أطباء > ابن جميع
ابن جميع
ابن جميع هو الشيخ الموفق شمس الرياسة أبو العشائر هبة اللّه بن زين بن حسن بن أفرائيم بن يعقوب بن إسماعيل بن جميع الإسرائيلي. كان من مشهوري الأطباء ومذكوري العلماء كثير الاجتهاد في صناعته حسن المعالجة للمرضى جيد التصنيف.
قرأ الطب على الشيخ الموفق أبي نصر عدنان بن العين زربى ولازمه مدة.
ولد ابن جميع بفسطاط مصر وخدم الملك الناصر صلاح الدين يوسف بن أيوب وكان رفيع المنزلة عنده نافذ الأمر يعتمد عليه في الطب.
كان لابن جميع مجلس عام للذين يشتغلون عليه بالطب فذكر الشيخ السديد بن أبي البيان أنه قرأ صناعة الطب على ابن جميع وذكر أنه كان كثير التحصيل في صناعة الطب متصرفا في علمها فاضلا في أعمالها.
كان لابن جميع نظر في العربية وتحقيق للألفاظ اللغوية وكان لا يقرىء إلا وكتاب الصحاح للجوهري بين يديه ولم تمر كلمة لغوية لم يعرفها على حقيقتها إلا كشف عنها واطلع على حقيقتها.
قال ابن أبي أصيبعة صاحب الطبقات الذي نلخص عنه هذه الترجمة قال حدثني بعض المصريين إن ابن جميع كان يوما جالسا في دكانه عند سوق القناديل بفسطاط مصر وقد مرت عليه جنازة فلما نظر إليها صاح بأهل الميت وذكر لهم بأن صاحبهم لم يمت وإنهم إن دفنوه فإنما يدفنوه حيا. قال فبقوا ناظرين إليه كالمتعجبين من قوله ولم يصدقوه فيما قال. ثم إن بعضهم قال لبعض هذا الذي يقوله ما يضرنا، إننا نمتحنه فإن كان حقا فهو الذي نريده وإن لم يكن حقا فما يتغير علينا شيء فاستدعوه إليهم، وقالوا بيّن الذي قد قلت لنا فأمرهم بالمسير إلى البيت وأن ينزعوا عن الميت أكفانه وقال لهم احملوه إلى الحمام ثم سكب عليه الماء الحار وأحمى بدنه ونطله بنطولات وعطسه فرأوا فيه أدنى حس وتحرك حركة خفيفة. فقال ابشروا بعافيته ثم تمم علاجه إلى أن أفاق وصلح فكان ذلك مبدأ اشتهاره بجودة الصناعة والعلم، وظهرت عنه كالمعجزة ثم أنه سئل بعد ذلك من أين علمت أن ذلك الميت وهو محمول وعليه الأكفان أن فيه روحا فقال إني نظرت إلى قدميه فوجدتهما قائمتين وأقدام الذين قد ماتوا تكون منبسطة فحدست أنه حي وكان حدسي صائباً.
مؤلفات ابن جميع الإرشاد لمصالح الأنفس والأجساد وهو أربع مقالات. والتصريح بالمكنون في تنقيح القانون. ورسالة في طبع الإسكندرية وحال هوائها ومياهها ونحو ذلك من أحوالها وأحوال أهلها. ورسالة إلى القاضي المكين أبي القاسم علي بن الحسين فيما يعتمده حيث لا يجد طبيبا ومقالة في الليمون وشرابه ومنافعه ومقالة في الراوند ومنافعه. ومقالة في الخدبة ومقالة في علاج القولنج واسمها الرسالة السيفية في الأدوية الملوكية.
لما توفي ابن جميع رثاه يوسف بن هبة اللّه بن مسلم بقصيدة نثبتها إدلالا على عدم حقد المسلمين على من يخالفهم في الدين وإنهم إنما ينظرون للكفايات الذاتية، لا للعقائد الدينية وربما أفرطوا، قال:
أعيني بما تحوي من الدمع فاسجمي
وإن نفدت منك الدموع فبالدم
فحق بأن تذري على فقد سيد
فقدنا به فضل العلى والتكرم
وأفضل أهل العصر علما وسؤددا
وأفضلهم في مشكل القوم مبهم
واعداهم بالرأي والأمر مبهم
واعلمهم بالغيب علم تفهم
وارحبهم صدرا وكفا ومنزلا
ووجها كمثل الصبح عند التبسم
وأنجد من يممته لملمة
وأنجد من أملته لتألم
إلى أن قال:
وأهدي إلى الداء الخفي بعلمه
إذا حال بين اللحم والعظم والدم
وارفع بيتا في القبيل مكارما
كما لاح بدر التم ما بين انجم
فيا أيها المولى الموفق أين ما
رأيناه الن در الكلام المنظم
وما غال ذاك النطق أفصح مقول
ينير دجا ليل من الشك مظلم
وما أخمد الحس الذكي توقد
اوقد كان يهدي كل سار ميمم
لعمرك ما قلب الشجى كغيره
ولا محرق الأحشاء كالمتجشم
ولا كل من أجرى المدامع ثاكل
وأين جميل في الأسى من متمم
فلا تعذلوني إن بكيت تأسفا
فقد كان عظم الحزن قدر المعظم
وواللّه ما وفيت واجب حقه
ولو أن جسمي كل عين بمرزم
إني لافني مدة العمر والها
تصرم أيامي ولم يتصرم
فويح المنايا ما درت كنه حادث
رمت سيدا يحيي به كل منعم
ثوى بين أحجار الثرى ولقد غدا
يضوع به النادي ذكي التبسم
وطلق المحيا رائق البشر باسما
وليس بغض الخلق كالمتجهم
وقد كنت أهديه الثناء مبجلاف
ها أنا أهديه الرثا جهد معدم
فيا قبره الوضاح لم يدر ما حوى
ترابك من جود ومجد مخيم
سقاك من الوسمي كل سحابة
تحيل عليك العين ذات توسم
ولا زال منك النشر يأرج عرفه
فيهديه أنفاس الصبا بمسلم