المرأة و حرية المرأة
لست أدري لما المجتمع يضخم الأمر، أرى منشورات أينما أذهب، فهذا يدافع عن المرأة و ذاك يقول ما يقول عنها. لأصدقكم القول لطالما كرهت الحديث في هذا الموضوع، و لكن أناملي أبت إلا أن تكتب، و نفسي لم تطاوعني بالتجاهل، فأبت إلا أن تعبر، فلم أجد للأمر مانعا سوى أن أكتب بضع سطور، أفضي بها ما بجعبتي...
أذكر أول نقاش علني شاركت فيه في هذا الموضوع، و قد كان في أول سنة لي في المدرسة العليا للأعلام الآلي في حصة الفرنسية، و بعد أن تداول الطلاب أفكارهم التي كانت في مجملها دفاعا عن المرأة، طلبت الأستاذة رأيي، فأجبت كالتالي:" أظن ان كل ما تريده المرأة هو الشخص الذي يقوم بحمايتها فإن لم يوجد وجب عليها حماية نفسها" و لم أزد حرفا واحدا، فقد كنت مقتنعة أن هذا موضوع لا يوجب كل تلك البلبلة...
والعام الماضي، قمنا بقضاء العطلة في مدينة ساحلية، و هناك قمنا بركوب سينما 12D و أثناء الانتظار، نظر أحد العمال في تلك السينما إلى فتاة صغيرة و أخبرها أن لا ترتدي الحجاب عندما تكبر، فتعجبنا من طلبه هذا و سألناه لم؟ فحيرنا جوابه أكثر، قال:" إنه تخلف، و نحن بصدد تحرير المرأة" ثم أخذ يشرح و يقول أن العرب لم يفعلوا شيئا سوى تشويه المجتمع و الحد من حرية المرأة.... بدأت أتدبر في كلامه، و أفكر، هذا الشخص يدعو إلى نزع حجاب المرأة، أوليس يحد من حريتها في اختيارها من تكون، ما إذا كانت تود هي ارتداء حجابها، و بدأت أقول في نفسي: " عن أي حرية كان يتحدث حقا؟؟ ولم يدعو إلى تحرير المرأة، فأن حررها من قيد الإسلام كما يدعي، ألن يقيدها بقيد مجتمع ذو مبادئ فاسدة كأفكاره. إنه و الله يدعو إلى نزوة في نفسه و ليس إلى حرية المرأة"...
قبل أن أحدثكم عن رأيي في المرأة و عن حريتها ، سأحكي عن الحجاب من منظور الدين أولا و من منظور المجتمع ثانيا، فأما من منظور الدين، يكفي أن أقول أن الله سبحانه و تعالى حلل كل المحرمات في الجنة، فجعل فيها أنهار خمر لذة للشاربين و لكنه لم يحلل التعري بل إن التعري محرم حتى في الجنة وهو ما نزل بسيدنا آدم عليه السلام من جنات الخلد إلى الدنيا الفانية، فتدبروا أخواتي و أخواني. و أما من منظور المجتمع، فدعوني آخذكم إلى العصور القديمة، و لنذهب إلى الحضارات اليونانية و الرومانية حيث كلما زاد لباس الفرد طولا و عددا كلما زاد شأنه في المجتمع بل إن طول الثياب كان دليلا على تحضر الإنسان، و دعوني أذهب بكم الآن إلى الغرب (الذي يقدسون أغلب العرب في لباسه و يتبعونه فيما لا ينفع حتى إنهم لبسوا لباسا مقطعا لا يصلح للبس فاتبعوهم)، أليس معظم الغرب يهودا أو نصارى، حتى في دياناتهم وجب الستر و لباس الخمار و الحجاب، لذا نجد الراهبات يلبسن لباس شرعي و خمارا لا تظهر منه شعرة واحدة، يا ترى هاته النسوة هناك ألا يريد أي شخص تحريرهن؟؟ أم أنهن اخترن حياة التديين فلا يجدر بنا أن نزعجهن؟؟ أحقا؟؟ ... إذا ماذا عن نساء المسلمين اللواتي أردن نفس الشيء فلم يردن الاستجابة للنداء الفاسد للتحرر... أنا لن أخبركم أنه يجدر بالنساء ارتداء الحجاب أم تركه و لكن أطلب خاصة منك أيتها المرأة أن تتدبري قبل أن تحكمي و قبل أن تتبعي أحد النهجين، لا تكوني امعة و كما يقال عندنا " الريح لي جي تديك "
أعرف أنني أكثرت الحديث عن الحجاب و أعرف كذلك أنني لم أفيه حقه فهو باب لو تحدثنا فيه لألفنا فيه الكتب ولكن حسبي هنا و لمن أراد أكثر فليستعن بالكتب، ففي النهاية أنا أردت الحديث عن المرأة و الحجاب ما هو إلا نافذة صغيرة فيه لذا سأتوقف عند هذا الحد و أنتقل للب الموضوع...
لو سألتك عزيزي القارئ من هي المرأة بالنسبة إليك؟ أعرف أنني سأجد إجابات كثيرا، فمنهم من يقول أن المرأة هي الأخت و الأم و الزوجة و البنت، و آخر سيجيب النساء شقائق الرجال، و آخر سيقول المرأة بدون الرجل نكرة، و يتسرع آخر و يقول، لا لعمل المرأة خارجا بذلك عن الموضوع، و هذه الإجابات لم أستقها من مخيلتي بل إنني قرأتها في تعليقات عدة، و يا لها من تعليقات و الحقيقة أنني أكتب هذا المقال بعدما قرأت تعليقا لمنشور في إحدى المجموعات و رغم أنني أجبت على ذلك التعليق غير أن ذلك لم يشف غليلي.... جاء في ذلك المنشور: " هيّ ليست جسداً فقط ! و لا عوره .. و ليس مكانها فوق السرير فقط ! و لا بين ادوات المطبخ .. هيّ لم تُخلق لتتحمل تفاهات الذكور .. هيّ تقرأ ، و تبني ، و تخترع ، و تكتب ، و تحب ، هيّ طبيبة و مهندسة ، و الأجمل من ذلك هيّ أم .. هيّ مقدسة هيّ أنثى هيّ كل شيء و لها كل شيء .. ولو كانت المرأه أغبى أو أضعف من الرجل لما ائتمنها الرب في تربية البنات والبنين فكلاهما يكملان بعضهما البعض .. يا مجتمعي متى تفهم هذا الشيء ؟! ! "
ولكن أحد الأعضاء علق بما يلي: " اقرئي وابني واخترعي واكتبي وكوني طبيبة ومهندسة... اذا لم يحتضنك رجل أنت لاشيء!!"
صحيح أن المنشور جاء فيه نوع من الشدة ولكن التعليق كان أشد، أولا هذا الشخص خرج عن الموضوع تماما، كل ما في الموضوع أن المنشور قصد أن المرأة مهمة في المجتمع و أن كل من الرجل والمرأة له دور فيه، فلما هذا الحط من شأن الأم والأخت والزوجة والابنة.
والأغرب من ذلك تجد من يتغنى ويقول أنك إن علمت رجلا فإنك تعلم فردا أما إن علمت امرأة فأنت تعلم جيلا و يقول في نفس الوقت مكان المرأة بين جدران المنزل لخدمة أولادها و زوجها فلا يحق لها أن تحلم أو تقرر أو تسافر أو تشارك في اعمار مجتمعها أو.... لست حقا أفهم ...
أنا فقط سأبدي رأيي في الموضوع ولك عزيزي القارئ ان تتدبر وتحلل، أو ليست هذه المرأة انسانا قبل أن تكون أي شيء آخر؟!، فمن العدل أن يكون لها ما يكون لبني البشر من حق الحلم والتفكر وتقرير مصيرها وتحقيق ذاتها... ادري أن هناك من سيهاجمني باسم الدين في هذا الموقف، لذا سأخبره قبل أن يفعل، بأن هذا ممكن تماما و الإسلام شرع ذلك للمراة فلا تقلق يا سيدي، بل إن الإسلام هو اول دين شرع للمرأة من الحريات ما لم يشرعها غيره فجعلها ترث و تورث، و جعل لها حق تقرير مصيرها فهي من تقرر من تتزوج فيمكنها الرفض كما يمكنها القبول، يمكنها حل المسائل الصعبة و مساندة عائلتها بالرأي السديد الذي يعجز عنه معظم الرجال، وكل ذلك حق شرعي لا ينحاز عن الإسلام قيد شعرة.
ثم إنك إن حبستها بين جدران المنزل فإنك تحد من تعلمها، فنحن بعالم قائم على التكنولوجيا وويلاتها الأكبر منها، فلو لم تتعلم فكيف تعلم أبنائك، إن فاقد الشيء لا يعطيه، فأظن أنه بدل حبسها في المنزل، اتركها تتعلم وتعمل وضع ثقتك بها، فلا أظن أن هناك شيئا يجعلها أسعد من ثقتك بها، وربما أكثر من حبك لها حتى، فأنت إن فعلت ذلك نالت هي السعادة وسعادة المرأة هي سعادة البيت بأكمله. ولا تقل إنك تخاف عليها من الاختلاط، فكما سبق وقلت نحن في زمن التكنولوجيا فكن ذكيا واستفد من هذه الميزة، فمثلا دعها تعمل عن بعد ... وهذا مثال بسيط أخي...
ثم إن المرأة هي نصف الرجل، وهنا أذكر إحدى المبادئ الصينية المشهورة و هي الين يانغ، يقوم مبدؤها على التكامل فكما أن الدواء يفقد فائدته دون الداء فإن الداء كذلك، فلو جمعنا بين الاثنين حققنا التوازن و الكمال، فكل شيء ناقص في الوجود إلا الله سبحانه و تعالى فهو الكامل الذي لا ينقصه شيء، و كذلك الحق و الباطل فليس الحق حقا ما لم يوجد باطل و ليس الباطل باطلا ما لم يوجد حق، ونفس الشيء بالنسبة للإنسان، فالذكر يكمل الانثى والانثى تكمل الذكر، و قد تعمدت استعمال كلمة أنثى و ذكر بدل المرأة و الرجل و ذلك أن الذكر لا يولد رجلا بل هو هدف يسعى إلى تحقيقه و نفس الشيء بالنسبة للأنثى، فالجزء لا يمكن أن يعمر المجتمعات ولا سبيل لذلك سوى الكل و تلك حكمة الله جل و علا في خلقه....
عندما قال القرآن "الرجال قوامون على النساء"، و جاء في الشريعة أن الزوجة يجب أن تطيع زوجها و ولي أمرها، لم يجعل المرأة أمة لزوجها و عبدة أشبه ما تكون بدابة و لكن لأنها مفطورة على اتباع عاطفتها و تجاهل المنطق و الشرعية عندما يتعلق الأمر بالأشخاص الذين تحبهم في حين أن الرجل مفطور على اتباع المنطق و تجاهل المشاعر، فلو قلت لامرأة سنقتل هذا الشخص لأنه قاتل، قتل ليسرق فيطعم عائلته لقالت إنه فعل هذا من أجل عائلته و أنه ربما يجب الصفح عنه، في حين أن الرجل سيقوم بتطبيق القصاص، لذا أوصى رسولنا الكريم على فراش الموت بالنساء، ولم يقل المسلمات أو المؤمنات بل قال: " رفقا بالقوارير" و قال: " أوصيكم بالنساء خيرا"....
أعرف أنني أطنبت، لما في الموضوع من تعقيدات ابتدعها بنو البشر لذا سأختصر في النهاية وأقول: " أخي الرجل، ليست المرأة عارا، حتى تقوم بوأدها حية وأن اختلفت الطريقة عن الجاهلية، فالمرأة ليست العدو، وأختي المرأة، يجب عليك إعمال عقلك، فأنت الجزء ولست الكل فلا تطلبي أكثر من حقك، ولا تلبي النداء لأشخاص همهم إفسادك ليتمكنوا بذلك من إفساد المجتمع وإشباع رغباتهم الشخصية، وليس كل ما يقال لك تصدقينه في مسألة تحريرك فأنت أصلا حرة في الإسلام، إن هؤلاء الأشخاص فقط عرفوا كيف يستفيدوا من عاطفتك و هشاشتك لصالحهم، فالأولى بك اثبات عكس ذلك، فالرجل ليس العدو"