ابحث عن العرب
فى أزماتنا المتلاحقة، عادةً ما كنا نبحث عن الغرب بصفة عامة، وعن الولايات المتحدة فى معظم الأحيان، نظرية المؤامرة دائماً وأبدا هى التى تخيّم على توجهاتنا الفكرية، وقد كنا دائماً محقين فى ذلك. الاحتلال الغربى لبلادنا لم يترك لنا مجالاً آخر للتفكير، سايكس بيكو كذلك، وعد بلفور، دعم دولة الاحتلال منذ إنشائها، مساعدتها فى امتلاك سلاح نووى، الدور الأمريكى فى حرب العراق وإيران، لقاء السفيرة جلاسبى بالراحل صدام حسين، إيران جيت، فى الغزو العراقى للكويت، فى تدمير العراق، فى تقسيمه، فى نهب ثرواته، فى إخضاع دول الخليج، فى السيطرة على مدخراتهم، فى الهيمنة على استثماراتهم، فى اللعب بالورقة العراقية فى السابق، ثم بالإيرانية حاليا، حُمى شراء السلاح لسبب ودون سبب، الأمر أشبه بالإتاوات، البلطجة فى صور أنيقة، وقد تكون فى أبشع صورها.
ما الذى تغير فى أوراق اللعبة، مع الأزمة السورية تحديدا، بدا أن بعض العرب بدأوا يشتهون لعبة البلطجة، لنمارسها نحن، لم يدرك هؤلاء أن أى لعبة لها قواعدها التى قد لا تتناسب مع واقعنا العربى، البلطجية فى كل حارة تربطهم علاقات قوية أحيانا، واتصالات سرية فى معظم الأحيان، شاهدنا ذلك فى حرافيش نجيب محفوظ، تجمعهم علاقات نسب ومصاهرة، وتربيطات دعم وتعاون على الشر، ما بالنا بعالم الأقوياء، نحن لا نتحدث عن عالم المافيا الدولية مثلا، أو عن شبكات تجارة السلاح، نتحدث عن عالم الاسكود، والباتريوت، والإف ١٧، والإس ٤٠٠، والقنابل الذكية، وحاملات الطائرات، والغواصات، والنووى، وحرب النجوم ، نتحدث عن التنصت على الرؤساء، والحسابات السرية لأسرهم وعائلاتهم، وحياتهم الخاصة، أو السرية أيضا.
ما هو موقع العرب من كل هذه المنظومة، ما هو موقع الصعاليك بصفة عامة، حتى فى أى زقاق من أزقة روايات الأديب الراحل، لن يجد العرب موقعا يؤويهم، بكل بساطة قرروا الاشتغال بالبلطجة، وأى بلطجة، على بعضهم البعض، قتلوا أهاليهم، شردوا ذويهم، رملوا نساءهم، يتموا أطفالهم، فجروا بيوتهم، اغتصاب، سبايا، بيع فى سوق الجوارى، فى سوق النخاسة أحيانا، هذه هى الحقيقة، وهذا كل ما يستطيع أن يفعله العرب، يدعمون المرتزقة بالمال والسلاح لتدمير البيت العربى، والطفل العربى، والشارع العربى، اعتقادا منهم أن النيران فى وطن آخر، يُدعى سوريا، أو قد يُسمى العراق، هى إذن ببعيد، هم لا يفقهون، النيران تمتد شيئا فشيئا، لا يدركون أنها فى الطريق إليهم، إلى أوطانهم، التى هى بحكم هيمنة الأجنبى عليها لا تُعد أبدا من قبيل الأوطان، إلا أنه الوهم.
الآن، ومنذ أن ظهر على الساحة، ما يسمى الربيع العربى، فقد أصحاب المال العربى عقولهم، منذ ذلك التاريخ ابحث عنهم خلف كل مقذوف قتل بريئا، خلف كل دولار كان ثمنا لقذيفة، خلف كل ريال كان أجرا لمرتزق، خلف كل دينار لفتاة بيعت فى سوق السبايا، خلف كل درهم رشوة لمسؤول من هنا، أو لرئيس دولة من هناك، هؤلاء هم العرب، وهذا هو قدرهم الحقيقى، أو هكذا قدّرهم البلطجية الأوائل، أو المحترفون من قادة الدول الكبرى، من هنا جاء التفويض، فوضناكم نيابة عنا فى تدمير العالم العربى، فى قتل الأجيال الصاعدة.
آخر الإحصائيات الرسمية أيها السادة، تتحدث عن أحد عشر مليون لاجئ سورى، من بينهم أربعة ملايين فى دول الجوار، تركيا، والعراق، والأردن، ولبنان، الملايين السبعة الأخرى مشتتون بين بقية دول العالم، الأرقام تتحدث عن ٢٥٠ ألف قتيل، معظمهم تحت ركام القصف، الباقون غرقاً خلال الهرب عن طريق البحر، أو عطشاً أو جوعاً، أو حتى إعياءً ومرضاً، الأرقام تتحدث عن فشل الأمم المتحدة فى جمع الأموال اللازمة للإنفاق على اللاجئين بمخيمات الدول المشار إليها.
السؤال هو: ما هو المراد لسوريا أكثر من ذلك، الدمار فى كل مكان، المدن فى معظمها أشباح، الاقتصاد تحت الصفر، القوى العسكرية تهاوت بعد أن كانت فخرا لكل العرب، المخطط الأجنبى فى السابق كان يستهدف الدمار لإعادة الإعمار، هكذا فعل فى العراق، وهكذا فعل فى الكويت، ومن قبل فى لبنان، أما المخطط العربى فيبدو أنه بلا هدف، الدمار للدمار، القتل لمجرد القتل، كم من هذه الفئة وكم من تلك، لعن الله الطائفية ومن ساعد عليها، والتشدد ومن سعى إلى دعمه، والتطرف ومن عمل على نشره، جميعها من فِعْل الأنظمة وليست المنظمات، اعتقدوا أنهم بذلك سوف يكونون فى مأمن، سوف يتحايلون على غضب الشعوب.
لم نعد إذن نبحث عن الغرب ولا حتى الأمريكان خلف أزماتنا، فورا أصبح البحث عن المال العربى، عن الخيانة العربية، عن مجموعة من الصِبية يعملون بمسميات القادة، قد يكون لحساب أنفسهم مباشرة، خوفا من ربيع، أو رعبا من خريف، وقد يكون لحساب آخرين، بمعنى آخر عملاء، هم فى كل الأحوال كذلك (يُخربون بيوتهم بأيديهم وأيدى المؤمنين فاعتبروا يا أولى الأبصار)، الحقيقة المؤكدة هى أن الخوف سوف يظل يتملكهم، الرعب سوف يظل يطاردهم، دماء أطفال سوريا والعراق سوف تقض مضاجعهم، أصوات النساء كذلك، المشردون فى مخيمات اللاجئين أيضا.
الأهم من ذلك أن خريفهم قادم لا محالة، هو من فِعل البلطجية الكبار كما كانت تجرى العادة دائماً، لن يكون ربيعا أبدا، خرائط المستقبل تم رسمها منذ زمن طويل، هُم يدركون ذلك أكثر من غيرهم، شعوبهم سوف يكونون أول المصفقين، لذا كان كل هذا الهلع.
عبدالناصر سلامة