علا بنت الشاطىء
هلا بك اخى اختى فى منتدى علا بنت الشاطىء نتمنى لكم قضاء وقت ممتع معنا وتحميل موفق للجميع الاداره
لو تريد تكون عضو ادخل وسجل ادناه لو كنت عضو ادخل دخول ادناه
علا بنت الشاطىء
هلا بك اخى اختى فى منتدى علا بنت الشاطىء نتمنى لكم قضاء وقت ممتع معنا وتحميل موفق للجميع الاداره
لو تريد تكون عضو ادخل وسجل ادناه لو كنت عضو ادخل دخول ادناه
علا بنت الشاطىء
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

علا بنت الشاطىء

منتدى شامل
 
الرئيسيةالبوابة*أحدث الصورالتسجيلدخول
دخول
اسم العضو:
كلمة السر:
ادخلني بشكل آلي عند زيارتي مرة اخرى: 
:: لقد نسيت كلمة السر
المواضيع الأخيرة
» ( مقدمة الديوان )
 "اللاهوت المسيحي والإنسان المعاصر"  - صفحة 4 Icon_minitimeالخميس 29 نوفمبر 2018, 2:24 pm من طرف عيد تايب يوسف

» ( الخروج من الجَنّة ) قصيدة بالعامية المصرية
 "اللاهوت المسيحي والإنسان المعاصر"  - صفحة 4 Icon_minitimeالخميس 29 نوفمبر 2018, 2:17 pm من طرف عيد تايب يوسف

» ( أبواب الشمس ) قصيدة بالعامية المصرية
 "اللاهوت المسيحي والإنسان المعاصر"  - صفحة 4 Icon_minitimeالخميس 29 نوفمبر 2018, 2:03 pm من طرف عيد تايب يوسف

» ( كرَكيب ) قصيدة بالعامية المصرية
 "اللاهوت المسيحي والإنسان المعاصر"  - صفحة 4 Icon_minitimeالخميس 29 نوفمبر 2018, 1:50 pm من طرف عيد تايب يوسف

» ( أُمنيّة التمثال ) قصيدة بالعامية المصرية
 "اللاهوت المسيحي والإنسان المعاصر"  - صفحة 4 Icon_minitimeالخميس 29 نوفمبر 2018, 1:40 pm من طرف عيد تايب يوسف

» ( المقياس ) قصيدة بالعامية المصرية
 "اللاهوت المسيحي والإنسان المعاصر"  - صفحة 4 Icon_minitimeالخميس 29 نوفمبر 2018, 1:27 pm من طرف عيد تايب يوسف

» ( كارت شَحن ) قصيدة بالعامية المصرية
 "اللاهوت المسيحي والإنسان المعاصر"  - صفحة 4 Icon_minitimeالخميس 29 نوفمبر 2018, 1:16 pm من طرف عيد تايب يوسف

» ( لِعْبَه صَعْبَه ) قصيدة بالعامية المصرية
 "اللاهوت المسيحي والإنسان المعاصر"  - صفحة 4 Icon_minitimeالخميس 29 نوفمبر 2018, 1:01 pm من طرف عيد تايب يوسف

» ( الحالة ) قصيدة بالعامية المصرية
 "اللاهوت المسيحي والإنسان المعاصر"  - صفحة 4 Icon_minitimeالخميس 29 نوفمبر 2018, 6:57 am من طرف عيد تايب يوسف

» ( حكايةفاشل ) قصيدة بالعامية المصرية
 "اللاهوت المسيحي والإنسان المعاصر"  - صفحة 4 Icon_minitimeالخميس 29 نوفمبر 2018, 6:38 am من طرف عيد تايب يوسف

أفضل 10 أعضاء في هذا المنتدى
علا المصرى
 "اللاهوت المسيحي والإنسان المعاصر"  - صفحة 4 I_vote_rcap "اللاهوت المسيحي والإنسان المعاصر"  - صفحة 4 I_voting_bar "اللاهوت المسيحي والإنسان المعاصر"  - صفحة 4 I_vote_lcap 
امين
 "اللاهوت المسيحي والإنسان المعاصر"  - صفحة 4 I_vote_rcap "اللاهوت المسيحي والإنسان المعاصر"  - صفحة 4 I_voting_bar "اللاهوت المسيحي والإنسان المعاصر"  - صفحة 4 I_vote_lcap 
كيان انثى
 "اللاهوت المسيحي والإنسان المعاصر"  - صفحة 4 I_vote_rcap "اللاهوت المسيحي والإنسان المعاصر"  - صفحة 4 I_voting_bar "اللاهوت المسيحي والإنسان المعاصر"  - صفحة 4 I_vote_lcap 
الهام المصرى
 "اللاهوت المسيحي والإنسان المعاصر"  - صفحة 4 I_vote_rcap "اللاهوت المسيحي والإنسان المعاصر"  - صفحة 4 I_voting_bar "اللاهوت المسيحي والإنسان المعاصر"  - صفحة 4 I_vote_lcap 
شريف كمال
 "اللاهوت المسيحي والإنسان المعاصر"  - صفحة 4 I_vote_rcap "اللاهوت المسيحي والإنسان المعاصر"  - صفحة 4 I_voting_bar "اللاهوت المسيحي والإنسان المعاصر"  - صفحة 4 I_vote_lcap 
هتروق وتحلى
 "اللاهوت المسيحي والإنسان المعاصر"  - صفحة 4 I_vote_rcap "اللاهوت المسيحي والإنسان المعاصر"  - صفحة 4 I_voting_bar "اللاهوت المسيحي والإنسان المعاصر"  - صفحة 4 I_vote_lcap 
آســــــــــــر
 "اللاهوت المسيحي والإنسان المعاصر"  - صفحة 4 I_vote_rcap "اللاهوت المسيحي والإنسان المعاصر"  - صفحة 4 I_voting_bar "اللاهوت المسيحي والإنسان المعاصر"  - صفحة 4 I_vote_lcap 
عصام بكار
 "اللاهوت المسيحي والإنسان المعاصر"  - صفحة 4 I_vote_rcap "اللاهوت المسيحي والإنسان المعاصر"  - صفحة 4 I_voting_bar "اللاهوت المسيحي والإنسان المعاصر"  - صفحة 4 I_vote_lcap 
شاعر الرومانسية
 "اللاهوت المسيحي والإنسان المعاصر"  - صفحة 4 I_vote_rcap "اللاهوت المسيحي والإنسان المعاصر"  - صفحة 4 I_voting_bar "اللاهوت المسيحي والإنسان المعاصر"  - صفحة 4 I_vote_lcap 
شهد الملكة
 "اللاهوت المسيحي والإنسان المعاصر"  - صفحة 4 I_vote_rcap "اللاهوت المسيحي والإنسان المعاصر"  - صفحة 4 I_voting_bar "اللاهوت المسيحي والإنسان المعاصر"  - صفحة 4 I_vote_lcap 
سحابة الكلمات الدلالية
بحـث
 
 

نتائج البحث
 
Rechercher بحث متقدم
المواضيع الأكثر نشاطاً
قصة (( في الحلال ))
<<< قصة رجولة استاذ >>>
ميراث خطر - ستيفاني هوارد - رواية ميراث خطر كاملة
القرآن الكريم (كتابة)
1200 - المستبد - عبير دار النحاس ( كاملة )
أسماء الله الحسنى
"اللاهوت المسيحي والإنسان المعاصر"
++++ موضوع متكامل لكل طقوس كنيستنا القبطية ++++ ادخل واستمتع
رواية جزيرة الأقدار -مارجري هيلتون -روايات عبير القديمة ( كاملة)
رواية عنيد - آن ميثر - روايات عبير القديمة (كاملة) _عنيد
أفضل 10 أعضاء في هذا الأسبوع
لا يوجد مستخدم
أفضل 10 أعضاء في هذا الشهر
لا يوجد مستخدم

 

  "اللاهوت المسيحي والإنسان المعاصر"

اذهب الى الأسفل 
3 مشترك
انتقل الى الصفحة : الصفحة السابقة  1, 2, 3, 4, 5  الصفحة التالية
كاتب الموضوعرسالة
علا المصرى
الـمـؤ سس
الـمـؤ سس
علا المصرى


عدد المساهمات : 22760
نقاط : 30252
السٌّمعَة : 2
تاريخ التسجيل : 15/12/2013

 "اللاهوت المسيحي والإنسان المعاصر"  - صفحة 4 Empty
مُساهمةموضوع: رد: "اللاهوت المسيحي والإنسان المعاصر"     "اللاهوت المسيحي والإنسان المعاصر"  - صفحة 4 Icon_minitimeالأحد 10 أغسطس 2014, 4:30 pm

القسم الثاني: النعمة في العهد الجديد
============

لقد قيل مراراً إن إله العهد
القديم هو إله الغضب والعدل، بينما إله العهد الجديد هو إله المحبة. رأينا
في القسم الأوّل خطأ تلك النظرة. فالعهد القديم هو بمجمله تاريخ محبّة
الله لشعبه محبّة رحيمة أمينة ثابتة، وإن رافقت تلك المحبة مظاهر غضب الله
وعدله في المحن والمصائب التي رأى فيها الشعب جزاء من الله على خيانته.
أمّا ما يميّز العهد الجديد عن العهد القديم فهو تجسيد محبة الله في شخص
ابنه يسوع المسيح، ودعوة كل إنسانا ابناً لله في المسيح.
وهذه البنوّة لله هي محور مفهوم النعمة في العهد الجديد.
أولاً- الأناجيل الإزائيّة
1- موقف الله من الإنسان
رأينا
أن العهد القديم يتكلّم عن أبوّة الله تجاه شعبه، ولكن في مقاطع متفرّقة
وفي معظم الأحيان بطريقة تشمل الشعب بمجمله. أمّا العهد الجديد فيؤكّد
العلاقة الشخصيّة بين الله وكل واحد من أبنائه. فالعناية الإلهية تسهر على
كل إنسان لتقوته كما تقوت طيور السماء، وتلبسه كما تلبس زنابق الحقل (متى
6: 26- 30)، وتغفر له كما يغفر الأب لابنه الشاطر الذي يعود إليه تائباً
(لو 15).
وهذه البنوّة هي عطيّة مجانية منن قبل الله، ويرى فيها
الإزائيّون الناحية الشخصية والداخلية للملكوت. فالذين يقبلون عطية الله
ويصيرون أبناءه يدخلون الملكوت ويدعون "أبناء الملكوت"، وعليهم أن يحيوا
حياة أبناء الله.
الملكوت عطية من الله: "لا تخف أيها القطيعِ الصغير،
لأنه قد حسن لدى أبيكم أن يعطيكم الملكوت" (لو 12: 32، أنظر أيضا مثل
العملة المرسلين إلى الكرم: متى 20: 1- 16 ومثل المدعوين إلى العرس: متى
22: 1- 10).
والملكوت مدعوّ إلى أن يجمع ليس فقط أبناء الشعب اليهوديّ
الذين كانوا يعتبرون أنفسهم أبناء الملكوت، بل أيضاً جميع الشعوب: "إن
كثيرين سيأتون من المشرق والمغرب، ويتّكئون مع إبراهيم وإسحق ويعقوب في
ملكوت السماوات، أمّا أبناء الملكوت فيلقون في الظلمة الخارجيّة" (متى 8:
10- 12). يبدأ الملكوت صغيراً مثل حبّة الخردل تم يصبح شجرة... (متى 13:
31- 32؛ أنظر أيضاً سائر أمثلة الملكوت في متى 13).
إن دعوة الناس
لأن يصيروا أبناء الله تتحقّق بواسطة يسوع المسيح ابن الله: "لقد دفع إليّ
أبي كل شيء. وليس أحد يعرف الابن إلاّ الآب، ولا أحد يعرف الآب إلاّ الابن
ومن يريد الابن أن يكشفه له" (متى 11: 27).
2- موقف الإنسان
يستطيع
الإنسان أن يرفض ملكوت الله: "الحق أقول لكم، إن العشارين والبغايا
يسبقونكم إلى ملكوت الله. فإن يوحنا قد جاءكم من طريق البرّ، فلم تؤمنوا
به، أمّا العشارون والبغايا فقد آمنوا به..." (متى 21: 31- 32، أنظر أيضاً
21: 43؛ 22: 2- 8؛ 23: 13).
فمنذ بدء كرازته راح يسوع يبشّر بالتوبة والإيمان: "لقد تمّ الزمان واقترب ملكوت الله. فتوبوا وآمنوا بالإنجيل" (مر 1: 15).
والتوبة تثمر بالأعمال الصالحة "أثمروا ثمر توبة لائقاً" (متى 3: .
فمن قبل دعوة يسوع عليه أن يعيش حسب الشريعة الجديدة التي جاءنا بها،
والتي يوجزها في التطويبات (متى 5: 10- 12)، ثم يتوسّع فيها في مقارنة بين
الناموسين العتيق والجديد (متى 5- 7)، مشيراً إلى أن هذه الأعمال هي أعمال
أبناء الله، وأنها تنتج عن العلاقة الجديدة بين الله والإنسان: "لكي
تكونوا أبناء أبيكم الذي في السماوات" (5: 45)، "كونوا كاملين كما أن
أباكم السماويّ هو كامل" (5: 48) "صلِّ إلى أبيك الذي في الخفية" (6: 6).
إن
تشديد يسوع على أعمال البرّ يقابله من ناحية أخرى موقفه المليء بالرحمة من
الخطأة. فإن اسمه يعني "الله- يخلّص". ومسامحة الخطايا والتحرير منها هي
أهم ما جاء لأجله يسوع:
"إني لم آت لأدعو صدّيقين بل خطأة إلى التوبة"
(لو 5: 32). ونراه يغفر الخطايا بالقدرة الإلهية التي فيه، فيقول للمخلّع:
"لتطب نفسك، يا ابني، مغفورة لك خطاياك" (متى 9: 2)، وللمرأة الخاطئة:
"مغفورة خطاياكِ... إيمانكِ خلّصكِ، اذهبي بسلام" (لو 7: 48- 50)، ولزكّا
العشّار: "اليوم حصل الخلاص لهذا البيت... لأن ابن البشر قد جاء ليطلب ما
قد هلك ويخلّصه" (لو 19: 9- 10)، وللصّ التائب: "اليوم تكون معي في
الفردوس" (لو 23: 43).
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://olaa-elmasry.yoo7.com
علا المصرى
الـمـؤ سس
الـمـؤ سس
علا المصرى


عدد المساهمات : 22760
نقاط : 30252
السٌّمعَة : 2
تاريخ التسجيل : 15/12/2013

 "اللاهوت المسيحي والإنسان المعاصر"  - صفحة 4 Empty
مُساهمةموضوع: رد: "اللاهوت المسيحي والإنسان المعاصر"     "اللاهوت المسيحي والإنسان المعاصر"  - صفحة 4 Icon_minitimeالأحد 10 أغسطس 2014, 4:33 pm

لذلك فالمهمّ، في نظر يسوع، ليس أن يكون الإنسان منزّهاً عن الخطيئة،
بل أن يعترف ويطلب المغفرة سبيلاً إلى الارتداد وتغيير القلب كالعشّار
الذي عاد إلى بيته مبرّراً دون الفريسيّ (لو 18: 9- 14).
وفي مختلف
الحالات، فان تبرير الإنسان لا ينتج عن أعماله الصالحة، كما كان يظنّ
الفريسيون، بل هو عطية مجّانيّة من الله الذي يسكب محبّته ورحمته في قلب
من يعترف بخطيئته وينفتح له.

ثانيًا- أعمال الرسل

إنّ لوقا هو كاتب
سفر أعمال الرسل كتكملة لإنجيله. إلاّ أنه في الإنجيل يبتدئ من الجليل حيث
بدأ يسوع رسالته، ثم ينتقل إلى اليهوديّة لينتهي بأورشلبم. أمّا في أعمال
الرسل، فيبتدئ من أورشليم، ثم يروي امتداد الكنيسة إلى اليهوديّة، ثم إلى
السامرة إلى أقاصي الأرض (أع 1: .
وامتداد
الكنيسة هذا هو عمل الروح القدس: "إنكم ستنالون قوّة بحلول الروح القدس
عليكم، فتكونون لي شهوداً في أورشليم وفي جميع اليهوديّة والسامرة، وإلى
أقاصي الأرض" (1: . لذلك دعي سفر أعمال الرسل "إنجيل الروح القدس". كيف يرى لوقا علاقة الله بالإنسان، وعمل الروح فيه؟
1-
التوبة: يشدّد لوقا في أعمال الرسل، كما في إنجيله، على ضرورة التوبة لنيل
موهبة الروح القدس: فبطرس يطلب من اليهود في خطابه الأوّل يوم العنصرة أن
"يتوبوا ويعتدوا باسم يسوع لمغفرة الخطايا، فينالوا موهبة الروح القدس...
وبأقوال أخرى كثيرة كان يناشدهم ويحثّهم قائلاً: تخلّصوا من هذا الجيل
المعوجّ" (2: 38- 40). وبولس، من بعد الرؤيا، راح يكرز جميع الناس من يهود
وأمم "بأن يتوبوا ويرجعوا إلى الله بمزاولة أعمال تليق بالتوبة" (26: 20،
أنظر أيضاً 17: 30).
2- الإيمان: إلى جانب التوبة يتحدّث لوقا عن ضرورة
الإيمان بالربّ يسوع (8: 36- 37؛ 20: 21)، "لأن كل من يؤمن باسمه ينال
باسمه مغفرة الخطايا" (10: 43).
3- قوة الله ونعمة كلمته: إنّ الله هو
الذي يعطي الإنسان التوبة والإيمان. فيسوع هو الذي "يعطي إسرائيل التوبة
ومغفرة الخطايا" (5: 31)، و "الله هو الذي يعطي التوبة للأمم" (11: 28).
4-
الخلاص ومغفرة الخطايا هما ثمر التوبة "كلّ من يدعو باسم الرب يخلص" (نبؤة
يوئيل: أع 2: 21)، ويحصل على "السلام مع الله بيسوع المسيح" (10: 36؛ راجع
13: 26، 38-39؛ 8: 22؛ 26: 18).
5- موهمة الروح القدس: يرى لوقا في
الروح القوّة الإلهية التي يرسلها يسوع الممجّد إلى تلاميذه. فبه يعمّدون:
"إن يوحنا قد عمّد بالماء، أمّا أنتم فستعمَّدون بالروح القدس" (1: 5).
وموهبة الروح القدس هي العلامة الحقيقيّة لإرادة الله في خلاص الأمم (10:
47؛ 11: 16-18)؛ وحلول الروح القدس على كرنيليوس في قيصريّة يدعى عادة
"عنصرة الأمم" (10: 44- 46) بعد عنصرة اليهود (2: 1- 13).
والمعمودية هي التي تمنح الروح (2: 38)، أمّا معموديّة يوحنا قد تمنح إلّ مغفرة الخطايا (تلاميذ افسس 19: 1- 6).
6- لفظة النعمة  في إنجيل لوقا وأول الرسل
إنّ لوقا هو الإنجيلي الوحيد من بين الإزاثيّين الذي يستعمل لفظة  وتعني في الإنجيل وفي أعمال الرسل:
-
أما الحظوة عند الله كما في العهد القديم (لو 1: 30: "لا تخافي يا مريم،
فلقد نلت حظوة عند الله"، 2: 52: "أمّا يسوع فكان ينمو في الحكمة والقامة
والنعمة أمام الله والناس").
- وتعني أيضاً، وهذا جديد بالنسبة إلى
العهد القديم! الذي يمنحه الله بواسطة التبشير بالإنجيل. فنشاهد العبارات
التالية: "كلام النعمة" (لوقا 4: 22)، "كلمة نعمة الله" (أع 20: 32؛ 14:
3)، "انجيل نعمة الله" (أع 20: 24).
- هذه النعمة هي أيضاً، وهذا
المعنى مرتبط بالمعنى السابق، القوة التي يمنحها الله للتبشيبر.. بالإنجيل
(14: 26: "استُودعا نعمة الله للعمل الذي أكملاه"؛ راجع أيضاً 15: 40).
وأخيراً
في 15: 11، يربط لوقا بين النعمة والمسيح وهذا التعبير سنجده مراراً عند
بولس الرسل: "حال كوننا بنعمة الرب يسوع نؤمن أن نخلص نحن، مثل أولئك
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://olaa-elmasry.yoo7.com
علا المصرى
الـمـؤ سس
الـمـؤ سس
علا المصرى


عدد المساهمات : 22760
نقاط : 30252
السٌّمعَة : 2
تاريخ التسجيل : 15/12/2013

 "اللاهوت المسيحي والإنسان المعاصر"  - صفحة 4 Empty
مُساهمةموضوع: رد: "اللاهوت المسيحي والإنسان المعاصر"     "اللاهوت المسيحي والإنسان المعاصر"  - صفحة 4 Icon_minitimeالأحد 10 أغسطس 2014, 4:35 pm

ثالثاً- النعمة في رسائل بولس الرسول
==========

إنّ بولس الرسول قد توسّع في
موضوع النعمة، ولا سيّمَا بمناسبة خلافه مع اليهود المتنصّرين، الذين
كانوا يريدون أن يتقيّد المسيحيون بأعمال الناموس الموسويّ، من ختانة
وامتناع عن بعض المآكل وما سوى ذلك، معتبرين أن الإيمان بالمسيح لا يكفي
للخلاص. لا بدّ من قراءة الفصلين الأوّلين من رسالة القديس بولس إلى
الغلاطيّين لإدراك البلبلة التي أحدثتها في الكنائس آراء اولئك اليهود
المتنصّرين. أمّا بولس فيؤكّد في هذه الرسالة وفي رسالته إلى الرومانيين
أنّ "الإنسان لا يبرّر بأعمال الناموس، بل بالإيمان بيسوع المسيح" (غلا 2:
16).
أ) حالة الإنسان من دون النعمة:
لا فرق بين اليهود والأمم، "فالجميع قد خطئوا وأعوزهم مجد الله" (رو 3: 23):
الجميع
قد خطئوا: لوضح بولس في رسالته إلى الرومانيين حالة الإنسان بعيداً عن
نعمة المسيحٍ. فالأمم (رو 1: 18- 32) واليهود (رو 2: 17- 29) جميعهم قد
خطئوا (راجع أيضا 3: 9- 1.
والخطيئة، التي ترجع لفظتها  63
مرة في الرسالة إلى الروممانيين، يرى فيها بولس قوة كونيّة يُستعبَد لها
الإنسان (رو 6: 14- 20؛ 7: 14، 17، 20)، وتعمل فيه كل شهوة (رو 7: .
والإنسان العائش تحت سلطان الخطيئة يدعوه بولس "الإنسان الجسديّ"، الذي
يسيطر فيه الجسد على الروح (رو 8: 5- 13)، والذي يرفض أيّ ارتباط بالله،
ليكون هو إلهاً لنفسه.
ثم يتساءل بولس: "من ينقذنا من جسد الموت هذا؟"
(رو 7: 24). فالناموس يوضح لنا ما يجب عمله، ولكنه لا يستطيع أن يمنحنا
القوة على ذلك. المسيح وحده يمكنه أن يحرّرنا من الخطيئة (رو 7: 25؛ 8: 1-
4).
فأعوزهم مجد الله: قلنا في كلامنا عن قداسة الله ومجده في العهد
القديم، إن الله يتقدّس ويتمجد في بر الإنسان وصلاحه. أما الخطيئة فتمنع
ظهور مجد الله، إذ "تعوق إظهار الحقّ" (رو 1: 18 "الذين يعوقون الحق
بالظلم"). لذلك "يعتلن غضب الله من السماء على كل كفر وظلم" (راجع أيضاً
2: 5). أمّا مجد الله فيظهر في "آنية الرحمة التي أعدّها من قَبْل للمجد،
أي فينا نحن الذين قد دعاهم، لا من اليهود فقط، بل من الأم أيضاً" (رو 9:
23).
النعمة علاقة حوار الله. أمّا الخطيئة فتمنع هذا الحوار، وتترك
الإنسان في أنانيّته واعتداده بنفسه. أمّا عبارة "غضب الله" فليست سوى
تعبير بشريّ للعقاب الذي تحمله الخطيئة في ذاتها: من يبتعد عن الله وينغلق
على ذاته يعِشْ في الظلمة ويعمل أعمال الظلمة، لذلك لا ينتج عن أعماله
إلاّ الشرّ. أمّا الله فيصبر ويطيل أناته على الإنسان (رو 2: 4؛ 3: 25-
26؛ 9: 22).
ب) الحياة الجديدة في المسيح
1- يبني بولس نظرته في
الحياة المسيحية على المقارنة بين الإنسان العتيق والإنسان فالإنسان
العتيق هو كل إنسان يخضع لعبودية الخطيئة. والخطيئة تسود العالم منذ
الإنسان الأول، الذي يدعوه بولس مع سفر التكوين "آدم"، وهي لفظة عبريّة
تعني "الإنسان". أمّا الحياة الجدية فقد أتتنا بيسوع المسيح، الذي هو "آدم
الجديد"، أي "الإنسان الجديد".
"فكما أنها بإنسان واحد دخلت الخطيئة
إلى العالم، وبالخطيئة الموت... فلئن كان بزلّة واحد قد لكثيرون، فكم
بالأحرى نعمة الله وموهبته قد وفرتا للكثيرين بنعمة الإنسان الواحد، يسوع
المسيح... فلئن كان الموت بزلّة واحد قد ملك بهذا الواحد، فكم بالأحرى
الذين ينالون وفور النعمة وموهبة البرّ، سيملكون في الحياة بواحد، هو يسوع
المسيح. فإذن كما أنه بزلّة واحدة كان القضاء على جميع الناس، كذلك ببرّ
واحد، يكون لجميع الناس تبرير الحياة. لأنه كما جعل الكثيرون خطأة بمعصية
كذلك بطاعة واحد يجعل الكثيرون أبراراً. لقد دخل الناموس حتى تكثر الزلّة،
ولكن حيث كثرت الخطيئة طفحت النعمة، حتى إنه، كما أنّ الخطيئة ملكت للموت،
كذلك النعمة تملك بالبرّ للحياة الأبدية، بيسوع المسيح ربنا" (رو 5: 12-
21).
إن كلام بولس في ما يدعوه اللاهوت "الخطيئة الأصلية"، أي اتّحاد
جميع الناس في مع آدم ("بإنسان واحد دخلت الخطيئة إلى العالم") لا يهدف
إلاّ إلى إظهار اتّحاد جميع الناس في النعمة مع المسيح. وهذا هو الأمر
المهمّ الذي يريد بولس أن يؤكّده. فلا يتكلم عن شمول الخطيئة إلاّ ليبرز
شمول النعمة.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://olaa-elmasry.yoo7.com
علا المصرى
الـمـؤ سس
الـمـؤ سس
علا المصرى


عدد المساهمات : 22760
نقاط : 30252
السٌّمعَة : 2
تاريخ التسجيل : 15/12/2013

 "اللاهوت المسيحي والإنسان المعاصر"  - صفحة 4 Empty
مُساهمةموضوع: رد: "اللاهوت المسيحي والإنسان المعاصر"     "اللاهوت المسيحي والإنسان المعاصر"  - صفحة 4 Icon_minitimeالأحد 10 أغسطس 2014, 4:37 pm

2- كيف يتمّ اتحاد الإنسان بالمسيح "الإنسان الجديد"؟
إن الله قد
صالحنا مع نفسه بموت المسيح وقيامته، فصرنا، بموت المسيح، خليقة : "إن كان
أحد في المسيح فهو خليقة جديدة، فالقديم قد اضمحل، وكل شيء قد تجدّد.
والكل من الله الذي صالحنا مع نفسه بالمسيح... إن الله هو الذي صالح، في
المسيح، العالم مع نفسه، ولم يحسب عليهم زلاّتهم... إن الذي لم يعرف
الخطيئة جعله خطيئة من أجلنا، لكي نصير نحن به برّ الله" 5: 17- 21).
فالمسيح
"قد مات عن الجميع والجميع أيضاً قد ماتوا معه. وإنه قد مات عن الجميع لكي
لا يحيا لأنفسهم في ما بعد، بل للذي مات وقام لأجلهم" (2 كو 5: 14- 15).
بالمعمودية
يتّحد الإنسان بموت المسيح وقيامه: "إنّا جميع من اعتمدوا للمسيح، قد
اعتمدنا لموته. فلقد دُفنّا إذن معه بالمعموديّة للموت، حتى إنّا، كما
أُقيم المسيح من بين الأموات بمجد كذلك نسلك نحن أيضاً في جدّة الحياة.
لأنّا، إذا كنّا قد صرنا متّحدين معه بشبه موته، نصير أيضاً بشبه قيامته،
عالمين أن إنساننا العتيق قد صُلب معه، لكي يتلاشى جسد الخطيئة، بحيث لا
نُستعبد بعد للخطيئة، لأنّ الذي مات قد محرّر من الخطيئة" (رو 6: 3- 7).
فالنعمة
هي إذاً اشتراك في موت المسيح وقيامته، بحيث يخلع الإنسان عنه "الإنسان
العتيق" ويلبس الإنسان الجديد، أي يتّحد بالمسيح "فيحيا في المسيح" "ويحيا
المسيح فيه". هذا ما يردّده بولس في عبارات مختلفة، مؤكّداً تلك العلاقة
الشخصيّة والجماعيّة التي تربط الإنسان، كائناً فرداً وعضواً في جماعة،
بالمسيح يسوع:
"لست أنا حيا، بل هو المسيح يحيا فيّ" (غلا 2: 20)؛
"أفلا تعرفون أنّ يسوع المسيح فيكم" (2 كو 13: 5)؛
"ليحلّ المسيح بالإيمان في قلوبكم..." (أف 3: 17)؛
"أما
أنتم فلستم في الجسد بل في الروح، إن كان روح الله ساكناً فيكم. من ليس
فيه روح المسيح فهو ليس له. ولكن إن كان المسيح فيكم، فالجسد ميت بسبب
الخطيئة، أمّا الروح فحياة لأجل البرّ" (رو 8: 9- 11).
ويذهب بولس، في
تعبيره عن الاتحاد العميق بين المسيحيّ والمسيح، إلى القول: "إنّكم جميعاً
أبناء الله، بالإيمان بالمسيح يسوع. لأنكم، أنتم جميع الذين اعتمدوا
للمسيح، قد لبستم المسيح. فليس بعد يهوديّ ولا يونانيّ، ليس عبد ولا حرّ
ليس ذكر وأنثى، لأنّكم جميعاً واحد في المسيح يسوع" (غلا 3 26- 28).
ان
"لبس المسيح" الذي يتكلم عنه بولس هنا ليس مجرّد تغيير في سلوك المسيحي.
فبالمعموديّة تنشأ علاقة كيانيّة جديدة بين الإنسان والمسيح. فالمعتمد، إذ
يلبس المسيح، يصير المسيح مبدأ كيانه ويجعل منه ابن الله على مثاله ويشركه
في حياة الله. وجميع المعتمدين يصيرون واحداً في المسيح، لأن حياة المسيح
الواحد تسري فيهم جميعاً.

ج) موهبة الروح القدس
إن الروح القدس هو الذي يشرك المسيحيين في حياة المسيح.
فالله
قد أفاض علينا بوفرةٍ الروحَ القدس، بيسوع المسيح مخلصنا (راجع تي 3: 4-
7)، الروح هو روح التبنّي الذي يعمل فينا ليجعلنا أبناء الله على مثال
الابن: "فإنّا لم نأخذ روح العبوديّة بل روح التبنّي، الذي به نصير ورثة
الله" (راجع رو 8، 14- 18). وهذا الروح يعضد ضعفنا، ويجعلنا مشابهين لصورة
ابن الله، الذي "يصبح هكذا بكراً بين إخوة كثيرين" (راجع رو 8: 26- 29).
والدليل على أننا أبناء الله كون الله أرسل إلى قلوبنا روح ابنه ليصرخ
فيها: "أبّا أيها الآب..." (غلا 4: 4- 7، 19).
وهكذا فالحياة الجديدة
التي يحياها المسيحيّ هي اشتراك في حياة الثالوث الأقدس: "فالبمسيح لنا
كلينا (أي اليهود والأمم) التوصل إلى الآب، بروح واحد" (اف 2: 18). فالروح
يجعلنا أبناء الآب على مثال الابن يسوع وبالاتحاد معه.
يعود بولس
مراراً إلى سكنى الروح في الإنسان: "ان محبّة الله قد أفيضت في قلوبنا
بالروح القدس الذي أعطيناه" (رو 5: 5)، "فالله قد أرسل إلى قلوبنا روح
ابنه" (غلا 4: 6)، "ومنحنا الروح" (غلا 3: 5)، "وأفاضه علينا بوفرة" (تي
3: 6)، والروح يسكن فينا (رو 8: 9)، "إننا هيكل الله وروح الله ساكن فينا"
(1 كو 3: 16؛ 6: 19).
إلا أن موهبة الروح القدس هذه، التي أعطيت لنا،
ليست إلاّ بداية بالنسبة إلى الفداء الأبديّ والمجد السماويّ. فإننا لا
نملك سوى "عربون الروح" (2 كو 1: 22؛ 5: 5)، و"باكورة الروح" (رو 8: 23)،
والروح "هو عربون ميراثنا" (اف 1: 4). وهذا يعني أن الجديدة التي حصلنا
عليها على هذه الأرض هي عربون يمنحنا إياه الله. وهذا العربون هو في آن
معاً ضمانة لنا بأننا سنحصل على المجد الأبديّ، وبدء الحياة في المجد
الأبديّ منذ الآن. فالمجد مرتبط بالنعمة ارتباط الثمرة بالزهرة والنبتة
بالبزرة (رو 5: 1- 4؛ راجع برهان في ذلك في رو 5: 6- 10، 21، 6: 5- 8؛ 8:
17- 22، 29- 30).
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://olaa-elmasry.yoo7.com
علا المصرى
الـمـؤ سس
الـمـؤ سس
علا المصرى


عدد المساهمات : 22760
نقاط : 30252
السٌّمعَة : 2
تاريخ التسجيل : 15/12/2013

 "اللاهوت المسيحي والإنسان المعاصر"  - صفحة 4 Empty
مُساهمةموضوع: رد: "اللاهوت المسيحي والإنسان المعاصر"     "اللاهوت المسيحي والإنسان المعاصر"  - صفحة 4 Icon_minitimeالأحد 10 أغسطس 2014, 4:40 pm

د) النعمة تحرّر من الخطيئة

1- يشدد بولس
على التناقض بين حياة يسوع في الجسد وحياته في المجد من بعد قيامته. لانّ
الكلمة، في التجسد، "لاشى ذاته آخذا صورة عبد" (في 2: 7). وهو "الذي لم
يعرف الخطيئة، جعله الله خطيئة من أجلنا" (2 كو 5: 21). فحياة المسيح على
الأرض هي انحدار إلى عالم الخطيئة لمصارعته. وبطاعته حتى الموت، موت
الصليب، استحقّ أن ينتصر الخطيئة والموت. وهكذا صار يسوع "آدم الآخر روحا
محييا" (1 كو 15: 45).
2- والمسيحي، على مثال يسوع، عليه أن ينتقل من
الإنسان الجسديّ إلى الإنسان حيّ، من الوجود الأرضيّ في جسد الخطيئة إلى
الوجود الروحيّ، بقوة الروح القدس. غير أن هناك فرقاً بين المسيحي
والمسيح. فالمسيح لم يتحرر، بقيامته، من الخطيئة نفسها، لأنه "لم يعمل
الخطيئة"، به من عواقبها التي حملها تضامناً مع ذريّة آدم. أمّا المسيحي
فعليه أن يتحرّر من الخطيئة ذاتها.
وهذا التحرّر لن يحصل دون عراك
وجهاد. لأن في الإنسان مبدأين متناقضين: الجسد والروح "فالجسد يشتهي ضد
الروح، والروح ضد الجسد، وكلاهما يقاوم الآخر، حتى إنكم لا تصنعون ما
تريدون" (غلا 5: 7). والإنسان من طبيعته "جسديّ، مبيع للخطيئة وتحت سلطان
الخطيئة" (رو 7: 14). ويبقى فيه الميل إلى الخطيئة، حتى بعد حصوله على
الخلاص. غير أنه يستطيع التغلّب قي هذا الميل بقوة الروح الساكن فيه "إن
ناموس روح الحياة في المسيح يسوع قد حرّرك من ناموس الخطيئة والموت... إن
كان روح الذي أقام يسوع من بين الأموات ساكناً فيكم، فالذي أقام المسيح
يسوع من بين الأموات يحي أيضاً أجسادكم المائتة، بروحه الساكن فيكم" (رو
8: 2، 11)، "أسلكوا بالروح فلا تقضوا شهوة الجسد... إن كنتم تنقادون
للروح، فلستم بعد تحت الناموس" (غلا 5: 16، 18).
والإنسان الجديد لا
يبنى، ني نظر بولس، إلاّ على أنقاض الإنسان العتيق الذي يجب إماتته (كو 3:
5- 9، اف 4: 20- 24). على هذا المبدإ ترتكز قيمة الإماتة في المسيحيّة.
فالإماتة ليست مجرد أمر سلبيّ، بل هي عراك ضد الإنسان العتيق الذي يحاول
دوماً أن يبعدنا عمّا يبنينا. وهذا العراك هدفه بناء ما فينا من قيم سامية
وتطلعات صالحة، ولا بد من أن يدوم الحياة كلها، حتى نبلغ إلى "ملء قامة
المسيح، إلى الإنسان الكامل".
3- ثم إن النعمة تحرّر المسيحيّ من الناموس. وهذا يعني أمرين متكاملين:
-
زوال الناموس القديم في شرائعه وأنظمته المقيّدة، بحيث إن الأمم واليهود
الذين يريدون أ، يصيروا مسيحيين غير ملتزمين بالخضوع للناموس اليهودي.
-
هذا التحرّر من القوانين القديمة هو في آنٍ معاً تحرر لأجل عمل الخير.
فالمسيحيّ غير مقيّد بأنظمة تُفرض عليه من الخارج، بل يحرّكه الروح لعمل
المحبة. ذلك هو التحرر المسيحيّ، تلك هي حرية أبناء الله: نتحرّر من
الناموس فارس المحبة. وجميع شرائع العهد القديم التي تُنقض في العهد
الجديد، والشرائع الجديدة يطبّق عليها قول بولس: "إن الناموس كلّه يتمّم
في هذه الوصية الواحدة: أحبب قريبك كنفسك" (غلا 5: 14). وهذه المحبة هي
"ثمر الروح" (غلا 5: 22)، إنها موهبة تعمل في صميم الإنسان وتحرّره من
أعمال الجسد (غلا 5: 16- 21).

هـ- البرّ والتبرير
1- إن الآب هو الذي، بموت يسوع وقيامته، قد صالحنا
مع نفسه. وهكذا صار لنا يسوع من الله حكمة وبرّاً وقداسة وفداء" (1كو 1:
30). و"وهو الذي لم يعرف الخطيئة قد جعله الله خطيئة من أجلنا لكي نصير
نحن به برّ الله" (2 كو 5: 21).
فالبرّ إذاً هو الحالة الجديدة التي
يعيشها الإنسان الذي يقبل فداء المسيح. والتبرير هو عمل الله الذي به يزيل
خطيئة الإنسان ويجعل منه إنساناً جديداً بارّاً.
إن هذا الحكم الذي
يصدره الله مبرّراً الإنسان ليس مجرّد حكم خارجيّ يعلن فيه الله أن
الإنسان لم يعد بعد تحت الدينونة، كما كان في حالة الخطيئة. إن النظرة
البروتستنتيّة للتبرير تكتفي بهذا الحكم الخارجي معتبرة أن الإنسان يبقى
خاطئاً، إلاّ أن الله يتغاضى عن خطيئته ويعامله كما لو كان بارّاً. أما
النظرة الكاثوليكيّة فتعتبر أن الإنسان يصير في الواقع بارّاً. لأنه كما
يقول بولس، عندما يقترن بالرب "يكون معه روحاً واحداً... ويصير هيكل الروح
القدس" (1 كو 6: 17، 19). "إن الله قد صالحكم الآن بجسد بشريّة ابنه، إذ
أسلمه للموت، ليظهركم لديه قديسين، بغير عيب ولا مشتكى" (كو 1: 22، راجع
أيضاً اف 2: 5- 6).
2- الإيمان هو الذي يبرّر الإنسان لا أعمال الناموس
إن
التبرير والخلاص يحصل عليهما الإنسان بنعمة مجّانيّة من الله: "إن كان ذلك
بالنعمة، فليس إذاً بالأعمال، وإلاّ فليست النعمة نعمة بعد" (رو 11: 6)
"فإنّ الله لكونه غننيًّا بالرحمة وأحيانا مع المسيح، إذ بالنعمة أنتم
مخلّصون... أنتم إذاً بالنعمة مخلّصون بواسطة الإيمان، وهذا الخلاص ليس هو
منكم بل عطية من الله، وليس هو من الأعمال لكي لا يفتخر أحد" (أف 2: 4- 9).
بالإيمان
يقبل الإنسان فداء الله. هذا ما يعنيه بولس بقوله إن الإيمان هو الذي
يبرّر الإنسان: "البارّ بالإيمان يحيا" (رو 1: 17)، "برّ الله بالإيمان
بيسوع المسيح" (3: 22)؛ "إن اعترفت بفمك أن يسوع هو ربّ، وآمنت في قلبك أن
الله قد أقامه من بين الأموات، فإنك تخلص. لأن الإيمان بالقلب يقود إلى
البر، والاعتراف بالفم إلى الخلاص" (رو 10: 9- 11).
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://olaa-elmasry.yoo7.com
علا المصرى
الـمـؤ سس
الـمـؤ سس
علا المصرى


عدد المساهمات : 22760
نقاط : 30252
السٌّمعَة : 2
تاريخ التسجيل : 15/12/2013

 "اللاهوت المسيحي والإنسان المعاصر"  - صفحة 4 Empty
مُساهمةموضوع: رد: "اللاهوت المسيحي والإنسان المعاصر"     "اللاهوت المسيحي والإنسان المعاصر"  - صفحة 4 Icon_minitimeالأحد 10 أغسطس 2014, 4:42 pm

د) النعمة تحرّر من الخطيئة

1- يشدد بولس
على التناقض بين حياة يسوع في الجسد وحياته في المجد من بعد قيامته. لانّ
الكلمة، في التجسد، "لاشى ذاته آخذا صورة عبد" (في 2: 7). وهو "الذي لم
يعرف الخطيئة، جعله الله خطيئة من أجلنا" (2 كو 5: 21). فحياة المسيح على
الأرض هي انحدار إلى عالم الخطيئة لمصارعته. وبطاعته حتى الموت، موت
الصليب، استحقّ أن ينتصر الخطيئة والموت. وهكذا صار يسوع "آدم الآخر روحا
محييا" (1 كو 15: 45).
2- والمسيحي، على مثال يسوع، عليه أن ينتقل من
الإنسان الجسديّ إلى الإنسان حيّ، من الوجود الأرضيّ في جسد الخطيئة إلى
الوجود الروحيّ، بقوة الروح القدس. غير أن هناك فرقاً بين المسيحي
والمسيح. فالمسيح لم يتحرر، بقيامته، من الخطيئة نفسها، لأنه "لم يعمل
الخطيئة"، به من عواقبها التي حملها تضامناً مع ذريّة آدم. أمّا المسيحي
فعليه أن يتحرّر من الخطيئة ذاتها.
وهذا التحرّر لن يحصل دون عراك
وجهاد. لأن في الإنسان مبدأين متناقضين: الجسد والروح "فالجسد يشتهي ضد
الروح، والروح ضد الجسد، وكلاهما يقاوم الآخر، حتى إنكم لا تصنعون ما
تريدون" (غلا 5: 7). والإنسان من طبيعته "جسديّ، مبيع للخطيئة وتحت سلطان
الخطيئة" (رو 7: 14). ويبقى فيه الميل إلى الخطيئة، حتى بعد حصوله على
الخلاص. غير أنه يستطيع التغلّب قي هذا الميل بقوة الروح الساكن فيه "إن
ناموس روح الحياة في المسيح يسوع قد حرّرك من ناموس الخطيئة والموت... إن
كان روح الذي أقام يسوع من بين الأموات ساكناً فيكم، فالذي أقام المسيح
يسوع من بين الأموات يحي أيضاً أجسادكم المائتة، بروحه الساكن فيكم" (رو
8: 2، 11)، "أسلكوا بالروح فلا تقضوا شهوة الجسد... إن كنتم تنقادون
للروح، فلستم بعد تحت الناموس" (غلا 5: 16، 18).
والإنسان الجديد لا
يبنى، ني نظر بولس، إلاّ على أنقاض الإنسان العتيق الذي يجب إماتته (كو 3:
5- 9، اف 4: 20- 24). على هذا المبدإ ترتكز قيمة الإماتة في المسيحيّة.
فالإماتة ليست مجرد أمر سلبيّ، بل هي عراك ضد الإنسان العتيق الذي يحاول
دوماً أن يبعدنا عمّا يبنينا. وهذا العراك هدفه بناء ما فينا من قيم سامية
وتطلعات صالحة، ولا بد من أن يدوم الحياة كلها، حتى نبلغ إلى "ملء قامة
المسيح، إلى الإنسان الكامل".
3- ثم إن النعمة تحرّر المسيحيّ من الناموس. وهذا يعني أمرين متكاملين:
-
زوال الناموس القديم في شرائعه وأنظمته المقيّدة، بحيث إن الأمم واليهود
الذين يريدون أ، يصيروا مسيحيين غير ملتزمين بالخضوع للناموس اليهودي.
-
هذا التحرّر من القوانين القديمة هو في آنٍ معاً تحرر لأجل عمل الخير.
فالمسيحيّ غير مقيّد بأنظمة تُفرض عليه من الخارج، بل يحرّكه الروح لعمل
المحبة. ذلك هو التحرر المسيحيّ، تلك هي حرية أبناء الله: نتحرّر من
الناموس فارس المحبة. وجميع شرائع العهد القديم التي تُنقض في العهد
الجديد، والشرائع الجديدة يطبّق عليها قول بولس: "إن الناموس كلّه يتمّم
في هذه الوصية الواحدة: أحبب قريبك كنفسك" (غلا 5: 14). وهذه المحبة هي
"ثمر الروح" (غلا 5: 22)، إنها موهبة تعمل في صميم الإنسان وتحرّره من
أعمال الجسد (غلا 5: 16- 21).

هـ- البرّ والتبرير
1- إن الآب هو الذي، بموت يسوع وقيامته، قد صالحنا
مع نفسه. وهكذا صار لنا يسوع من الله حكمة وبرّاً وقداسة وفداء" (1كو 1:
30). و"وهو الذي لم يعرف الخطيئة قد جعله الله خطيئة من أجلنا لكي نصير
نحن به برّ الله" (2 كو 5: 21).
فالبرّ إذاً هو الحالة الجديدة التي
يعيشها الإنسان الذي يقبل فداء المسيح. والتبرير هو عمل الله الذي به يزيل
خطيئة الإنسان ويجعل منه إنساناً جديداً بارّاً.
إن هذا الحكم الذي
يصدره الله مبرّراً الإنسان ليس مجرّد حكم خارجيّ يعلن فيه الله أن
الإنسان لم يعد بعد تحت الدينونة، كما كان في حالة الخطيئة. إن النظرة
البروتستنتيّة للتبرير تكتفي بهذا الحكم الخارجي معتبرة أن الإنسان يبقى
خاطئاً، إلاّ أن الله يتغاضى عن خطيئته ويعامله كما لو كان بارّاً. أما
النظرة الكاثوليكيّة فتعتبر أن الإنسان يصير في الواقع بارّاً. لأنه كما
يقول بولس، عندما يقترن بالرب "يكون معه روحاً واحداً... ويصير هيكل الروح
القدس" (1 كو 6: 17، 19). "إن الله قد صالحكم الآن بجسد بشريّة ابنه، إذ
أسلمه للموت، ليظهركم لديه قديسين، بغير عيب ولا مشتكى" (كو 1: 22، راجع
أيضاً اف 2: 5- 6).
2- الإيمان هو الذي يبرّر الإنسان لا أعمال الناموس
إن
التبرير والخلاص يحصل عليهما الإنسان بنعمة مجّانيّة من الله: "إن كان ذلك
بالنعمة، فليس إذاً بالأعمال، وإلاّ فليست النعمة نعمة بعد" (رو 11: 6)
"فإنّ الله لكونه غننيًّا بالرحمة وأحيانا مع المسيح، إذ بالنعمة أنتم
مخلّصون... أنتم إذاً بالنعمة مخلّصون بواسطة الإيمان، وهذا الخلاص ليس هو
منكم بل عطية من الله، وليس هو من الأعمال لكي لا يفتخر أحد" (أف 2: 4- 9).
بالإيمان
يقبل الإنسان فداء الله. هذا ما يعنيه بولس بقوله إن الإيمان هو الذي
يبرّر الإنسان: "البارّ بالإيمان يحيا" (رو 1: 17)، "برّ الله بالإيمان
بيسوع المسيح" (3: 22)؛ "إن اعترفت بفمك أن يسوع هو ربّ، وآمنت في قلبك أن
الله قد أقامه من بين الأموات، فإنك تخلص. لأن الإيمان بالقلب يقود إلى
البر، والاعتراف بالفم إلى الخلاص" (رو 10: 9- 11).
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://olaa-elmasry.yoo7.com
علا المصرى
الـمـؤ سس
الـمـؤ سس
علا المصرى


عدد المساهمات : 22760
نقاط : 30252
السٌّمعَة : 2
تاريخ التسجيل : 15/12/2013

 "اللاهوت المسيحي والإنسان المعاصر"  - صفحة 4 Empty
مُساهمةموضوع: رد: "اللاهوت المسيحي والإنسان المعاصر"     "اللاهوت المسيحي والإنسان المعاصر"  - صفحة 4 Icon_minitimeالأحد 10 أغسطس 2014, 4:48 pm

3- الإيمان العامل بالمحبة
"نحن صنعه، إذ قد
خلقنا في المسيح يسوع للأعمال الصالحة التي أعدّها الله من قبل لنسلك
فيها" (رو 2: 10). إن الإيمان، وإن كان قد تحرّر من أعمال الناموس
الموسويّ، إلاّ أنّه لا يكون إيمانا حقيقيًّا إلاّ إذا اقترن بالعمل
بناموس المسيح الذي يوجزه بولس بالمحبة. (راجع غلا 5: 13- 14؛ 6: 2).
وتتميم هذا الناموس شرط للحصول على الخلاص في الدينونة الأخيرة: "لا
تضلّوا، إن الله لا يُستهزأ به، وكل امرىء يحصد ما قد زرع. فالذي يزرع في
جسده، يحصد من الجسد الفساد، والذي يزرع في الروح، يحصد من الروح الحياة
الأبدية. فلا نفشلْ في عمل الخير، فإنّا سنحصد في الأوان إن نحن لم نكلّ.
فلنُحسن إذاً إلى الجميع ما دامت لنا الفرصة، ولا سيّمَا إلى الذين هم
شركاؤنا في الإيمان" (غلا 6: 7- 10).
الإيمان وحده يبرّر الإنسان. ولكن الإيمان العامل بالمحبة هو وحده الإيمان الحقيقيّ، الذي به يلتزم الإنسان العمل بناموس المسيح.

رابعاً: النعمة في كتابات يوحنا الإنجيلي

أ- حالة الإنسان في العالم
"العالم"،
عند يوحنا الإنجيلي، اصطلاح لمُلك الخطيئة. فالشيطان هو رئيس العالم، أي
موحي الخطيئة، والشهوة هي التي تملأ العالم: "لا تحبّوا العالم، ولا ما في
العالم. إن أحبّ أحد العالم فليست فيه محبة الله. لأنّ كل ما في العالم-
شهوة الجسد وشهوة العين وصلف الغنى ليس من الآب بل من العالم. والعالم
يزول وشهوته أيضاً" (1 يو 2: 15- 16).
لذلك يدعو يوحنا الخطيئة "خطيئة العالم" (يو 1: 29). والخطيئة، في نظره، هي ابتعاد عن الله ورفض لله:
- فالله حق، والخطيئة كذب (يو 8: 44؛ 1 يو 2: 4؛ 21- 22)
- والله نور، أما الخطيئة فظلمة (يو 3: 19- 21؛ 1 يو 1: 5- 7)
- "والله حياة، أمّا الخطيئة فموت (يو 8: 21- 24؛ 1 يو 3: 14- 15)
- والله حرية ويدعونا إلى الشركة معه، أمّا الخطيئة فعبوديّة (يو 8: 31- 36).
ب- الحياة الجديدة في يسوع المسيح
1- الثالوت الأقدس مصدر الحياة الجديدة
-
الآب ينبوع الحياة الجديدة: "فكما أن الآب له الحياة في ذاته، كذلك أعطى
الابن أن تكون له الحياة في ذاته" (يو 5: 26). فالآب إذاً "حياة". وهو
"محبة" (1 يو 4: 7- 10، 16) وهو أيضاً "نور" (1 يو 1: 5).
- تلك الحياة
الجديدة تجلّت لنا في الابن. فهو "القيامة والحياة" (يو 11: 25)، وهو
"الطريق والحق والحياة" (يو 14: 6)، وهو "خبز الحياة" (يو 6: 35- 58)
وكلامه هو "روح وهو حياة" (يو 6: 63)، "وعنده كلام الحياة الأبديّة" (يو
6: 68). وتلك رسالته أن يهب الحياة للعالم (يو 6: 33؛ 10: 10؛ 1 يو 4: 9).
وبه حصلنا على "النعمة والحق" (يو 1: 17).
وهو، كالآب، محبة (يو 13: 1، 34؛ 14: 21؛ 15: 9؛ 13؛ 1 يو 3: 16).
وهو أيضاً، كالآب، نور (يو 1: 9؛ 3: 19- 21؛ 8: 12؛ 9: 5؛ 12: 46).
-
الروح القدس هو الذي يحيينا: إنه "الروح المحيي" (يو 7: 37- 39) الذي
أرسله يسوع من بعد قيامته ليرشد التلاميذ إلى الحق (يو 14: 36؛ 16: 13).
2- حياتنا الجديدة
إنها
"ولادة جديدة" (يو 1: 12؛ 3: 3) تمنحنا "حياة جديدة" (يو 5: 24؛ 6: 40؛
20: 31) حياة أبناء الله (1 يو 3: 1- 15)، حياة المحبة التي تجعلنا نشترك
في حياة الله (1 يو 4: 7، 16؛ الشركة مع الله: 1 يو 1: 3، يو 17: 21- 26).
منذ
هذه الحياة، يبدأ المسيحيّ "الحياة الأبديّة"، إلاّ أنّ تلك الحياة تجد
كمالها في المجد السماويّ (راجع سفر الرؤيا 21: 1- 8؛ 22: 5). وفي 22: 1
يصف الثالوث وصفاً رمزيّاً: فالروح "نهر ماء الحياة" يخرج من عرش الله
(الآب) والحمل (الابن).
فالنعمة هي، على هذه الأرض، شركة في حياة
الثالوث وتلك الشركة ستجد كمالها في المجد السماويّ. هذا هو ميراث الإنسان
الذي يصبح ابناً لله.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://olaa-elmasry.yoo7.com
علا المصرى
الـمـؤ سس
الـمـؤ سس
علا المصرى


عدد المساهمات : 22760
نقاط : 30252
السٌّمعَة : 2
تاريخ التسجيل : 15/12/2013

 "اللاهوت المسيحي والإنسان المعاصر"  - صفحة 4 Empty
مُساهمةموضوع: رد: "اللاهوت المسيحي والإنسان المعاصر"     "اللاهوت المسيحي والإنسان المعاصر"  - صفحة 4 Icon_minitimeالأحد 10 أغسطس 2014, 4:59 pm

الفصل الثاني
النعمة في كتابات آباء الكنيسة
===========
هناك تيّاران في لاهوت
النعمة عند الآباء: فالآباء الشرقيّون يرون النعمة في تأليه الإنسان.
بينما يرى الآباء الغربيّون النعمة في التحرّر من الخطيئة. فالتيّار
الأوّل يستند إلى كتابات يوحنا الإنجيلي، ويشدّد على تجسّد الكلمة الذي
بواسطته يصبح الإنسان ابن الله، بينما يرتكز التيّار الثاني على رسائل
بولس الرسول، ويرى في النعمة مساعدة يعطيها الله للإنسان ليحيا حياة قداسة
على مثال المسيح. فالتيار الأول يركّز على كيان الإنسان، بينما يركّز
التيّار الثاني على عمله. فالنعمة عند آباء الكنيسة الشرقيّة تهدف إلى رفع
كيان الإنسان ليصير على صورة الله. أمّا عند آباء الكنيسة الغربيّة فتهدف
إلى تحرير الإنسان من الخطيئة.
أولاً- آباء الكنيسة الشرقيّة
لقد عبر الآباء عن أفكارهم في موضوع النعمة بمناسبة ما كتبوه في الأسرار وما قام من جدل لاهوتي حول سريّ التجسّد والثالوث الأقدس.
أ) النعمة والأسرار
النعمة
هي حضور الثالوث الأقدس في نفوس الذين يتقبّلون سرّ المعموديّة، فيولدون
من جديد، ويتّحدون بالله، وما حياتهم إلاّ تطبيق لما حصلوا عليه
بالمعموديّة.
1- ايريناوس: يشدّد على الولادة الجديدة أكثر ممّا على
مغفرة الخطايا. فبالمعموديّة ينال المؤمن الروح القدس الذي يسكن فيه
ويتّحد به.
وهذا الروح يجعل من المؤمن ابن الله، شبيهاً بالابن، إنساناً روحياً، بانتظار ملء النعم في رؤية الله في المجد الأبديّ.
"فالاتّحاد
بالروح القدس لا يمكن فصله عن الاتّحاد بالابن والآب. فالنعمة إذاً هي قبل
كل شيء موهبة غير مخلوقة: إنها حضور الثالوث في المؤمن لتقديسه ومساعدته
على أن يكون إنساناً روحيّاً.
2- أوريجانوس: يرى في المعموديّة أساس
الحياة الروحيّة كلها في مختلف مراحلها. فالمعمودية تشرك الإنسان في حياة
الكلمة؛ والروح، بالإيمان والمعرفة والمحبة، يقوده إلى الآب. فيصير
إنساناً جديداً، قد تحرر من الاستعباد للخطيئة، وأخاً للمسيح وابناً
للآب.وهكذا يشترك في الطبيعة الالهيّة بالمحبة والروح اللذين أفيضا في
قلبه.
بالروح يشترك المسيحيّ في الكلمة الذي يصبح فيه مبدأ حياه
إلهية. وهكذا يتجدّد سكنى الكلمة في أحشاء مريم وميلاده في أعضاء جسده
السري. وتلك السكنى تصيّر الإنسان على صورة الكلمة. "إني أعلم ما في النفس
التي يسكنها الله، وها هي النفس المقفرة. إن لم يكن الله فيها، إن لم يكن
فيها المسيح الذي قال: أنا وأبي سنأتي إليه وعنده نجعل مقامنا، إن لم يكن
فيها الروح القدس، فالنفس مقفرة. ولكن إن سكن فيها الله والمسيح والروح
القدس، فهي ممتلئة من الله.

3- كيرلس الأورشليمي: إن المعموديّة تمنحنا الروح القدس ومواهبه
المختلفة: "إن المعموديّةَ التي ستتقبلونها هي أمر عظيم: إنها انعتاق
الأسرى، مغفرة الخطايا، موت الخطيئة، ولادة جديدة للنفس، ثوب من نور، ختم
مقدس لا يمحى، طريق إلى السماء، نعيم الفردوس، عربون الملكوت، موهبة
التبّني". ثم يذكر سكنى الروح القدس في النفس، التي تصبح "مسكنا إلهيّا".
ب) التجسد مبدأ التأليه والتبنّي
1-التأليه والصورة والمثال: يرى آباء الكنيسة الشرقية في تألّه الإنسان
النعمة الكبرى التي يمنحها الله "للإنسان. فبينما كان الفلاسفة اليونان
ينشرون نظريّة أفلاطون في التشبّه بالله، والأديان اليونانية تسعى إلى
الوصول إلى خلود الآلهة بواسطة طقوس سحريّة أو طرق تقشّف بشريّة، راح
اللاهوتيّون المسيحيّون يعلنون أن الاشتراك في الطبيعة الإلهية والتشبه
بخلود الله والتأله لا يستطيع الإنسان أن يصل إليها بجهوده الخاصّة، بل هي
نعمة من الله. فالله نفسه نزل إلى البشر وتجسّد ليرفع الإنسان إليه ويشركه
في حياته الإلهية. وقد صار أمراً تقليديًّا في اللاهوت الشرقيّ تقسيم
تاريخ الخلاص إلى ثلاث مراحل:
- خلق الله للإنسان على صورته ومثاله
- سقوط الإنسان بالخطيئة الأصليّة
- إعادة الصورة القديمة بالتجسّد والفداء
ويقوم التألّه، أو اشتراك الإنسان في الطبيعة الإلهية الذي ورد ذكره في رسالة
بطرس الثانية (1: 4)، على الخلود وعدم الفساد والحياة الأبديّة بعد الموت.
فالإنسان مائت من طبيعته، أمّا الله فمن طبيعته لا يموت. ومن ثمّ
فالاشتراك في طبيعة الله يعني أولاً عدم الموت.

وعندما يفسّر آباء الكنيسة قول الكتاب المقدّس إنّ الله خلق الإنسان "على صورته ومثاله"
يميّز بعضهم بين الصورة () والمثال (). فالصورة هي في طبيعة
الإنسان، إمّا في جسده، ونفسه حسب إيريناوس، إمّا في نفسه فقط حسب
أكّليمنضوس الإسكندريّ وأوريجانوس. وهذه الصورة لا تُفقد بالخطيئة. أمّا
المثال فقد فقده الإنسان بالخطيئة، وأعاده إلينا الكلمة المتجسّد. فمن
يقبل خلاص المسيح وفداءه يشترك في الطبيعة الإلهية، أي في عدم الفساد وفي
الحياة الأبديّة.
أمّا أثناسيوس وغريغوريوس النبيصيّ فيريان في
"الصورة" ختماً إلهيًّا يضعه الله في روح الإنسان وعقله. وهذا الختم يصبح
قاتماً بالخطيئة، ويعيده الفداء إلى بهائه الأوّل. أمّا "المثال" فهو
الاقتداء والتشبّه بالله. فالإنسان يصير تدريجياً على مثال الله يتألّه
باشتراكه في حياة المسيح الإله، وذلك بواسطة الإيمان وسري المعموديّة
والافخاريستيا.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://olaa-elmasry.yoo7.com
علا المصرى
الـمـؤ سس
الـمـؤ سس
علا المصرى


عدد المساهمات : 22760
نقاط : 30252
السٌّمعَة : 2
تاريخ التسجيل : 15/12/2013

 "اللاهوت المسيحي والإنسان المعاصر"  - صفحة 4 Empty
مُساهمةموضوع: رد: "اللاهوت المسيحي والإنسان المعاصر"     "اللاهوت المسيحي والإنسان المعاصر"  - صفحة 4 Icon_minitimeالأحد 10 أغسطس 2014, 7:20 pm

- التبنّي: يرى أثناسيوس وكيرلّس أنّ التألّه لا يمكن أن يحصل عليه
الإنسان إلاّ بالتبنّي. فالطبيعة الإنسانيّة معرّضة للفساد وبعيدة كلّ
البعد عن الله. الله وحده يستطيع أن يؤلّه الإنسان. وقد صنع ذلك بواسطة
الابن الذي تجسّد ليجعل من جميع الناس أبناء الله. فالابن وحده صورة الله
المماثلة للآب. فهو وحده إذاً يستطيع أن يجعل الإنسان على مثال الله.
"الابن إله، لأنّه يؤلّهنا". "لقد صار الله إنساناً لكي يصير الإنسان
إلهاً."
ج) الروح المحيي:
يشدّد آباء الكنيسة اليونانية على ما يميّز
الروح القدس عن الخلائق. فالروح يقدّس الإنسان ويؤلّهه، فهو إذاً قدوس
وإله، يقول أثناسيوس. وكذلك يقول القدّيس غريغوريوس النزينزيّ: "إذا كان
الروح القدس لا يحقّ له السجود والعبادة (كإله)، فكيف يصيّرني إلهاً
بالمعموديّة؟" ويتكلّم باسيليوس عن حضور الروح القدس في النفس حضوراً
مقدّساً ومؤّلهاً. "وهذا الروح هو قدوس من طبيعته كما أنّ الآب هو قدوس
والابن قدوس من طبيعتهما".
يشبّه كيرلّس الإسكندريّ موهبة الروح بالختم
الذي نقشت عليه زهرة. فالختم هو الروح القدس نفسه، والزهرة المنقوشة على
الختم هي النعمة الخلوقة. فلا وجود للنعمة في نفس المؤمن إلاّ إذا حضر
الروح القدس نفسه ليسكن في تلك النفس. وهكذا يشترك المسيحيّ ليس فقط
بمساعدات الروح القدس، بل يشترك في الطبيعة الإلهية ذاتها.

ثانياً: آباء الكنيسة اللاتينية

يرى
آباء الكنيسة اللاتينيّة في النعمة حافزاً داخلياً به يقود الله الإنسان
ويساعده على عمل الخير وعلى السير بثبات نحو الحياة الأبدية. وقد أكّدوا
دور الروح القدس الذي يعمل في داخل الإنسان ليسير به على طريق القداسة. في
هذا المعنىّ يقول ترتوليانوس إن النعمة هي "قوة إلهية".
فبينما يشدّد
الآباء الشرقيّون على تحوّل كيان الإنسان الذي يتألّه ويصبح بالنعمة ابن
الله، يركّز اللاتينيّون على دور النعمة في عمل الإنسان: فتشفيه من ميوله
وشهواته المنحرفة وتساعده على تتميم وصايا الله.
أ) القديس أوغسطينوس
لقد كان للقديس أوغسطينوس تأثير حاسم على لاهوت النعمة في الغرب حتى يومنا هذا. لذلك لا بدّ من التعمّق في أفكاره في هذا الموضوع.
تتميّز نظرته إلى النعمة بالتشديد على مجانيّة هبة الله:
1-
فالإنسان، بسبب سقطة الخطيئة الأصلية، هو عبد للشهوة والخطيئة، ولا يملك
في ذاته الِحرّية والقدرة ليحب الخير ويتمّمه. فالحرّية تقوم على محبة
الخير وعلى توجيه كل عمل يقوم به الإنسان نحو الحياة مع الله.
2- إلاّ
أن نعمة المسيح تبرّر الإنسان الساقط، وتعيد إليه الحريّة وتضع في قلبه
محبة الخير وتساعده على تتميم وصايا الله. فالتبرير هو عمل الله الذي يهدي
الخاطئ إلى طريق البر، فيحرّره تدريجياً من الشهوة ويملأه من المحبة.
3- إن الإيمان الذي به يقبل الإنسان رسالة المسيح هو أيضاً نعمة من الله.
4-
بالمعموديّة يولد الإنسان من جديد ويصبح عضواً في جسد المسيح وابناً لله
وهيكلاً للروح القدس. في هذا يتفق أوغسطينوس مع آباء الكنيسة اليونانيّة.
5-
التبرير يتضمّن موهبة الروح القدس غير الخلوقة وموهبة المحبة الخلوقة.
فالنعمة في كتابات أوغسطينوس هي تارة الروح القدس نفسه وتارة نتيجة حضوره
أي موهبة المحبة التي تساعد الإنسان على تتميم إرادة الله.
6- إن
النعمة لا تعطي فقط الإنسان إمكانيّة عمل الخير والقدرة على عملِ الخير،
بل إن كل عمل صالح وخلاصيّ يقوم به الإنسان هو من فعل النعمة. فالنعمة
إذاً في هذه النظرة هي المساعدات المستمرّة التي يمنحها الله للإنسان
ليتمّم بملء رضاه أعمال البرّ والصلاح.
7- إن الإنسان الذي يقبل نعمة
الله ويعمل أعمال البرّ يستحقّ الحياة الأبديّة، إلاّ أن الخلاص الأبديّ
لا ينتج عن استحقاقات الإنسان بل هو موهبة من الله لا يستطيع الإنسان
الحصول عليها إلاّ بالصلاة.
8- التحديد السابق من قبل الله لخلاص بعض
الناس: إستناداً إلى رو 8: 29 "إن الذين سبق فعرفهم، سبق أيضاً أن يكونوا
مشابهين لصورة ابنه"، يرى أوغسطينوس أنّ الله يعرف منذ الأزل ويحدّد
الأشخاص الذين سيخلصون. فهؤلاء ينالون من الله موهبة الثبات في النعمة.
أمّا الذين يهلكون فيهلكون بحرّيتهم، إلاّ أنهم لم ينالوا نعمة الثبات.
فالله يختار بعض الناس ويمنحهم نعمة خاصّة، مع أنه يدعو الجميع إلى الخلاص.
لا
يمكننا اليوم قبول نظرية أوغسطينوس هذه. فالله لا يميّز بين أبنائه
بالنسبة إلى الخلاص. بل يمنحهم جميعاً النعمة الكافية لكي يصلوا إلى
الحياة الأبديّة. والنعمة التي تعطى للجميع، تبقى نعمة، وإن أعطيت للجميع.
أمّا أوغسطينوس فيعتبر أن النعمة لا تكون نعمة إذا أعطيت لجميع الناس.
كذلك لا يعطي أوغسطينوس لحريّة الإنسان الأهميّة التي يجب إعطاؤها. وكأنه لا يرى قدرة الإنسان على رفض النعمة.
ب) بيلاجيوس ومجمع قرطاجة
1- بيلاجيوس راهب إيرلندي الأصل عاش في رومة حوالي سنة 400، ثم انتقل إلى شماليّ إفريقيا ثم إلى أورشليم.
يمكننا
إيجاز تعليمه في النعمة في العبارة التالية: ان الإنسان يستطيع تتميم
وصايا الله بقواه الذاتيّة، ولا حاجة له إلى مساعدة إلهيّة لا لإرادة
الخير ولا لتتميمه.
يميّز بيلاجيوس في الإنسان ثلاثة أمور: القدرة
والإرادة والكيان. فالقدرة على عمل الخير، أي الحريّة، هي "النعمة" التي
وهبها الله للإنسان. أما إرادة عمل الخير وتنفيذ هذا العمل في كيان
الإنسان فيعودان إلى الإنسان فقط. إلاّ أن الله يساعد الإرادة بمساعدات
خارجيّة: تعاليم الكتاب المقدّس، موعد الخيرات الآتية في الحياة الأبديّة،
التحذير من فخاخ الشيطان. ولكن بيلاجيوس يرفض أيّ وجود لمساعدات داخليّة
يمنحها الله للإنسان، وذلك لسببين: 1) لأن الإنسان ليس بحاجة إليها،
فحريّته تكفي لذلك، 2) لأنّ الله لا يمكن أن يكون عنده "محاباة وجوه"
لتفضيل إنسان على آخر.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://olaa-elmasry.yoo7.com
علا المصرى
الـمـؤ سس
الـمـؤ سس
علا المصرى


عدد المساهمات : 22760
نقاط : 30252
السٌّمعَة : 2
تاريخ التسجيل : 15/12/2013

 "اللاهوت المسيحي والإنسان المعاصر"  - صفحة 4 Empty
مُساهمةموضوع: رد: "اللاهوت المسيحي والإنسان المعاصر"     "اللاهوت المسيحي والإنسان المعاصر"  - صفحة 4 Icon_minitimeالأحد 10 أغسطس 2014, 7:23 pm

2- مجمع قرطاجة (411) حرم تعاليم بيلاجيوس في البنود التالية:
البند 3. لا تقتصر نعمة التبرير على مغفرة الخطايا التي ارتكبها الإنسان، بل هي أيضاً مساعدة لكي لا يخطأ الإنسان.
البند
4. ان نعمة المسيح التي تساعدنا على الابتعاد عن الخطيئة لا تمنحنا فقط
معرفة الخير والشر، بل نهبنا أيضا محبة الخير والقدرة على تتميمه.
البند 5. إن النعمة لا تمنح فقط سهولة أكثر، بل بدونها لا نستطيع أن نتمم وصايا الله.
البنود 6، 7، 8. لا يستطيع أي من القديسين أن يجتنب الخطيئة. وعندما يقولون "اغفر لنا خطايانا" يقولون ذلك عن حقّ وليس عن تواضع.
ج) البيلاجية المعتدلة:
نشأت
في بعض أديرة للرهبان في مرسيلية. وكانت ردة فعل -ضرورية ولكن متطرّفة- ضد
تعاليم أوغسطينوس في التحديد السابق والنعمة الكافية التي لا بدّ منها
للخلاص. فأكّدوا أن الله يريد خلاص جميع الناس، إلاّ أنّه يمنحهم نعمه على
قدر طلبهم. إن الله يعرف من هم الذين سيخلصون، إلاّ أنه لا يميّز بين شخص
وآخر، بل يحبّهم جميعا دون تفرقة. إنما ينتظر من قبل الإنسان إبداء الرغبة
في الحصول على نعمة الإيمان وطلب تلك النعمة. فبداية الإيمان ليست من عمل
النعمة بل من عمل الإنسان.
كذلك يعتبرون أن الخلاص الأبديّ ليس نعمة خاصة من الله، بل هو ناتج عن استحقاقات الإنسان.
د) مجمع اورانج (529) شدَّد على أمرين: الله هو مصدر كل إيمان وخلاص، ولا يستطيع الإنسان أن يقوم بأي عمل خلاصي دون النعمة.
- فالنعمة تسبق كل جهد بشريّ، وهي مصدر كل صلاة ورغبة صالحة وكل عمل خلاصيّ ولا يستطيع إنسان أن يصل إلى الإيمان من دونها.
- ثم إن النعمة ضروريّة للثبات في الإيمان وتتميم الوصايا والنموّ في الحياة المسيحيّة.
-
أما بالنسبة لتحديد الله السابق للمخلّصين، فقد أعلن الجميع أنه لا تحديد
سابق من قبل الله للهالكين. فجميع من اعتمدوا يمنحهم الله النعمة الكافية
للخلاص، إن هم ارادوا وتجاوبوا مع تلك النعمة.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://olaa-elmasry.yoo7.com
علا المصرى
الـمـؤ سس
الـمـؤ سس
علا المصرى


عدد المساهمات : 22760
نقاط : 30252
السٌّمعَة : 2
تاريخ التسجيل : 15/12/2013

 "اللاهوت المسيحي والإنسان المعاصر"  - صفحة 4 Empty
مُساهمةموضوع: رد: "اللاهوت المسيحي والإنسان المعاصر"     "اللاهوت المسيحي والإنسان المعاصر"  - صفحة 4 Icon_minitimeالأحد 10 أغسطس 2014, 7:29 pm

الفصل الثالث
البروتستنتيّة والمجمع التريدنتيني
إن موضوع النعمة هو
الموضوع الرئيس الذي قسم الكنيسة الغربية إلى كاثوليكية وبروتستنتيّة.
فمحور النقاشات كان الدور الذي يجب أن يعطى لنعمة الله من جهة ولأعمال
الإنسان من جهة أخرى في "تبرير الخاطئ أمام الله" وحصول الإنسان على
الخلاص.
ولقد اعتبر المصلحون البروتستنتيّون أن طاعتهم للبابا
وبقاءهم في الكنيسة الكاثوليكية هما رهن بقبول البابا نظرتهم في هذا
الموضوع. إلاّ أن الكنيسة الكاثوليكيّة، في المجمع التريدنتيني، رفضت
النظرة البروتستنتيّة وحرمت أتباعها.
ما هي بالإيجاز تعاليم البروتستنتيّة وتعاليم المجمع التريدنتينيّ في موضوع النعمة؟
أولاً- النعمة في لاهوت الإصلاح البروتستنتي
1-
الخطيئة الأصليّة أفسدت بطريقة جذريّة طبيعة الإنسان. ومن ثمّ لا وجود
للحريّة التي تتيح للإنسان تتميم أعمال برّ وصلاح. فالإنسان خاطئ في كيانه
وفي جميع أعماله. نعمة الله هي التي تبرّره وتعمل فيه كل عمل صالح يقود
إلى الحياة الأبديّة. والشرط الكافي والضروري للحصول على هذا التبرير هو
الإيمان. والإيمان ليس اعتناقاً فكرياً لحقائق عقائديّة، بل هو عمل إرادة
به يثق الإنسان برحمة الله الذي ينحني على الإنسان ويغفر له خطاياه.
2-
التبرير الذي يحصل عليه المؤمن لا ينفذ إلى صميم طبيعته الإنسانيّة. بل
يبقى عرضيًّا وخارجيًّا. يبقى الإنسان المبرَّر خاطئاً. إلا أن خطيئته لا
تحسب عليه. انه، حسب تعبير لوتر، "خاطئ وبارّ في آن معاً".
3- الأعمال
لا تقود إذاً إلى التبرير. فالإيمان وحده يبرّر الإنسان. إلا أن الإنسان
يجب ألاّ يكتفي بالإيمان، بل أن يقرن الإيمان بالعمل.
يقول ملنختون إن
الأعمال هي ثمار الإيمان. وإن لم تكن هي التي تبرّر الإنسان إلا أن الله
قد أوصى بها، ولا بدّ للمسيحيّ من أن يظهر إيمانه بحياة جديدة في تتميم
جميع وصايا الله وجميع تعاليم المسيح.
إلاّ أن الخلاص الأبديّ لا يحصل
عليه المؤمن بما يقوم به من أعمال صالحة. فالإنسان، مهما قام بجهد ومهما
صنع من أول صالحة ومهما بلغ من كمال وقداسة، فإنه يبقى خاطئاً، ولن يستحقّ
بأعماله وبحياته الحياة الأبديّة. فالخلاص هو نعمة مجانيّة استحقها لنا
"المسيح وحده" بموته الفدائيّ وقيامته. "النعمة وحدها، "المسيح وحده"،
"الإيمان وحده"، هي العبارات الثلاث التي توجز فكرة المصلحين في النعمة
والتبرير والخلاص الأبديّ.
ثانياً: المجمع التريدنتينيّ (الدورة السادسة، 13 كانون الثاني 1547)
أعلن
المجمع التريدنتينيّ العقيدة الكاثوليكية حول النعمة في "القرار في
التبرير". وفيه يتكلم عن التبرير الذي يحصل عليه الإنسان البالغ. أمّا
الأطفال الذين يتبرّرون بالمعمودية دون أيّ مساهمة من قبلهم، فلا يأتي
المجمع على ذكرهم في هذا القرار.
في 16 فصلا و33 بنداً يعرض المجمع
للخلاص والتبرير اللذين يمنحهما الله للإنسان باستحقاقات يسوع المسيح،
ويؤكد ضد التعاليم البروتستنتية مساهمة الانسان في الخلاص والتبرير
باستحقاقات إعماله الصالحة. سنكتفي هنا بإيجاز الفصول الستة عشر:
1- إن الخطيئة الأصلية قد جعلت الناس "عبيداً للخطيئة"، بحيث لا يستطيعون الحصول على التبرير بقواهم الطبيعية أو بتتميم الناموس.
2 و3- المسيح، بموته، برّرنا. ومن يولد من جديد يشترك في آلام المسيح ويصبح ابن الله ويصل على النعمة التي تصيّره باراً.
4- تبرير الإنسان يتمّ بالمعموديّة، كما كتب: "لا أحد يستطيع أن يدخل ملكوت الله ما لم يولد من الماء والروح" (يو 3: 5).
5-
إن الله قد أحبّنا أولاً. فهو إذاً يعطي النعمة للإنسان دون أيّ استحقاق
من قبل الإنسان. إلا أن الإنسان لا يفقد حريّته، بل يستخدمها عندما يقبل
نعمة الله السابقة. والنعمة السابقة هي التي تسبق ارتداد الإنسان وتبريره.
6-
التمهيد للحصول على التبرير: يهيّأ الإنسان للحصول على التبرير بطرق
مختلفة: نعمة الله السابقة؛ الإيمان بالوحي وبأن الله هو الذي يبرّر
الخاطئ؛ التوبة؛ التصميم على نيل المعموديّة وعلى بدء حياة جديدة وعلى
تتميم وصايا الله.
7- التبرير ليس مجرد غفران للخطايا بل تجديد الإنسان
الداخليّ بتقبل النعمة. فالإنسان الخاطئ يصبح بارًّا في صميم كيانه
ووارثاً للحياة الأبديّة.
8- الإيمان يبرّر الإنسان بمعنى ان الإيمان هو بدء الخلاص والتبرير.
9-
لا أحد يستطيع أن يعرف معرفة أكيدة لا تحتمل الشكّ والخطأ انه نال النعمة.
فمن جهة يجب آلا نشك في رحمة الله، ومن جهة أخرى يجب أن نعي دوماً ضعفنا
وإهمالنا وتقصيرنا.
10- البرّ الذي يحصل عليه الإنسان ينمو بالأعمال الصالحة.
11- تتميم الوصايا ممكن وضروريّ للإنسان المبرّر. فالإيمان وحده لا يكفي
12-
لا أحد يستطيع أن يقول إنه من عداد المخلّصين الذين سبق الله فحدّد أن
يحصلوا على الخلاص. لأن كل إنسان معرض للخطيئة ويمكن أن يقع في الخطيئة
13-
نعمة الثبات في الإيمان وفي النعمة: لا أحد يستطيع أن يقول إن الله سيمنحه
إياها حتى وإن كان هو غير أمين لله بتتميم الأعمال الصالحة.
14- من نال النعمة التبرير ثم عاد فسقط في الخطيئة يفقد الخالع. لكنه يستطيع بسر التوبة استعادة النعمة التي فقدها.
15- بالخطيئة المميتة لا يفقد الإنسان إلاّ النعمة، أمّا الإيمان فلا يُفقَد سوى بالجحود.
16-
ثمار التبرير: إستحقاقات الأعمال الصالحة، حسب قول بولس الرسول: "كونوا
مستزيدين على الدوام في عمل الرب، عالمين أن تعبكم ليس بباطل في الرب" (1
كو 15: 58)، "ان الله ليس بظالم حتى لينسى عملكم الصالح والمحبة التي
ابديتموها لأجل اسمه" (عب 6: 10)، "لا تفقدوا ثقتكم فإنّ لها جزاء
عظيما..." (عب 10: 35). لذلك فالحياة الأبديّة هي في آن معاً نعمة وعد بها
المسيح أبناء الله ومكافأة يمنحها الله جزاء الأعمال الصالحة. ذلك هو
"إكليل البر الذي سيجزي به الله الديّان العادل... مع الذين أحبّوا ظهوره"
(2 تي 4: 7)
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://olaa-elmasry.yoo7.com
علا المصرى
الـمـؤ سس
الـمـؤ سس
علا المصرى


عدد المساهمات : 22760
نقاط : 30252
السٌّمعَة : 2
تاريخ التسجيل : 15/12/2013

 "اللاهوت المسيحي والإنسان المعاصر"  - صفحة 4 Empty
مُساهمةموضوع: رد: "اللاهوت المسيحي والإنسان المعاصر"     "اللاهوت المسيحي والإنسان المعاصر"  - صفحة 4 Icon_minitimeالأحد 10 أغسطس 2014, 7:35 pm

ان يسوع هو الذي يمنح دوماً قوّته للمبرّرين،
"كالرأس للأعضاء" (اف 4: 15)، و"كالكرمة للأغصان" (يو 15: 5). وهذه القوة
تسبق وتصحب وتتبع دوماً أعمالهم الصالحة، وبدونها لا يمكن أن تكون هذه
الأعمال مرضيّة أمام الله ومستحقّة الجزاء.
إن محبة الله للبشر عظيمة إلى حدّ أنها تجعل من مواهبه استحقاقات لهم.

ثالثًا- ماذا بقي اليوم من هذا النقاش بين الكاثوليك والبروتستنت؟

يُعتبر
اليوم النقاش الذي جرى بين الكاثوليك والبروتستنت في القرن السادس عشر
أمراً عفّاه الزمن. ويمكننا اليوم أن نرى بوضوح كيف كان كل فريق يؤكّد
بشدة ناحية معيّنة من العقيدة الواحدة. وبلغت حدّة النقاش بالبعض إلى
مواقف متصلّبة منافية لتعليم كنيستهم. نذكر على سبيل المثال قول أحد اتباع
لوثر الغيورين، نيكولا فون امسدورف: "إن الأعمال الصالحة مضرّة للخلاص
وللحياة الأبديّة". ان نقطة انطلاق لوثر هي مجانيّة الخلاف، إلا أن قولا
كهذا يناقض آراءه التي نجد فيها اعتدالا. فمع تشديده على مجانيّة الخلاص
وأوّلية الإيمان بالنسبة إلى الأعمال، يعتبر، في تقديمه للرسالة إلى
الرومانيين في طبعته الألمانيّة للكتاب المقدّس، أن "الإيمان الحيّ
والقويّ لا يسعه إلا أن ينتج عنه باستمرار عمل الخير".
من جهة أخرى يجب
قراءة تأكيدات المجمع التريدنتينيّ للأعمال الصالحة على ضوء ما يقوله في
نهاية الفصل السادس عشر في أوّلية نعمة الله: "إن محبة الله للبشر عظيمة
إلى حد أنها تجعل من مواهبه استحقاقات لهم".
نخلص إلى القول إن الأعمال
الصالحة التي يقوم بها المؤمن لا بدّ منها للخلاص. ذلك أنها الدليل في آن
واحد على صحّة إيمانه وعلى نعمة الله التي تعمل فيه.

رابعاً- النعمة المقدِّسة والنعمة الحاليّة

هناك
تمييز تقليدي في اللاهوت الغربي بين النعمة المقدِّسة والنعمة الحالية. ما
معنى هاتين اللفظتين؟ إن التبني والولادة الجديدة بالمعموديّة واشتراك
المؤمن المبرَّر بالطبيعة الإلهية وسكنى لروح المقدس في نفسه، كلّ هذه
الأمور التي تكلّمنا عنها في الفصول السابقة هي طرق مختلفة للتعبير عن
الحقيقة نفسها: وتلك الحقيقة هي أن الإنسان الخاطئ يصبح مبرِّراً، ينتقل
من حالة الخطيئة إلى حالة البر تلك الحالةَ الجديدة تدعى أيضاً "حالة
النعمة". أمّا النعمة التي يحصل عليها الإنسان بانتقاله إلى تلك الحالة
الجديدة فتدعى "النعمة المقدِّسة"، لأنها هي التي تقدّس الإنسان وتبرّره.
تلك
النعمة هي "موهبة مخلوقة"، وبهذا تتميّز عن "الموهبة غير المخلوقة"، التي
هي الروح القدس نفسه الذي يهبه الآب بالابن. تلك النعمة ليست موهبة عابرة،
بل حقيقة ثابتة، "طبيعة" جديدة: كما أن الطبيعة الإنسانيّة هي مبدأ أعمال
الإنسان الاعتياديّة لطبيعيّة، كذلك النعمة المقدِّسة هي مبدأ أعمال
الإنسان الفائقة الطبيعة.
النعمة المقدّسة هي نتيجة لحضور الروح القدس
في النفس. وقد ركّز آباء الكنيسة على هذا الحضور، انطلاقا من العهد الجديد
ولا سيما من يوحنا وبولس.
النتيجة الأولى للنعمة المقدّسة هي
"الاشتراك في الطبيعة الإلهية". هذا الاشتراك لا يقوم فقط على التشبّه
بالله بتتميم الفضائل (اشتراك ادبيي)، ولا هو اندماج حلوليّ مع الله، بحيث
يزول كلّ فرق بين الإنسان والله. إن المفهوم الكاثوليكيّ لهذا الاشتراك هو
حلّ وسط بين هذين المفهومين المتطرّفين. إن الله يرفع الطبيعة الإنسانيّة
إلى درجة سامية يدعوها الآباء وهذا التألّه يصبح في الإنسان مبدأ أعمال
صالحة، دون أن يزيل الفرق بين الإنسان والله.
النتيجة الثانية للنعمة المقدَسة هي "التبنّي": فبالنعمة يصبح الإنسان ابن الله بالتبنّي.
النعمة
الحالية هي المساعدة العابرة التي يرسلها الله للإنسان الغير المبرّر
لينير عقله ويلهم إرادته ويوصله إلى البرّ، وللإنسان المبرّر ليثبّته في
طريق البرّ وفي حالة النعمة.
إن عبارة "النعمة الحالية" لا نجد لها أيّ
أثر في كتابات الآباء ولا في القرون الوسطى قبل القرن السادس عشر. وقد
استعملت للإجابة على سؤال عمليّ: كيف نعبّر عن النعمة التي ينالها الإنسان
قبل تبريره؟ بما انه لا يحصل على النعمة المقدِّسة إلا بالمعموديّة
والتبرير، فلا بدّ من وجود نعم أخرى يمنحها الله للإنسان ليقوده إلى
الارتداد وبالتالي إلى قبول النعمة المقدِّسة. وتلك النعم دعاها
اللاهوتيون "النعم الحاليّة".

وتلك النعم الحاليّة هي إمّا إلهامات
مباشرة من قبل الله وإمّا مساعدات يرسلها الله بواسطة البشر، كسماع
المواعظ وقراءة الكتب المقدّسة، والأمثلة الصالحة، وإرشادات الأصدقاء.
كيف ينظر اللاهوت المعاصر إلى هذا التمييز بين النعمة المقدّسة والنعمة الحاليّة وإلى مفهوم النعمة بنوع عام؟
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://olaa-elmasry.yoo7.com
علا المصرى
الـمـؤ سس
الـمـؤ سس
علا المصرى


عدد المساهمات : 22760
نقاط : 30252
السٌّمعَة : 2
تاريخ التسجيل : 15/12/2013

 "اللاهوت المسيحي والإنسان المعاصر"  - صفحة 4 Empty
مُساهمةموضوع: رد: "اللاهوت المسيحي والإنسان المعاصر"     "اللاهوت المسيحي والإنسان المعاصر"  - صفحة 4 Icon_minitimeالأحد 10 أغسطس 2014, 7:37 pm

الفصل الرابع
النعمة في اللاهوت المعاصر

اللاهوت علم يحاول
التعبير بكلام بشري عن حقيقة الله وعلاقته بالإنسان. إن الله قد أوحى لنا
بذاته بابنه يسوع المسيح. ففي المسيح عرفنا الآب وعرفنا إراته الإلهية في
خلاص البشر، وأدركنا العلاقة التي يريد أن يقيمها معنا. إلاّ أنّنا في
تعبيرنا عن تلك العلاقة نستخدم كلامًا بشريّاً يخضع لتطوّر البيئة
الحضارية التي نعيش فيها وتتعدّد وجوهه. بيد أن هذه التعددية لا تعني أن
جميع الطرق التي يعبّر بها الإنسان هي مماثلة من حيث القيمة، فقد نميل إذ
إحداها ونرفض غيرها. ولكن يجب إلاّ نحكم على الأجيال السابقة لكونها لجأت
إلى طريقة دون أخرى، بل نرى ما فيها من نواح إيجابية تساعدنا على التعبير
اليوم عن حقيقة الله التي لا يمكن أيّ عقل بشري أن يدرك غور أبعادها.
فكيف إذن يعبّر اللاهوت اليوم عن مفهوم النعمة؟
1- النعمة حضور الله نفسه
يرى
اللاهوت المعاصر أنّ موضوع النعمة لا يمكن أن يعالَج بشكل عرضي إلى جانب
سائر المواضيع اللاهوتية، كالله والخلق والتجسّد والكنيسة والأسرار،
فالنعمة هي الإطار العام الذي يجب أن تُبحث فيه كل المواضيع اللاهوتية،
لأنها في نظره ليست مجرّد مساعدة يمنحنا إيّاها الله من بعيد، بل هي عطاء
الله ذات لنا. النعمة هي الله نفسه من حيث يعطي ذاته للإنسان، على مختلف
الأصعدة: في الخلق والتجسّد والكنيسة والأسرار. إنّها حضور الله نفسه في
الكون وفي الإنسان وفي التاريخ.
أ) النعمة عطاء الله ذاتَه للإنسان
يرى
اللاهوتي الألماني كارل راهنر في الإنسان انفتاحاً كيانياً على المطلق،
عليه يقوم تسامي الإنسان بالنسبة إلى ذاته وإلى الكون. وداخل هذين
الانفتاح والتسامي يرى راهنر في النعمة عطاء الله ذاتَه للإنسان. فالنعمة
ليست عطية ثانوية أو مساعدة عابرة تأتينا من الله بشكل سرّي غامض، ولا تلك
"الهبة المخلوقة" التي تحدَّث عنها اللاهوت الغربي التقليدي، بل هي عطاء
الله ذاتَه لنا، وفيه يدخل كلُّ ما نقوله عن النعمة في الكتاب المقدّس وفي
تعاليم الآباء والكنيسة. "فالله قد أحبّنا أوّلاً" (1 يو 4: 10) وخلقنا،
ثمّ خلّصنا وجعلنا له أبناء بيسوع المسيح، وأرسل إلينا روحه القدّوس مكث
فينا، وأشركنا في طبيعته الإلهية، بحيث نملك منذ الآن، كعربون وبداية، كلّ
ما سنحصل عليه من مجد ورؤية لله في الحياة الأبدية.
فالخلق والخلاص
والتبنّي وميراث الحياة الأبدية هي إذًا عطاء الله ذاتَه لنا. لذلك لا
تقتصر النعمة على المغفرة التي تأتينا من الله بعد أن نخطأ، بل تسبق كل
خطيئة، ولا تقتصر على المسيحيين، بل تشمل جميع الناس، لأنّ عطاء ذاته
للبشر يسبق حرّيتهم وإدراكهم لذواتهم وكلّ اختياراتهم، ولأنّ محبّته
مجانية.
ب- النعمة المقدَّمة والنعمة المقبولة
إنّ عطاء الله
ذاتَه هو لكلَّ الناس، أقلّه على صعيد العطاء. ومن هذه الزاوية يميّز
راهنر بين النعمة المقدَّمة والنعمة المقبولة. فعطاء الله هو ذاته للجميع،
أمّا قبوله فمرتبط بحريّة الإنسان، وهو نفسه نعمة، بمعنى أنّه لا يمكن أن
يكون إلاّ جوابًا على عطاء الله ذاته للإنسان. فعطاء الله ذاته للإنسان هو
الشرط الأساسي لكل إيمان من قبل الإنسان وكل قبول وكل انفتاح على الله.
"فالنعمة
المقدَّمة"، التي تشمل كل ما يعمله الله للبشر من خلق وخلاص وعناية
وإلهامات للخير، ويظهر فيها حضوره في العالم، تصير "النعمة المقبولة"
عندما يتجاوب معها الإنسان ويقبلها بحريّته. فهذه النعمة المقبولة هي في
آنٍ واحد نعمة من الله و عمل حرّ من الإنسان وهنا يكمن اسرّ علاقة الله
بالإنسان وسر الحريّة البشرية. لماذا يرفض بعض الناس "النعمة المقدّمة"
للجميع في حين يقبلها غيرهم؟ إنّ الحرّية أمر إيجابي، لكنّ استعمالها لرفض
الخير أمر سلبي. وبمجرّد حصول الإنسان على تلك الحرّية يحصل على إمكان رفض
الخير وتجاهل الله وعطائه. ولكن لا ينبغي أن نتوقّف عند هذا السرّ، بل يجب
التشديد على دعوة الله للجميع ليتحرّروا من أنانيتهم التي هي أصل كل رفض
وكل شر. وتلك الدعوة هي (النعمة المقدَّمة" التي يحيا فيها الإنسان منذ
ولادته حتى موته، في بعديه الفردي والجماعي، وهي الينبوع الحي الذي لا
ينضب، داعيًا دومًا العطاش إلى الارتواء منه، وهي، النور الأزلي الذي لا
يغرب، داعيًا جميع العائشين في الظلمة إلى الاستنارة به.
إنّ التجاوب
مع النعمة مطلوب من الإنسان في مختلف مراحل حياته. ومن ينفتح لله ويقبل
عطاءه ومحبّته يمكنه أن يقول مع بولس الرسول: "إنّ نعمة الله لم تكن فيّ
عبثًا" (1 كو 15: 10).

ج- تحديد النعمة
من هذه النظرة يمكننا القول إنّ النعمة هي حضور
الله حضوراً حيّاً ومحبّاً في كل إنسان وفي الكنيسة وفي تاريخ العالم.
ماذا نعني بهذا التحديد للنعمة؟
حضور: هذه الكلمة لا تُستعمل للأشياء
إنّما للأشخاص، وتعني علاقة شخصية بينهم. فعلاقتنا مع الله هي إذًا علاقة
مع شخص لا مع قوّة مبهمة أو شيء جامد.
الله: أي آب بالابن في الروح
القدس فالله الآب قد أوحى لنا بذاته بابنه يسوع لكي يجعلنا أبناء له.
والنعمة هي التي تحقق هذا التبني وتجعلنا على صورة يسوع. وعندما نتكلم عن
تجاوبنا مع النعمة نعني تحقيق صورة يسوع في حياتنا فنسلك على مثال الابن
في المحبّة والطاعة للآب وفي نكران الذات والتضحية في سبيل الآخرين. وهكذا
بواسطة الابن نتّحد بالآب فنتمّم إرادته ونحيا معه ونصبح أبناءه. والروح
هو الذي يعمل فينا ليحقّق فينا تلك البنوّة الإلهية.
حضورًا حيًّا: النعمة ليست مساعدة تأتينا من قوّة سحريّة خارجة عنّا وتعمل فينا بشكل آلي، إنّها علاقة مع شخص حي.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://olaa-elmasry.yoo7.com
علا المصرى
الـمـؤ سس
الـمـؤ سس
علا المصرى


عدد المساهمات : 22760
نقاط : 30252
السٌّمعَة : 2
تاريخ التسجيل : 15/12/2013

 "اللاهوت المسيحي والإنسان المعاصر"  - صفحة 4 Empty
مُساهمةموضوع: رد: "اللاهوت المسيحي والإنسان المعاصر"     "اللاهوت المسيحي والإنسان المعاصر"  - صفحة 4 Icon_minitimeالأحد 10 أغسطس 2014, 7:40 pm

ومحبًّا: النعمة هي حضور الله المحب الرحوم الحنون الأمين.
في كل
إنسان: علاقة الله هي علاقة شخصية مع كل واحد منّا، بحيث يصبح ابنًا لله.
في العهد القديم كان الشعب كلّه يُعتبر ابنًا لله. أمّا في العهد الجديد
فبواسطة شخص يسوع المسيح ابن الله أصبح كل إنسان بمفرده يُعتبر ابنا لله
ومدعوًّا إلى إقامة علاقات شخصيّة مع الله.
وفي الكنيسة: إنّ الكنيسة
هي جسد المسيح وسرّ خلاص العالم. فالله حاضر فيها بشكل خاص ولا سيّمَا في
الأسرار والصلوات التي تتابع على مدى الزمن حضور يسوع في الزمن.
وفي
تاريخ العالم: إنّ الله حاضر ليس فقط في المؤمنين به بل أيضًا في تاريخ
العالم بأسره، إذ يعمل فيه بشكل فعّال ليصل به إلى الخلاص الشامل. وهذا هو
المفهوم المعاصر الواسع "للعناية الإلهية" التي لا تُعنى فقط بشؤوننا
الفردية، بل كذلك بشؤون التاريخ كلّه ليمتلئ من حضور الله.
2- النعمة لقاء بين حرّية الله وحرّية الإنسان
هناك
مسألة اصطدم بها اللاهوت منذ القرون الأولى، هي كيفية التوفيق بين نعمة
الله التي تسبق كل مبادرة بشرية وترافق كل عمل إنساني وحرّية الإنسان.
فبيلاجيوس
وأتباعه يشدّدون على حرّية الإنسان وينتقصون من تأثير الله، بينما يركّز
أغوسطينوس وتوما الأكويني ولوثر وجنسينيوس على ضعف الإنسان وفساده
للمحافظة على عظمة الله وأوّلية عمله.
ويذهب الملحدون المعاصرون، في
انتقادهم للمؤمنين، إلى القول إنّ مجرّد الإيمان بوجود الله هو انتقاص
لعظمة الإنسان. فإذا كان الإنسان، كما يقول ماركس، بحاجة إلى إله يمنحه
الحياة، فلا قيمة له البتة. فإمّا الله وإمّا الإنسان. والملحدون يختارون
الإنسان. أمّا المؤمنون فيرفضون هذا الإحراج ولا يرضون أن يختاروا بين
الله والإنسان.
أ) الاختيار الحرّ والحرّية المشروطة
منذ القرن
السابع عشر تركّزت الحرّية البشرية واقتصرت على الاختيار فكان معظم
اللاهوتيين يحدّدونها بقولهم "إنّها الإمكان الذي يتمتعّ به الإنسان في
اختيار عمل أو رفضه، في الاختيار أو عدم الاختيار". وكانت تلك الحرّية
تُعتبر مطلقة بحيث يستطيع الإنسان أن يختار ما يشاء، وقد نتجت من
العقلانية التي ترفض، كما يقول ديكارت، كل معرفة غير واضحة. أمّا الناحية
الوحيدة الواضحة في الحرّية فهي ناحية الاختيار، أن يختار الإنسان هذا
العمل أو ذاك. وعليه تبدو الخطيئة اختياراً حرّاً للشرّ.
إلاّ أنّ
الفلسفة المعاصرة قد أظهرت أنّ الحرّية الإنسانية ليست حرّية مطلقة بل
حرّية محدّدة في الزمان والمكان، تؤثّر فيها عوامل مختلفة وراثية وثقافية
وعرقية، ماضية وحاضرة. لذلك لا ينطلق العمل الحر من الصفر وكأنّ الإنسان
يمكنه أن يضرب صفحًا عن الماضي وعما حوله ليقوم بعمل حرّ مطلق، بل إنّ كلّ
عمل حرّ هو مشروط بأوضاع خاصة يجب أن ندرك كل أبعادها فنبني على الواقع
وليس على الوهم الخدّاع.
هكذا في علاقة الإنسان مع الله، لا يبدأ
الإنسان من لا شيء، بل إنّ عطاء الله ذاتَه للإنسان يسبق كل ما يستطيع هذا
القيام به، وحتى إدراك الله والوصول إليه.
ب) النعمة والحرّية
- لا اختيار بين الله والإنسان: إنّ نعمة الله لا تنافس حرّية الإنسان
يؤكّد
بعض اللاهوتيين المعاصرين أنّ نداء الملحدين إلى الاختيار بين الله
والإنسان هو نداء خاطئ، لأنّه لا يمكن أن يقوم تنافس بين الاثنين. يؤكّد
جان باتيستْ مِيتسْ، اللاهوتي الألماني، في كتابه "لاهوت العالم"،
استقلالية العالم والإنسان، فيقول إنّ من طبيعة الله ألاّ يهدم الوجود
البشري أو كيان الإنسان، بل أن "يجعله يكون"، و"يصيّره حراً". أمّا
سْخونِنبِرغْ، فإنه في كتاب له عن الله والإنسان كتبه باللغة الهولندية
سنة 1971، يرفض أيضاً الاختيار بين الله والإنسان ويقول: "في الخلق كما في
العهد نرفض الاختيار بين الله والإنسان، ففي كليهما الله وحده هو السبب في
تحقيق الإنسان ذاته بحرّية".
أجل، إنّ الله قد خلق الإنسان حرًّا ليصل
بملء حرّيته إلى تحقيق كمال ذاته. ولمّا ملكت الخطيئة في العالم، واستُعبد
لها الإنسان، أرسل لنا الله يسوع المسيح مخلّصًا ليحرّرنا من عبوديتنا
ويعيدنا إلى الحرّية: "إن حرّركم الابن صرتم في الحقيقة أحرارًا".
فلا
يقوم الخلاص إذًا على منح الإنسان طبيعة جديدة ليقوم بأعمال "فائقة
الطبيعة"، وكأنّما الله يصحّح الطبيعة الإنسانية التي خلقها وينظّم الوجود
الإنساني تنظيمًا جديدًا ليجعل منه وجودًا آخر. فالأمر الوحيد الذي يجب
تغييره هو استعباد الإنسان للخطيئة. فنحن بحاجة إلى تغيير أنفسنا لنحيا في
الحرّية الحقيقية التي خلقنا لأجلها، وليس الله هو بحاجة إلى تغيير خليقته.

ونعود فنقول إنّ الحرّية لا تقوم على إمكان الاختيار بين أمرين، بل
على إمكان تحقيق الإنسان ذاته والوصل إلى كمال كيانه. وما هو الإنسان؟
إنّه كائن مرتبط بالكون وبالآخرين وبالله. فالإنسان الحرّ هو الذي يحقق في
ذاته كلّ تلك العلائق مع الكون ومع الآخرين ومع الله. فالحرّية هي إذًا
هدف يسعى إليه الإنسان.
صفتان في الله تبدوان متناقضتين، تساميه
وحضوره في خلائقه. فالله هو أوّلاً المتسامي المتعالي، إنّه الله "تعالى"،
وقد يخيّل إلينا أنّ هذا التسامي هو الذي يجعل الله بعيدًا عن الإنسان،
إلاّ أنّه لا يناقض حضوره في خلائقه، بل على خلاف ذلك يكن في حضوره ومن
ثمّة لا تعود النعمة مساعدة تأتينا من الخارج، من بعيد، من أعالي السماء،
بل تتجلّى قوّة تنبع من أعماق ذواتنا، لأن الله هو في عمق ذواتنا.
والتأله،
لا يناقض التأنسن، أي أن يصبح الإنسان إلهًا (وتلك هي غاية النعمة)
وبالتالي إنساناً كاملاً. والنعمة التي هي حضور الله في الإنسان حضوراً
حيًا لتجعل منه ابن الله لا تهدف إلى تغيير طبيعته الإنسانية بل إلى جعلها
ما يجب أن تكون عليه وما خُلقت لأجله، أي طبيعة إنسانية نقيّة محرّرة من
كل ما يشوّهها. فهذا هو الخلاص الذي جاءنا به المسيح: أن يجعل الإنسان
صافيًا منقّى من كل ما هو غريب عن إنسانيّته، كالذهب الخالص الذي ينقّى من
كل الشوائب والأقذار. وهذا هو أيضاً قوام الحرّية. فلا تناقض إذًا بين
النعمة والحرّية. فالنعمة هي التي تجعل الإنسان يصل إلى ملء حرّيته.
النعمة تحرير الحرّية
بنظرة مماثلة يحدّد الفيلسوف واللاهوتي الفرنسي هنري دوميري حرّية الإنسان، ويرى في النعمة تحرير الحرّية.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://olaa-elmasry.yoo7.com
علا المصرى
الـمـؤ سس
الـمـؤ سس
علا المصرى


عدد المساهمات : 22760
نقاط : 30252
السٌّمعَة : 2
تاريخ التسجيل : 15/12/2013

 "اللاهوت المسيحي والإنسان المعاصر"  - صفحة 4 Empty
مُساهمةموضوع: رد: "اللاهوت المسيحي والإنسان المعاصر"     "اللاهوت المسيحي والإنسان المعاصر"  - صفحة 4 Icon_minitimeالأحد 10 أغسطس 2014, 7:44 pm

ما هي الحرّية؟
يقول دوميري إن الإنسان كائن روحي يظهر كيانُه في
ما يضفيه على أعماله من معانٍ وقيم. فأعماله كلّها والمعاني والقيم التي
تتّسم بها لا تُفرض عليه آخر بل إنّما هي من إبداعه. لا شكّ أنّ هذا
الكائن الروحي لم يخلق نفسه بنفسه، بل إن الله هو الذي خلقه. وهنا لا بدّ
من تأكيد الفرق الجوهري بين الله الخالق والإنسان المخلوق، ومن ثمّ
التأكيد أيضًا أنّ الله هو فوق كل كيان وكل ماهية وكل معنى وكل قيمة.
لذلك، وإن كان قد خلق الإنسان، فقد خلقه كائنًا روحيًّا، أي إنّه قد ترك
له أن يقوم بأعماله قيامًا شخصيًا ويضفي عليها المعاني والقيم التي بها
يصير ما هو عليه ويتّحد بالله الذي منه استقى الكيان والوجود.
فالإنسان
كائن روحي بقدر ما يضطلع بذاته وبالعالم اضطلاعًا خاصًا به، وإن بالانسجام
مع السبل التي بها يضطلع الآخرون بذواتهم وبالعالم، فينتج أنّ الإنسان هو
الذي يعطى ذاته شريعة عمله ويحدّد الشروط الضرورية له، لكونه في آن واحد
عقلاً يحقّق ذاتَه في ما يعقله، وجسدًا به يرتبط بالعالم الخارجي ليسوده.
"فكلٌّ منّا بحسب قول دوميري، إنسانية متشعّبة. إنه، في آن واحد، كائن
روحي ووعي لذاته في الزمن ومن خلال ما يدركه. في قمّته المطلق وعلى أقدامه
العالم. أو بالأحرى الله حاضر فيه وإن كان عليه متساميًا، والكون متضمّن
فيه وإن كان خارجًا عنه. أمّا الأنا فهو وظيفة الحضور إلى الذات على مدى
المسير. إنّه في كل المستويات فيَ طرق يعاد تصحيحها باستمرار ولكن يضطلع
هو نفسه بها. من دون هذا الأنا يصير كلٌّ منّا حتمًا عدة أشخاص. أمّا به
فيبقى كل إنسان وحدة متعدّدة، بنية متشعّبة وموحَّدة في آنٍ واحد"
هذا
الفعل- الشريعة هو نفسه الحرّية التي يمكن التعريف بها أنّها "إرادة تضطلع
بأهلها ضمن معطيات محدّدة". فلا وجو لحرية مطلقة: إنّما وجودها وعملها هما
حتمًا ضمن معطيات تجد ذاتها فيها على مستويات مختلفة إمّا خارجًا عنها
(كظروف الحياة واللقاءات والتأثيرات)، وإمّا داخلها (كالبنى النفسيهّ
وردود الفعل عام أحداث الماضي). وهذه المعطيات لا وجود لها بالنسبة إلينا
إلاّ ضمن بنية الوعي الإنساني؟ وكما أن الوعي الإنساني لا يكون وعيًا إلاّ
لمعطيات معينة. لذلك يخطئ فهمَ الحرية الإنسانيّة من يظنّ أنّ الحرّية
تبدأ عندما يتخلّص الإنسان من المعطيات السابقة. ففي أي عمل حرّ كلُّ شيء
معطى وكلُّ شيء عمل الإرادة. الحرّية هي دومًا حرية ضمن معطيات وأوضاع
معيّنة، ويعود إلى الحرّية تحويلها إلى ممكنات تخلق في إطارها ما تراه
مناسبًا من معانٍ وقيم روحية لتحقيق ذاتها. فالحرّية تكمن إذاً في التحرّر
في سبيل تحقيق الذات.
إنّ الإنسان يحيا ويلتزم قضايا متنوّعة في حياته،
إلاّ أنّه في التزامه يجب عليه تجنّب السقوط في شباك تلك القضايا لئلاّ
تأسره في أطرها، لا بل عليه أن يعدّها سبيلاً إلى مزاولة حريته. إنّ
الإنسان حرّ، أي إنّه يتحرّر في ما يقوم به من أعمال في تاريخ حياته وخبرة
وجوده. لذلك يمكننا القول إنّ الإنسان هو الذي يعطي ذاته باستمرار هويته
الخاصة التي هي الحرية.
هذا التعريف بالحرّية نجده أيضًا عند الفيلسوف
الفرنسي جان بول سارتر، إلاّ أنّ هذا يرفض أن يكون للحرّية أساس خارجًا
عنها، وينكر بالتالي وجود إله مطلق، أمّا دوميري فيرى أنّ الله هو مبدأ
حرّية الإنسان، وهو فوق كل نظام وكل شريعة وكل قاعدة مسلكية، فالأنظمة
والشرائع والقواعد المسلكية لا يمكن الإنسان أن يجدها قبله وقد جهّزها
هوله، إنّما على الإنسان أن يحدّدها ويضعها بنفسه. وهكذا يجيب دوميري على
خوف سارتر من أن يقيّد الاعتراف بوجود الله حرّية الإنسان أو يزيلها.
النعمة ضمن الحرّية
من
هذا الملحظ لا تعود النعمة مساعدة فائقة الطبيعة تضاف إلى الحرّية من
الخارج، بل إنّما تُكتَشف ضمن حرية الإنسان. فكيف نفسّر أنّ الحرّية لا
يمكنها الاكتفاء بأيّ نظام تضعه وأنّها تجزع من فقدان ذاتها في ماتضعه، إن
لم نعترف بأنّها تحمل في ذاتها اقتضاء المطلق؟ إنّ الحرّية تحيا في حالة
ملتبسة لا يمكنها الخروج منها بقواها الذاتية، ولا يمكن الإنسِان أن
يتجاوز وضعه إلاّ بالاعتراف بالمطلق واللامتناهي كمصدر للحرّية ومثال لها،
والنعمة، كوحي من الله، هي ظهور هذين المصدر والمثال في التارّيخ، وهي في
الإنسان مشاركته حرّيةَ الله المطلقة برفضه كل نظام سابق.
وهكذا يصل
دوميري إلى التعريف بالنعمة أنها "تحرير الحرّية". ويعطي مثالاً على ذلك
من موضوع المحبّة فالمحبّة لا تقوم على محبّة الآخر حبًا بالله، فهذه
أنانية، بل على محبّة الآخر على مثال الله، أي كما يحبّه الله، وهذا أكثر
تطلّبًا. فالحرّية، يقول أوغسطينوس، هي حبّ الخير حبًّا ثابتًا وممتلكًا
ذاته بحيث "يكون الإنسان حرّاً حقّاً عندما يصير موضوع غبطته الحرية
ذاتها". فالحرّية تكون كافلة عندما يتصرّف الإنسان حبًّا بالغبطة المحرّرة
التي تعتقه من الخطيئة، وتأتي بالتالي النعمة عبورًا داخليًا إلى الحرّية
الكاملة.

إنّ المحبّة، وتد حرّرتها النعمة، لا يمكنها الوقوع في المثالية، وإن
اعتبرنا أنّها هي التي تحدّد موضوعها، إذ إنّها تتوجّه إلى العالم كما هو
وإلى الناس كما هم. بيد أنّها إن توجّهت إلى العالم كما هو، فإنّها ترفض
حدوده، وإلى الناس كما هم، فإنّها ترفض تصوّراتهم الضيّقة: "فالإنسان،
يقول دوميري، يتجاوز ما لا يمكنه أن يستغني عنه".
في تلك النظرة للنعمة
نجد الجواب على الانتقادات التي يوجّهها الفلاسفة، من أمثال نيتشه وسارتر،
إلى تدخّل الله في عمل الإنسان لإزالة حرّيته وإبداعيته ليس خارجًا عن
الإنسان بل إنّ نعمته تعمل داخل إطار حرّيته ذاتها ومن خلالها وهي ليست
عمل خلاص يأتي الإنسان من شخص آخر. إن المطلق ليسَ شَخصًا آخر، واعتبار
الله كائنًا آخر يضع الله على مستوى الإنسان، في حين أنّه يسمُو فوق كل
كيان وكل نظام. لذلك لا تناقض ممكن بين النظام البشري الطبيعي والنظام
الإلهي، فالمطلق لا يقضي على النظام الطبيعي بل هو أساسه. واعتبار المطلق
أساس النظام الطبيعي يمنع هذا النظام من الانغلاق على نفسه واعتبار ذاته
مطلقًا، كما يمنع الإنسان "الذي يرغب رغبة لامتناهية في اللامتناهي" من
فقدان تلك الرغبة في النظام الطبيعي غير المتناهي.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://olaa-elmasry.yoo7.com
 
"اللاهوت المسيحي والإنسان المعاصر"
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 4 من اصل 5انتقل الى الصفحة : الصفحة السابقة  1, 2, 3, 4, 5  الصفحة التالية
 مواضيع مماثلة
-
» اللسان والإنسان
» مظاهر ثقافة الإنسان المعاصر
» 1. الخصائص الطقسية والمناخية والإنسان:
» هل للتنجيم مكان في عالمنا المعاصر؟ نجم منجم توقعات الابراج
» «الأزهر» تجوز شهادة المسيحي على زواج المسلم.. في حالة واحدة

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
علا بنت الشاطىء :: المنتديات المسيحية العامة :: الطقس والعقيدة والاهوت-
انتقل الى: