من رواية "أرجوك اعتن بأمي"
لطالما أعجبت بالثقافة الكورية، فهي تعتبر من الدول التي تتصدر المراتب الأولى من حيث العلم والمناهج العلمية، وربما ما زاد من شعبية هذه البلاد المسلسلات والموسيقى الكورية التي اجتاحت العالم العربي، لذا و بدافع الفضول أردت أن أقرأ من آدابهم و ما يكتبون، وبعد بحث بسيط على الأنترنت وجدت كتابا عنوانه 'أرجوك اعتني بأمي' مترجم باللغة العربية و هو للكاتبة شين كيونغ سوك، فانتابني الفضول حوله و قررت قراءته.
تدور أحداث القصة حول شيخين يسكنان إحدى القرى الكورية، قررا الاحتفال بعيد ميلادهما مع أبنائهم الذين كانوا يسكنون في العاصمة سيؤول، وكان لزاما عليهما تبديل القطار في محطة ما للوصول إلى وجهتهما الأخيرة، و عند النزول في محطة التبديل التي كانت تعج بالناس، تقدم الشيخ و من وراءه زوجه، ولكم لشدة الزحمة لم يتمكن سوى الشيخ من ركوب القطار مخلفا زوجته وحيدة في محطة التبديل، و عند وصوله إلى أبناءه أخبرهم أنه ضيع والدتهم و هنا بدأت فصول الحكاية، حكاية البحث عن الأم المفقودة و التي لم يتوقع أي شخص فقدانها و قاموا بنشر صورها في الجرائد و كتابات إعلانات البحث ...
وأثناء البحث يبدأ كل شخص بتذكرها، وكيف كانت ترضي كل شخص من عائلتها، كل حسب ذوقه، كانت لا تمل و لا تكل، وتذكروا كيف كانوا يعاملونها، ويخطؤون في حقها رغم ذلك هي لم تعاتب أحدا و كانت دائما فخورة بهم...
في الحقيقة ورغم أن أسلوب الكاتبة كان مختلفا قليلا عن نوع الروايات التي أقرأها في العادة، إلا أنها بطريقة ما تركت أثرها في نفسي و جعلتني أتساؤل، ماهي الأم حقيقة بالنسبة لنا؟
نحن فقط اعتدنا أن تساعدنا، أن تدعمنا، أن تهتم لحزننا و فرحنا، أن تقوم بتمريضنا إن نحن مرضنا، وكل ما تريده هو أن ترانا سعداء حتى و لو كان ذلك على حساب سعادتها و صحتها، فإن مرضت و سألنا عن حالها، قالت أنها بخير و أنها لا تريد أن تتعبنا أو تشق علينا... حقا إن الأم عظيمة!!
في كثير من الأحيان، نشاهد الكثير من الأزواج يتشاجرون ولكن الأم دائما تصبر وتسامح حتى وإن تمت خيانتها، لما يا ترى؟ أو ليست بإنسان أيضا؟ ألا تملك قلبا؟ بل لأن قلبها أوسع من جسدها المنهك تصبر، فإن سألتها لما تقومين بذلك؟ تقول من أجل أبنائي... وهذا ما حصل مع الشيخ الذي اعتاد التجول والترحال في شبابه، ثم قامت أخته بتزويجها و لم يكن يعرف زوجته حتى يوم عرسهما، فلم يكن يحسن إليها بل و أنه في مرحلة ما من زواجهما قام بخيانتها و لكنها صبرت و لم تعاتبه بل عند عودته أحسنت إليه و عندما كبر ومرض كانت تقوم بالعناية به رغم مرضها الذي لم ينتبه له حتى .... لم يقل لها كلمة طيبة أبدا و إن مشيا معا، كان يتقدم و يتركها تمشي خلفه وحيدة ورغم ذلك لم تتذمر أبدا... وعندما فقدها، بدأت تلك الذكريات تمر على خاطره مثل سيف يقطع فؤاده، أدرك أخيرا قيمتها و أدرك كم يفتقدها و يفتقد نشاطها و حيويتها و يفتقد وجودها إلى جانبه، وبطريقة ما أحس أنه هو السبب في ضياعها، فلو لم يتقدمها، لو أنه أمسك بيدها لما ضاعت، و كل ما كان يرجوه أن تعود فيعوضها على ما فات و لكن هيهات هيهات هل ينفع الندم بعد فوات الأوان؟؟!...
لقد فتحت هذه الرواية عيني على تساؤل مهم هو أن هذه الأم ألم يكن لها حلم، حلم غير أولادها غير زوجها، حلم لها وحدها يجعلها تشعر بالرضا عن نفسها، حلم تعمل من أجله و ينسيها تعب يومها و يمسح عنها النوم في ليلها، حلم يحقق ذاتها، فإن كان هنالك مثل هذا الحلم، لما تتخل عنه من اجل العائلة رغم أنها لن تنال التقدير الذي تستحقه مقابل تضحياتها من أجل عائلتها التي في كثير من الأحيان لن تعرف قيمتها الحقيقية... لما يا ترى؟ أهي الغريزة؟!
رغم انها رواية من التراث الكوري، إلا أنها تحكي حكاية كل أم في كل أصقاع العالم، الأم التي لا نعطيها قدرها حتى نفقدها، المرأة التي ينظر إليها المجتمع على أن ما تفعله في سبيل عائلتها و تضحياتها ما هي إلا واجباتها المشروعة و مع ذلك هذه الأم لا تطلب المقابل، كل ما تريده هو سعادة أبنائها...
وفي الأخير أود ان ألخص الرواية في جملة قصيرة فحواها، نحن في الحقيقة لا نعرف عن أمهاتنا سوى القليل و إن عشنا معهن الدهر، كما أننا لا نعرف قيمة الشيء حتى نفقده، لذا لنتدارك الأمر قبل فوات الأوان... و ندعوا الله و نقول: "أرجوك اعتن بأمي !!"
ملاحظة: لمن يهمه الأمر، يمكن تحميل الرواية من هنا,