الخصائص الوظيفية للبن الإبل
برز في العقدين المنصرمين مفهوم "الأغذية الوظيفية" Functional Foods
نتيجة لتطور الفهم العلمي لدور بعض الأغذية كمصدر للعناصر الغذائية
فحسب إلى مصدر لمركبات حيوية نشطة تسهم في الحد من الإصابة بالأمراض
أو الوقاية منها والتخفيف من حدتها، بالإضافة إلى العناصر الغذائية الأساسية.
ونتيجة للتطور الحاصل في البحث العلمي حول لبن الإبل،
فقد تطورت النظرة إلى القيمة الغذائية والصحية لهذا المنتج من كونه مصدراً للبروتينات
والأحماض الأمينية فقط، إلى مصدر متميز للعديد من المركبات النشطة ذات الخصائص الوظيفية
والصحية المتعددة، ما يجعل من لبن الإبل مرشحاً للانضمام إلى قائمة الأغذية الوظيفية.
وخلال العقود المنصرمة، أظهر عديد من الدراسات العلمية أن للبن الإبل كثير من الفوائد الصحية،
فضلاً عن الغذائية، نتيجة لوجود تلك المركبات الحيوية النشطة طبيعياً في لبن الإبل.
وتؤكد أوجه الاستعمال الكثيرة التي تعارف الناس عليها منذ مدد طويلة من الزمن
وفي عدد من المجتمعات البشرية، أن للبن الإبل الطازج أو المخمر فوائد صحية،
وقد استخدم في علاج العديد من الامراض مثل الخرب واليرقان والسل الرئوي
والأزمة الصدرية واللشمانيا أو الداء الأسود. ولذا فقد قام العلماء بسبر
أغوار تلك المركبات لتحديد ماهيتها وكمياتها وطرائق تأثيرها على صحة الجسم، فكان منها:
1. التأثير المخفض لارتفاع ضغط الدم: ويعزى إلى قدرة بروتينات لبن الإبل على منع
وتثبيط إنزيم يرمز له بالرمز ACE، وهو إنزيم مسؤول
عن رفع ضغط الدم من خلال زيادة قدرة الجسم على حبس السوائل ومنع طرحها خارجاً.
ويزداد هذا التاثير المخفض لارتفاع الضغط من خلال تخمير لبن الإبل وإنتاج اللبن الرائب منه،
حيث تسهم البكتيريا النافعة المسؤولة عن التخمر في زيادة كمية البروتينات المثبطة لهذا الإنزيم.
2. التأثير المخفض لكولسترول الدم: أظهرت نتائج عدد من الدراسات التجريبية على الإنسان
والحيوان قدرة لبن الإبل على خفض كولسترول الدم.
وقد تعددت الفرضيات التي وضعت لتفسير هذا التأثير، فكان منها
وجود حمض الاوروتيك Orotic acid وغيرها من الفرضيات التي تتمحور
حول دور بروتينات اللبن في الحد من ارتفاع كولسترول الدم.
3. التأثير المخفض لسكر الدم: أظهرت نتائج الدراسات العلمية
أن للبن الإبل دوراً مباشراً في خفض سكر الدم، وأكدت ذلك الدراسات
التي أثبتت أن قبيلة الرايكا الهندية تمتاز بتدني الإصابة بداء السكري بين أهلها،
نتيجة لارتفاع مستوى استهلاكهم للبن الإبل بالمقارنة مع غيرهم من السكان.
كما أظهرت دراسات أخرى أن للبن الإبل قدرة على ضبط مستوى السكر
في حيوانات التجارب المصابة بداء السكري من النوع الاول.
ويعزى هذا التأثير إلى احتواء لبن الإبل على كميات كبيرة من
مركبات طبيعية شبيهة بالانسولين المسؤول عن ضبط سكر الدم،
كما أن لصغر حجم البروتينات المناعية في لبن الإبل دوراً في
التقليل من ارتفاع سكر الدم من خلال تأثيرها الإيجابي
على خلايا بيتا المفرزة لهذا الهرمون المنظم.
4. التأثير المضاد للأحياء المجهرية: أظهرت العديد من الدراسات قدرة لبن الإبل
على مقاومة ومنع نمو الأحياء الدقيقة الممرضة مثل البكتيريا الموجبة
لصبغة غرام مثل الليستيريا والاشيريشية القولونية والعنقودية الذهبية والسالمونيلا.
وكما ذكر سابقاً،
فإن هذا التأثير يعزى إلى وجود مركبات مانعة لنمو الجراثيم
مثل إنزيم اللايسوزيم وبروتين اللاكتوفيرين وإنزيم اللاكتوبيروكسيديز
والبروتينات المناعية المختلفة، وهي مركبات تتواجد بكميات أكبر في
لبن الإبل بالمقارنة مع لبن البقر. ومع أهمية هذه الخاصية من الناحة الصحية،
إلا أن لها تأثيراً سلبياً في عملية صنع اللبن الرائب من لبن الإبل،
بفعل إنزيم اللايسوزيم الذي يعمل على إطالة الوقت اللازم لتكوين خثرة اللبن.
5. التأثير المخفض للتحسس. اقترح لبن الإبل مؤخرا ليكون الخيار الأفضل للذين
يعانون من مرض تحسس بروتين اللبن البقري،
وهو بديل أفضل من لبن فول الصويا الذي أظهرت الدراسات العلمية
أنه يسبب التحسس كذلك لعدد من هؤلاء المرضى.
الخاتمة:
إن النتائج التي أبرزتها الدراسات العلمية الحديثة تؤكد أهمية لبن الإبل
كأحد الأغذية الوظيفية والصحية المهمة،
الأمر الذي يدفعنا إلى مزيد اهتمام بإكثار الإبل وزيادة أعدادها وتضخيم مزارعها،
وكذا الاهتمام بلبنها من خلال تحسين ظروف ومدخلات إنتاجه وتطوير منتجاته،
فضلاً عن تكثيف البحوث العلمية حول علاقته بالعلاج والوقاية من الأمراض المزمنة
والمستعصية التي يزداد انتشارها في بلادنا يوماً بعد يوم،
وخاصة السكري وأمراض القلب الوعائية والمتلازمة الأيضية وأنواع السرطان المختلفة.