الفيزيولوجيا المرضية للتوحد
وخلافًا للعديد من اضطرابات الدماغ الأخرى، مثل الشلل الرعاش، لا توجد آلية واضحة للتوحد سواء في الجزيئية، الخلية، أو على مستوى النظم: ومن غير المعروف ما إذا كان التوحد عبارة عن اضطرابات قليلة ناشئة من الطفرات المتقاربة على عدد قليل من المسارات الجزيئية المشتركة، أو أنه( مثل الإعاقة الذهنية) عبارة عن مجموعة كبيرة من الاضطرابات لها آليات متنوعة. ويبدو أن التوحد ينتج عن عوامل النمو التي تؤثر على العديد من أو جميع أنظمة الدماغ الوظيفية، وتشوش على توقيت نمو الدماغ أكثر من الإنتاج النهائي. وتشير دراسات التشريح العصبي والروابط بالماسخات، بقوة إلى أن آلية التوحد تشمل تغير نمو الدماغ بعد الحمل بوقت قصير. ويبدو أن هذا الوضع الشاذ يبدأ في تكوين سلسلة من أمراض الدماغ تتأثر بشكل كبير بالعوامل البيئية. وبعد الولادة فقط، تنمو أدمغة الأطفال المصابين بالتوحد بشكل أسرع من المعتاد، ثم تنمو بشكل عادي أو بطيء نسبيًا في مرحلة الطفولة. وليس معروفًا ما إذا كان النمو الزائد يحدث في جميع حالات الأطفال المصابين بالتوحد أم لا. ومن الواضح أنه في مناطق الدماغ ينمو الجانب العصبي المعرفي بشكل ملحوظ ومرتفع. وتشمل فرضيات الأسس الخلوية والجزيئية الخاصة بزيادة نمو التوحد المبكر ما يلي:
وجود فائض من الخلايا العصبية التي تسبب اتصال موضوعي مفرط في مناطق الدماغ الرئيسة.
ارتحال الأيونات العصبية المضطربة أثناء الحمل المبكر.
الشبكات غير المتوازنة- الاستثارية المثبطة
التشكيل الشاذ لنقاط الاشتباك العصبي والعمود الفقري الشجيري عن طريق تعديل نظام التصاق خلايا النيروكسين والنيرولوجين أو عن طريق العمليات التركيبية الضعيفة للبروتينات المتشابكة. وقد يؤدي النمو المتشابك المعطل إلى الصرع، وهو ما قد يفسر ارتباط الحالتين.
وتبدأ التفاعلات بين الجهاز المناعي والجهاز العصبي في وقت مبكر خلال المرحلة الجينية من الحياة، ويعتمد النمو العصبي الناجح على استجابة مناعية متوازنة. وربما يكون النشاط المناعي الشاذ خلال الفترات الحرجة من النمو العصبي جزءًا من آلية بعض أنواع التوحد، وبالرغم من إيجاد بعض التشوهات بالجهاز المناعي في مجموعات فرعية بالأفراد المصابين بالتوحد، فليس معروف ما إذا كانت هذه التشوهات ذات صلة أولية أو ثانوية بالتوحد. وبسبب العثور على أجسام مضادة في غير حالات التوحد، ولعدم وجود هذه الأجسام بشكل دائم في حالة التوحد، فإن العلاقة بين اضطرابات المناعة ومرض التوحد لا تزال غير واضحة ومثيرة للجدل.
ولا تفهم علاقة العوامل الكيميائية العصبية بالتوحد على نحو جيد؛ وقد تم التحقيق في العديد من أدلة دور السيروتونين، والاختلافات الوراثية في انتقال هذه العوامل. وأدى دور المجموعة الأولى ميتابو ترونيك، مستقبلات الصوديوم(mGLUR) في متلازمة X الهشة، أكثر الجينات شيوعًا في كونها سبب التوحد، إلى الاهتمام بالتداعيات المحتملة في بحاث مرض التوحد المستقبلة في هذا المسار. وتشير بعض البيانات إلى أن الزيادة المبالغة في النمو العصبي يحتمل أن تكون مرتبطة بزيادة في عدد هرمونات النمو أو باختلال نظام مستقبلات عامل النمو. وترتبط أيضًا بعض الأخطاء الوراثية في عملية التمثيل الغذائي بالتوحد، ولكن ربما تمثل ذلك في أقل من 5 % من الحالات.
وتفترض نظرية التوحد الخاصة بالخلايا العصبية المرآتية أن التشوه في تطور هذه اخلايا يتعارض مع التقليد أو المحاكاة ويؤدي إلى وجود خصائص التوحد الأساسيةوهي ضعف العلاات الاجتماعية وصعوبات التواصل. وتعمل الخلايا العصبية المرآتية عندما يؤدي حيوان عملًا ما أو يلاحظ حيوانا آخرًا يؤدي العمل نفسه. ويمكن أن تسهم هذه الخلايا في فهم الفرد الآخرين وذلك من خلال تمكينه من نمذجة سلوكهم عن طريق محاكة تجسد أفعالهم، ونواياهم ومشاعرهم. ولقد اختبرت دراسات عديدة هذ الفرضية من خلال كشف عيوب الهيكلة في مناطق الخلايا المرآتية للأشخاص المصابين بالتوحد، تأخر تفعيل حلة التقليد الأساسية عند الأفراد الذين يعانون من متلازمة أسبرجر، ووجود ارتباط بين انخفاض نشاط الخلايا المرآتية وشدة المتلازمة في حالة الأطفال المصابين بالتوحد.[ومع ذلك يتميز الأشخاص الذين يعانون من التوحد بنشاط دماغي غير عادي في كثير من الأحيان ناتج عن مرآة الخلايا العصبية. ولا تشرح نظرية الخلايا العصبية المرآتية الأداء العادي لأطفال التوحد في المهام التي تنطوي على تقليد هدف أو كائن.
وتختلف أنماط التنشيط المنخفض أو الشاذ في الدماغ اعتمادًا على ما إذا كان الدماغ يقوم بمهام اجتماعية أو غير اجتماعية. وفي التوحد، يوجد دليل يثبت انخفاض الربط الوظيفي للشبكة الافتراضية، وهي شبكة الدماغ واسعة النطاق التي تشارك في المعالجة الاجتماعية والعاطفية، باتصال سليم لمهام الشبكة الإيجابية، التي تستخدم في الاهتمام المتواصل والتفكير الموجه الهدف. وفي حالة المصابين بالتوحد، لا ترتبط الشبكتان سلبًا في الوقت الناسب، مما يشير إلى خلل في تبديل الوظائف بين الشبكتين، وربما يعكس ذلك اضطراب الفكر المرجعي الذاتي. ووجدت دراسة تصوير الدماغ التي أجريت عام 2008، نمطًا محددًا من الإشارات في القشرة الحزمية، يختلف في حالة الأفراد المصابين بالتوحد.
وتفترض نظرية عدم التواصل الخاصة بالتوحد، أنه يتميز بوجود روابط عصبية عالية المستوى بالتزامن جنبًا إلى جنب مع وجود روابط عصبية منخفضة المستوى. وقد وجدت الأدلة الخاصة بهذه النظرية أنه في تصوير الأعصاب الوظيفية عند شخص مصاب بالتوحد، ومن خلال الدراسة ذات الفكرة الرائعة أن البالغين المصابين بالتوحد لديهم زيادة اتصال في القشرة المخية وروابط وظيفية ضعيفة بين الفص الجبهي وروابط القشرة الدماغية. وأشارت أدلة أخرى إلى أن قلة التواصل موجودة في قشرة دماغ نصف سكان الكرة الأرضية وإلى أن التوحد هو اضطراب في ترابط القشرة.
ومن خلال الدراسات التي تعتمد على إمكانات ذات صلة بالأمر، فإن التغيرات العابرة في النشاط الكهربائي في الدماغ استجابة للمؤثرات، تعتبر أدلة قوية على الاختلافات الموجودة بالمصابين بالتوحد فيما يتعلق بالانتباه، والتوجه نحو المؤثرات السمعية والبصرية، وكشف الحداثة، ومعالجة اللغة والوجه، وتخزين المعلومات؛ وقد وجدت دراسات عديدة أن هناك تفضيلًا للمؤثرات غير الاجتماعية. على سبيل المثال، قد وجدت دراسات التحفيز المغناطيسي للدماغ دليلًا على أن الأطفال المصابين بالتوحد تتأخر استجاباتهم بسبب تأخر معالجة الدماغ للإشارات السمعية.
وفي مجال الوراثة، وجدت علاقات بين التوحد والفصام، وتقوم هذه العلاقات على أساس ازدواجية الكروموسومات وحذفها. وأظهرت الأبحاث أن مرض انفصام الشخصية ومرض التوحد هما الأكر شيوعًا في الاقتران بمتلازمة الحذف 1q21.1. وتعتبر الأبحاث التي درات حول العلاقات بين التوحد والفصام لكرموسوم 15 (15q3.3)، وكروموسوم 16( 16p13.1)، وكروموسوم 17(17p2)، غير حاسمة.