الشاعر / علي محمود طه المهندس
ولد علي محمود طه في الثالث من آب /أغسطس عام 1901بمدينة (المنصورة )عاصمة (الدقهلية ) الواقعة فرع دمياط من نهر النيل ينحدر أسرة من الطبقة الوسطى وقضى فيها صباه.
تعلّم في الكُتّاب مبادئ القراءة والكتابة والحساب، وحفظ القرآن الكريم، ثم درس بمدينة ( المنصورة ) المرحلة الابتدائية ثم التحق بمدرسة الفنون التطبيقية في (القاهرة) ، حيث تخرج سنة \1924حاملاً شهادة تؤهله لمزاولة مهنة هندسة المباني ولهذا لقب بالمهندس.
وعلى الرغم من دراسته العلمية، مال الى الامور الأدبية واستهوته كثيرًا, وخاصة الشعر فقرأ العديد من دواوين الشعر ومختارات الأدب فاحب الشعر والادب عمَّق ثقافته الادبية والشعر .
اشتغل علي محمود طه مهندساً لسنوات طويلة وتدّرج في السلك الوظيفي حتى أصبح وكيلاً لدار الكتب المصرية ثم تيَسَّرَ له الاتصالُ ببعض الساسة فرشح للعملَ في مجلس النواب. وقد عاش
حياة سعيدة هانئة لينعم بملذات الحياة ورفاهيتها كما تشتهي نفسه الشاعرة.
أخذ الأدب الغربي يؤثر على الأدب العربي يزداد تاثيره منذ الثلاثينيات منذ القرن العشرين بعد ظهور مدرسة ابوللو كمدرسة نقدية شعرية اسسها الشعراء احمد زكي ( ابوشادي) وجبران خليل جبران وامل دنقال وعبدالوهاب البياتي وكان الشاعر علي محمود طه من أبرز أعضائها.
صدر ديوانه الاول ( الملاح التائه ) والذي اخذ عنوانه من عنوان قصيدة له في ديوانه بنفس الاسم فيقول فيها :
أيّها الملاح قم و اطو الشّراعا
لم نطو لجّة اللّيل سراعا
جدّف الآن بنا في هينة
و جهة الشّاطئ سيرا و اتّباعا
فغدا يا صاحبي تأخذنا
موجة الأيّام قذفا و اندفاعا
عبثا تقفو خطا الماضي الذي
خلت أنّ البحر واراه ابتلاعا
لم يكن غير أويقات هوى
وقفت عن دورة الدّهر انقطاعا
فتمهّل تسعد الرّوح بما
وهمت أو تطرب النّفس سماعا
ودع اللّيلة تمضي إنّها
لم تكن أوّل ما ولّى وضاعا
سوف يبدو الفجر في آثارها
ثمّ يمضي في دواليك تباعا
هذه الأرض انتشت ممّا بها
فغّفت تحلم بالخلد خداعا
قد طواها اللّيل حتى أوشكت
من عميق الصّمت فيه أن تراعا
إنه الصّمت الذي في طيّه
أسفر المجهول و المستور ذاعا
سمعت فيه هتاف المنتهى
من وراء الغيب يقريها الوداعا
أيّها الأحياء غنّوا و اطربوا
و انهبوا من غفلات الدّهر ساعا
آه ما أروعها من ليلة فاض
في أرجائها السّحر و شاعا
نفخ الحبّ بها من روحه
و رمى عن سرّها الخافي القناعا
و جلا من صور الحسن لنا
عبقريّا لبق الفن صناعا
نفحات رقص البحر لها
و هفا النّجم خفوقا و التماعا
و سرى من جانب الأرض صدى
حرّك العشب حنانا و اليراعا
بعث الأحلام من هجتها
كسرايا الطّير نفّرن ارتياعا
قمن بالشّاطئ من وادي الهوى
بنشيد الحبّ يهتفن ابتداعا
أيّها الهاجر عزّ الملتقى
وأذبت القلب صدّا و امتناعا
أدرك التائه في بحر الهوى
قبل أن يقتله الموج صراعا
وارع في الدّنيا طريدا شاردا
عنه ضاقت رقعة الأرض اتّساعا
ضلّ في اللّيل سراه ، و مضى
لا يرى في أفق منه شعاعا
سافر بعد صدور ديوانه الاول الى اوربا بقصد السياحة و قضاء فصل الصيف فيها فاستمتع بماهج الحياة الاوربية واطلع على الادب الغربي وتوسعت مداركه الشاعرية وصقل ذوقه الفني بما راى من حياة مترفة وثقافة عالية خاصة في مجال الشعر والادب وتعرفه على الشعراء الفرنسيين مثل لامارتين وبودلير وفرلين شعراء المدرسة الابداعية في فرنسا جعلته يحتل المكانة المرموقة بين الشعراء العرب بعد عودته الى الوطن اصداره ديوانه الثاني ( ليالي الملاح التائه ) الذي تاثرت قصائده بهؤلاء الشعراء فكانت قصائدة تؤسس الى فلسفة ابداعية بجانب قصائده الوجدانية التي اسنوحاها من مشاهد مدينته ( المنصورة) .
تعرف علي محمود طه في مطلع شبابه على فتاة يونانية ثرية في مدينة( المنصورة ) فاحبها فكانت مصدرا للعديد من قصائده الغزلية والعاطفية ولكنه لم يوفّق في حبّه لها فتركها ثم أحبّ بعد ذلك امرأة ألمانية متزوجةلكنه ولم يتزوجها فعاش حياته دون أن يتزوج، وعرف مجالس الطرب والشراب واللهو مما أثر في شاعريته الفياضة و كان شعره صدى لتجاربه في حياته الصاخبة يقول :.
صاحَ بالشَّمْسِ: لا يَرُعْكِ عذابي
فاسْكبي النَّارَ في دمي وأريقي
نارُكِ المشتهاةُ أندى على القَلْ
بِ وأحنى منَ الفؤادِ الشَّفِيقِ
فخذي الجسمَ حفنةً من رمادٍ
وخذي الروحَ شعلةً من حريقِ
جُنَّ قلبي فما يُرى دَمُهُ القا
ني على خنجرِ القضاءِ الَّرقِيقِ!
كان كثير السفر إلى أوربا،بعد سفرته الاولى التي تحدثت عنها في رحلاته الصيفية التي بدأت منذ سنة\ 1938، فزار عدداً من بلدان أوربا وبدأها بفرنسا فأحدثت زياراته إلى تلك البلاد انقلاباً في نفسيته، وتفتحت أمامه افاق ثقافية ادبية و شعرية جديدة، فلما زارمدينة فينسيا (البندقية) في صيف 1938، حضرالاحتفال السنوي فيها نظم قصيدته (أغنية الجندول)التي غنّاها موسيقلر العرب محمد عبد الوهاب، فنالت شهرة شهرة واسعة ومطلعها :
أين من عينيّ هاتيك ألمجالي
يا عروس البحر يا حلم الخيــــال
وفي وفي نهاية صيف عام \1949 أُصيب بشلل نصفّي مفاجىء وصعب ، فدخل إلى المستشفى في القاهرة، ولما أخبره الطبيب بعدم مقدرته السير وأنه لا يستطيع العودة إلى بيته ارتدى ملابسه، وحاول الخروج فعاجلته المنية قبل أن يتخطّى باب المستشفى فوقع ميتا في باب المستشفى وكان ذلك في اليوم السابع من نوفمبر( تشرين الثاني) 1949
ودفن في مسقط راسه بمدينة المنصورة .
ترك لنا الشاعر علي محمود طه المهندس العديد من المجاميع الشعرية الطافحة بالقصائد الرومانسية الرائعة وهي كما يلي :
الملاح التائه
ميلاد الشاعر
الوحي الخالد
ليالي الملاح التائه
أرواح وأشباح
شرق وغرب
زهر وخمر
أغنية الرياح الأربع – مسرحية شعرية
الشوق العائد
رثا ئيات
أرواح شاردة – كتاب في النثر
و طبع في بيروت ديوانه كاملا وضم كل هذه المجموعات الشعرية التي اصدرها .
ترك الشاعراثرا واسعا على الشعراء الذين جاءوا بعده وقد كتب في جميع الأغراض الشعرية وفنون الشعرالمختلفة كالغزل والرثاء والمدح والفلسفة والحكمة والوصف والتأمل. وتنوعت قوافيه وفنونه، ويمتاز شعره بالصور الشعرية الحسية التي رسمها في قصائده من خلال النزعة الرومانسية التي بدت غامرة والتي كانت صدى لرغباته واهتماماته .
ويشتهر بقصائده الوطنية التي تكشف عمق التصاقه بوطنه وحبه له في وقت نهضت فيه الامة العربية من سباتها وكانت في بداية نهضتها ولا يزال الاستعمارالاجنبي جاثما على ارضها ومقتطعا بعض اجزائها كفلسطين فكانت فكانت هذه القصائد مشاعل من نور ونار يقول :
اخي جاوز الظالمون المدى
فحق الجها د وحق الفدا
اتركهم يغصبون العروبة
مجد الابوة والسؤدد ا
وليسوا بغير صليل السيوف
يجيبون صوتا لنا او صدى
فجرد حسامك من غمده
فليس له بعد ان يغمد ا
اخي ايها العربي الابي
اري اليوم موعدنا لا غدا
اخي اقبل الشرق في امة
ترد الضلال وتحي الهد ى
اخي ان في القدس اختا لنا
اعد لها الذابحون المدى
صبرنا على غدرهم قادرين
وكنا لهم قدرا مرصدا
اخي قم الى قبلة المشرقين
لنحمي الكنيسة والمسجدا
يسوع الشهيد على ارضها
يعانق في جيشه احمدا
اخي ضمئت للقتال السيوف
فاورد سباها الدم المصعدا
ويقول ايضا :
هذي سماؤك أنغامٌ و أضواءُ
غنّاكِ داودُ أم حيّاكِ سَيْناءُ
أمِ النّبيّونَ قد أَزْجَتْ سفائنَهُم
موعودةٌ من ليالي النّيلِ قَمراءُ
أم طالعَتْكَ مِن السّحرِ القديمِ رُؤىً
وعلى شدو الثّرى و الرّيحُ و الماءُ
أم جاءَ طَيْبةَ من أربابِها نبأٌ
أ أ م أنّ كُهّانَها بالوحي قد جاؤوا
أم سارَ عَمرٌو بِنورِ الفَتحِ فَائْتَلَقَتْ
به زَبَرْجَدةٌ في الشَّطِّ خَضراءُ
ماجَتْ خمائِلُ بالبشرى و أوديةٌ
فهُنَّ فاكهةٌ تَنْدى و صَهْباءُ
يا مِصرُ، ذلك يومُ المُلْتَقى،
صباحِهِ قَدِمَ الرُّسْلُ الأجلاّءُ
في المناجاة والتامل يقول :
إذا ما طاف بالشرفةِ ضوءُ القمرِ المُضْنَى
ورفّ عليك مثل الحلم أو إشراقة المعنى
وأنت على فراش الطهر كالزنبقة الوسنى
فضُمِّي جسمك العاري وصوني ذلك الجسم
ومن شعره الغزلي يقول:
حبيبة قلبي نأت دار ها
و لم تنأ عنّي و عن ناظري
أرى وجهها مشرقا بالجمال
يطلّ من الشّاطئ الآخر
هو النّهر يفصل ما بيننا
مدلا بتمساحه الغادر
نوسّد رملته شاخصا
إليّ و ما كنت بالخائر
إليها على رغمه فلأخص
غوارب تيّاره الثائر
إذا ما تقاذفني موجه
و سال على بدني الضّامر
مضيت كأنّي على مائه
أنيل الثّرى قدمي عابر
لقد حال سابسة ماؤه
بسلطان هذا الهوى السّاحر
و صيّرني سحر هذا الهوى
و بي قوة القادر الظّافر
ألا إنّ سلطان هذي المياه
ليعنو سلطانها القاهر
ومن قصائده المغناة قصيدة ( كليوباترا) و(اخي جاوز الظالمون المدى) واغنية ( الجندول) التي اختم في بحثي هذا وفيها يقول:
أين من عينيّ هاتيك ألمجالي
يا عروس البحر يا حلم الخيــــال
أين عشاقك سمّار الليالــــــي
أين من واديك يا مهد الجمــــــال
موكب الغيد وعيد الكرنفـــــال
وسري الجندول في عرض القـنال
بين كأس يتشهى الكـــــرم خمــــــــره
وحبيب يتمني الكـــــــأس ثغــــــــــره
التقـــت عينــي بــه أولّ مـــــــــــــــرّه
فعرفت الحــب مــن أولّ نظـــــــــــــــره
أين من عينيّ هاتيك ألمجالي
يا عروس البحر يا حلم الخيــــــــال
مرّ بي مستضحكا في قرب ساقي
يمزج الــــراح بأقــــداح رقـــــــاق
قد قصدنــاه علي غيـر اتفـــــاق
فنظرنــــا وابتسمنــا للتلاقــــــــــي
وهو يستهدي علي المفــــرق زهــــــــــره
ويسوى بيد الفتنــــــة شـــــــــــــــعره
حين مســت شــفتي أولّ قـــــــــــــــطره
خلتـه ذوّب فــــي كأســــي عــــــــــطره
أين من عيني هاتيك المجالـــي
يا عروس البحر يا حلم الخيـــــــــــال
ذهبي الشعر شرقي السمــــات
مــرح الأعطاف حلــــو اللفتـــــــــات
كلما قلت له خـذ قال هــــــات
يا حبيب الروح يا أنس الحيـــــــــــاة
أنا مــــن ضيع في الأوهـــــام عـــــــــمره
نســــي التاريخ أم أنســــي ذكــــــــــره
غير يوم لـــم يعـــد يذكـــــر غيــــــــره
يوم أنّ قابلتـــــــــه أولّ مـــــــــــــــــرّه
أين من عينيّ هاتيك المجالــي
يا عروس البحر يا حلم الخيـــــــــــال
قال من أين وأصغـــي ورنــــا
قلت مـن مصـــر غريــب ههنـــــــــــا
قال إن كنت غريبــــا فأنـــــا
لم تكـن فينيسيــــا لـيّ موطنــــــــــــا
أين منــــي الآن أحلام البحيـــــــــــــرة
وسماء كســـــت الشطـــــــآن نــــــضرة
منزلـــي منهــا علــي قمــة صخــــــــرة
ذات عين مــن معـــين المــــــــاء ثـــــــّره
أين من عينيّ هاتيك المجالــي
يا عروس البحر يا حلم الخيــــــــــال
قلت والنشوة تسري في لسانـي
هاجت الذكري فأين الهرمـــــــــــــان
أين وادي السحر صداح المغانــي
أين مـــــاء النيــل أين الضفتـــــــــــان
آه لو كنـــــت معــــي نختـــال عبـــــــره
بشــــــراع تسبـــــح الأنجـــــــم إثـــــره
حيث يــــروي المـــــوج في أرخـــم نبـــــره
حاـــم ليــــل مـن ليــــالي كليوباتـــــــــره
أين من عينيّ هاتيك المجالـــي
يا عروس البحر يا حلم الخيـــــــــــال
أيها الملاح قـف بين الجســـــور
فتنــة الدنيـــــا وأحلام الدهــــــــــــور
صفـق المــوج لولدان وحــــــــور
يغرقــون الليــل فــي ينبـــوع نـــــــــور
مــا تــري الأغيــــد وضـــــاء الأســـــــره
دق ّ بالســـــــاق وقــــد أسلــــم صــــــدره
لمحـــــب لـــف بالســــاعد خــــــــــصره
ليــــت هـــــذا الليـــــل لا يطلــع فجــــره
أين من عينيّ هاتيك المجالـــي
يا عروس البحر يا حلم الخيـــــــــــــــال
رقـص الجندول كالنجــم الوضيّ
فاشــدُ يامـــلاّح بالصـــوت الشجـــــــــــي
وترنـًّم بالنشيــــد الوثنـــــــي
هــــذه الليلـــــة حلـــــــم العبقـــــــــــري
شاعـت الفرحــة فيهــــا والمســـــــــــــرّه
وجــلا الحـــــبٌّ علــي العشاق ســـــــرّه
يمنــةً مِـل ْ بــــي علــــي المـــــاء ويســره
إن للجـــــندول تحــــــت الليــل سحــــره
أين يا فينسيا هاتيك المجالــي
أين عشـــــــاقك سمّـــــــار الليـــــــــالي
أين من عينيّ يا مهد الجمــــال
موكــب الغــــيد وعيــــد الكرنفــــــــــال
يا عروس البحر يا حلم الخيــــــــــــــال