علم النفس العصبي للتوحد
وقد تم اقتراح فئتين رئيسيتين من النظريات المعرفية لدراسة الروابط بين الأدمغة المصابة بالتوحد والسلوكيات.
وتركز الفئة الأولى على العجز في الإدراك الاجتماعي. وتفترض نظرية سيمون بارون كوهين عن عقل الأنثى الاعتطافي وعقل الذكر التنظيمي، أن الأفراد المصابين بالتوحد يمكنهم تحقيق التنظيمية، وهذا يعني أنهم يستطيعون تطوير لوائح الأنظمة الداخلية لمعالجة الأحداث داخل المخ، ولكن ذلك يكون أقل فعالية في حالة التعاطف الناتج عن التعامل مع أحداث فعلها الآخرون. وامتدادًا لذلك، تفترض نظرية تطرف دماغ الذكور، أن التوحد هو حالة متطرفة في دماغ الذكور، ويعرف من خلال القياسات النفسية بأنه حالة يكون فيها التنظيم أفضل من التعاطف.[94] وترتبط هذه النظريات إلى حد ما بنظرية بارون كوهين السابقة عن العقل، والتي تفترض أن السلوك التوحدي ينشأ عن عدم القدرة على وصف الحالات الذهنية للنفس وللآخرين. وتدعم فرضية نظرية العقل عن طريق استجابات الأطفال المصابين غير النمطية لاختبار التفكير في دوافع الآخرين، الذي قامت سالي آن بإجرائه،[94] ومن خلال نظام مرآة الخلايا العصبية للتوحد، التي تم وصفها في الخرائط الفيزيولوجية بشكل جيد ومناسب للفرضية.[83] ومع ذلك، لم تجد معظم الدراسات دليلًا على ضعف قدرة الأفراد المصابين بالتوحد على فهم نوايا الآخرين أو أهدافهم الأساسية؛ وبدلًا من ذلك، تشير البيانات إلى أن الإعاقات توجد في فهم العواطف الاجتماعية الأكثر تعقيدًا أو في النظر إلى آراء الآخرين[95].
وتركز الفئة الثانية على المعالجة الاجتماعية أو المعالجة العامة: الوظائف التنفيذية مثل عمل الذاكرة، التخطيط، والتثبيط. وصرح كنوورثي في استعراضه بأن" ادعاء اختلال الوظائف التنفيذية باعتباره عاملًا مسببًا لمرض التوحد، هو أمر مير للجدل"، ولكن" من الواضح أن اختلال الوظائف التنفيذية له دور في العجز الاجتماعي والمعرفي الملحوظ في حالات المصابين بالتوحد." [96] وتشير الاختبارات الخاصة بالوظائف التنفيذية الأساسية مثل مهام حركة العين، إلى وجود تحسن يبدأ في وقت متأخر من مرحلة الطفولة إلى مرحلة المراهقة، ولكن الأداء لا يصل أبدًا إلى المستويات التقليدية التي يصل إليها البالغين.[97] وتتوقع إحدى نقاط النظرية الهامة إلى وجود سلوك نمطي واهتمامات ضيقة؛[98] وهناك نقطتان ضعف لهذه النظرية هما أن الوظيفة التنفيذية يصعب قياسها[96]، وأن العز في الوظيفة التنفيذية لم يتواجد في حالة الأطفال الصغار المصابين بالتوحد[32].
وتفترض نظرية ضعف التماسك المركزي، وجود قدرة محدودة على رؤية الصورة الكبيرة، ويكمن ذلك وراء الاضطراب المركزي في التوحد. وتتوقع إحدى النقاط القوية في هذه النظرية وجود مواهب خاصة وذروات في أداء المصابين بالتوحد[32]. وتركز نظرية ذات صلة وهي نظرية تعزيز الإدراك الحسي_ بشكل كبير على تفوق الإدراك الحسي الموجه جزئيًا في حالة الأشخاص المصابين.[99] وتتضح هذه النظريات جيدًا من خلال نظرية ضعف الاستجابة.
ولا توجد فئة مرضية بمفردها: وتعالج نظريات الإدراك المعرفي سلوكيات المصابين بالتوحد الجامدة والمتكررة بشكل سيء، بينما تواجه النظريات غير الاجتماعية صعوبة في شرح الضعف الاجتماعي وصعوبات في التواصل.[53] وجنبًا إلى جنب، تقوم إحدى النظريات على أساس حالات العجز المتعددة وقد يثبت أنها أكثر فائدة[100].
التشخيص[عدل]
يستند التشخيص إلى السلوك، لا السبب أو الآلية.[27][101] ويعرف التوحد في الدليل التشخيصي والإحصائي للاضطرابات العقلية DSM-IV-TR بأنه حالة ظهور ستة أعراض على الأقل، من بينهم اثنين من أعراض الضعف النوعي في التفاعل الاجتماعي، وواحد على الأقل من أعراض السلوك المقيد والمتكرر. ويشمل نموذج الأعراض على نقص في التبادل الاجتماعي والعاطفي، استخدام نمطي ومتكرر للغة أو لغة التفاعل، وانشغال مستمر بأجزاء من الكائنات. ويجب أن تكون بداية ذلك قبل سن ثلاث سنوات، وأداء متأخر أو شاذ إما في التفاعل الاجتماعي واللغة المستخدمة في التواصل الاجتماعي، أو في اللعب الرمزي أو التخيلي. ولا يجب أن يمثل الاضطراب متلازمة ريت أو اضطراب الطفولة الإحلالي.[5] ويستخدم التنقيح العاشر من التصنيف الدولي للأمراض التعريف نفسه[23].
وتتوافر العديد من أدوات التشخيص. ويستخدم اثنان منها بشكل شائع في أبحاث مرض التوحد: مقابلة تشخيص التوحد المنقحة (ADI-R)، وهي مقابلة شبه منظمة يتم إجراؤها مع الوالدين، ويستخدم جدول مراقبة تشخيص التوحد(ADOS) المشاهدة والتفاعل مع الطفل. ويستخدم مقياس تقييم توحد الطفولة (CARS) على نطاق واسع في البيئات السريرية لتقييم شدة التوحد على أساس الملاحظة[29].
ويقوم طبيب الأطفال عادة بإجراء تحقيق أولي عن طريق تاريخ النمو والفحص الجسدي للطفل. وإذا ما اقتضى الأمر، يتم إجراء التشخيص والتقييمات بمساعدة متخصصي التوحد، والمراقبة والتقييم المعرفي، والتواصل، والأسرة، وعوامل أخرى باستخدم أدوات موحدة، والأخذ بعين الاعتبار أي ظروف طبية مرتبطة بذلك. ويطلب عادة من الطبيب النفسي العصبي للأطفال تقييم السلوك والمهارات المعرفية، وذلك للمساعدة في التشخيص والتوصية بالتدخلات التعليمية. وقد ينظر التشخيص التفريقي للتوحد أيضًا إلى الإعاقة الفكرية، وضعف السمع[102]، وضعف صيغة محددة.[103] مثل متلازمة لانداو كليفنر. ويمكن أن يسبب التوحد صوبة في تشخيص الاضطرابات النفسية التي توجد معه مثل الاكتئاب[104].
وغالبًا ما تتم عمليات تقييم الجينات الإكلينيكية،عند تشخيص التوحد، وبخاصة عندما تشير أعراض أخرى بالفعل إلى سبب وراثي.[105] وعلى الرغم من أن التكنولوجيا الوراثية تسمح لعلماء الجينات بربط ما يقدر ب 40% من الحالات بأسباب وراثية،[106] فإن مبادىء الإجماع التوجيهية في الولايات المتحدة والأمم المتحدة تقتصر على اختبار الكروموسوم عالي الاستبانة وكروموسوم X الهش. وقد تم اقتراح نموذج الجين النمطي الأول للتشخيص، والذي من شأنه إجراء تقييم روتيني للتغيرات التي تحدث في عدد نسخ الجينوم.[107] كما يتم تطوير اختبارات جينية جديدة وستظهر قضايا أخلاقية وقانونية واجتماعية عديدة. وقد يسبق التوافر التجاري للاختبارات الفهم الكاف لكيفية استخدام نتائجها، نظرًا لتعقيد جينات التوحد.[108] وتعتبر اختبارات الأيض وتصوير الأعصاب مفيدة في بعض الأحيان ولكنها ليست ورتينية[105].
ويمكن تشخيص التوحد في بعض الأحيان في عمر 14 شهرًا على الرغم من أن التشخيص يصبح مستقرًا على نحو متزايد خلال السنوات الثلاث الأولى: على سبيل المثال، يقل احتمال قيام الطفل البالغ من العمر عامًا ويصدر ما يطابق معايير تشخيص التوحد، الاستمرا في فعل ذلك بعد عدة سنوات، وذلك مقارنة بالطفل الذي يتم تشخيصه في عمر 3 سنوات.[109] وفي المملكة المتحدة توصي الجمعية الوطنية للطفل التوحدي بضرورة مرور 30 أسبوعًا على ظهور أول الأعراض لتشخيص الطفل وإنهاء التقييم، على الرغم من أن بعض الحالات يتم التعامل معها بسرعة في مجال الممارسة العلمية. ووجدت دراسة أجريت في الولايات المتحدة ام 2009 أن متوسط سن التشخيص الرسمي للتوحد هو 5-7 سنوات، وكان ذلك أعلى بكثير من التوصيات، وأن 27% من الأطفال يبقون دون تشخيص حتى بلوغ 8 سنوات.[110] وعلى الرغم من ظهور أعراض التوحد وطيف التوحد باكرًا في الطفولة، فإنها قد تغيب في بعض الأحيان؛ بعد سنوات قد يلتمس البالغون التشخيص لمساعدة أنفسهم أو مساعدة أصدقائهم وعائلاتهم، أو لمساعدة أصحاب العمل على إجراء تعديلات، أو في بعض المواقع للمطالبة ببدلات عجز المعيشة أو منافع أخرى.
ويعتبر إخفاق التشخيص أو المبالغة فيه مشكلة في حالات هامشية. ومن المرجح أن يرجع سبب وجزء كبير من الزيادة الأخيرة في عدد حالات التوحد التي تم الإبلاغ عنها إلى التغيرات في الممارسات التشخيصية. وقد أدت خيارات تعاطي المخدرات المتصاعدة الشعبية،وتوسيع فوائدها، إلى وجود حوافز للمساعدة لى تشخيص التوحد، مما أدى إلى المبالغة في تشخيص حالات الأطفال الذين يعانون من أعراض غير مؤكدة. وعلى العكس، فإن تكلفة الفحص والتشخيص، والتحدي المتمثل في الحصول على المبلغ المطلوب لإجراء ذلك، يمكن أن تمنع أو تؤخر التشخيص.[111] ولا سيما أنه من الصعب تشخيص التوحد بين المعاقين بصريًا، ويرجع ذلك جزئيًا إلى أن بعض معايير تشخيص التوحد تعتمد على الرؤية، وأيضًا بسبب تداخل أعراض التوحد مع أعراض متلازمات العمى المعروفة[112].