذى كان أقرب أشقائها إليها.
•• قالوا عنها:
• سيدة الغناء العربى كوكب الشرق أم كلثوم: «شادية صاحبة صوت جميل، سليم، متسق النسب والأبعاد، مشرق، لطيف الأداء يتميز بشحنة عالية من الأحاسيس، وبصوتها فيض سخى من الحنان، وشادية واحدة من أحب الأصوات إلى نفسى».
• العندليب الأسمر عبدالحليم حافظ: «شادية هى المطربة المفضلة لدى، غناء وتمثيلا من بين كل الفنانات».
• وعن شادية الممثلة قال أديب مصر العالمى نجيب محفوظ: «شادية ممثلة عالية القدرة واستطاعت ان تعطى سطورى فى رواياتى لحم ودما وشكلا مميزا لا أجد ما يفوقه فى نقل الصورة من البنيان الأدبى إلى الشكل السينمائى».
• وقالت عنها الفنانة مريم فخر الدين: «ان كانت للسينما المصرية سيدة فهى شادية التى مثلت وغنت بنفس القدر من التألق».